تسقي ثراك مدامع الاجفان

تسقي ثراك مدامع الاجفانِ

يا غصن بانٍ بل غصين البانِ

انتَ الغصين نشا ولكن ما نَما

كيما يُعَدَّ بجملة الاغصانِ

قصفَ الزَمانُ قوامك الرطب الندي

وَكَذاك شان طوارق الحدثانِ

غَرَسوك في تُربٍ عسى تحيا بِهِ

وَسَقوك سيلَ المدمع الهتّانِ

لكنَّما تلك الدموع سخينةٌ

وَكَذا تَكون مدامع الاحزانِ

فذبَلتَ حينئذٍ ذبولاً ثانياً

طَلَبُ الزيادة جالِبُ النقصانِ

فَلَنبكِ ثَمَّ وَنَسقِ قبرك دَمعنا

اذ لَيسَ نَخشى بعدُ من خسرانِ

فَعَسى نرطّب بالاقلّ ترابُهُ

وَعَليهِ تنبتُ أَغصُنُ الرَيحانِ

كيما تشيرَ بانَّ فيهِ تحتها

شبهاً لها باللطف والميلانِ

وَلكي تميلَ اذا الرياحُ تناوَحَت

كَتَمايُل الباكي الاسيف العاني

وَتصفِّقَ الاوراقُ تصفيق امرىءٍ

متأَلّمٍ أَو عاشقٍ ولهانِ

وَيَفوحَ منها زَهرُها بِروائحٍ

عطريَّةِ الأَذيالِ والأَردانِ

فاذا يُمرَّ فَتىً هناك يَعج بها

يَتلو عليك تحيَّةَ الإِخوانِ

وَتنالَ منك جُذورُها فَتَعود في

أَغصانها حيّا بنوعٍ ثانِ

فَتَعودَ غصناً مثلما قد كنتَ في

هَذي الحياة بعالمِ الحيوانِ

وَتَعودَ زَهراً زاهياً ذا بهجَةٍ

وَكَذاك كنتَ بعالَم الإِنسانِ

وَتَفوحَ منك روائِحٌ عطريَّةٌ

تُنبي بما بك من لطيف معانِ

وَيَعودَ مَنظَرُك الجَميلُ وَثَغرُك ال

بسّامُ مثلَ قَلائد العقيانِ

وَيَلاهُ من هَذا الكَلام فانهُ

يُصلي القلوب بلاعج النيرانِ

وَيَزيد اشجاناً ولكنَّ الاسى

لم يحتمل لزيادة الاشجانِ

ابقيت امك مع ابيك بلوعةٍ

وَمناحةٍ جلَّت عن السلوانِ

هَلّا سمعتهما وقد حانَ النوى

يَتَباكَيانِ اسىً وَينتَحِبانِ

يَتباكيان عليك وافاك القضا

قبل الشباب الغَضَّ رخصَ بنانِ

في التسع عاجلك الردى فبكاهما

لَم تُحصَ مدَّتهُ بحكم زَمانِ

ان كنتَ في الغلِمان معدوداً لَدى

عمرٍ فانك لستَ في الغُلمانِ

قَد كنتَ في عقل الكُهول فقد اتى

هَذا الزَمان لديك بالبرهانِ

اخطا فظنَّك منهمُ سنا وكَم

خطإِ لذا الدهر الحَؤون الجاني

قَد أَعطياك اسمَ الصَفا لثباتِهِ

فَثَبَّتَ لكن في الضَريحِ الفاني

وغدوتَ صخراً فيهِ لا سمعٌ ولا

بَصَرٌ فدتك الروحُ وَالعينانِ

خَيَّبتَ ما أَملاهُ منك ولم يكن

لك عادةُ التَخييب والخِذلانِ

طوبى لمثلك حيث رحتَ مبرّأً

من ذنب قَلبٍ او يَدٍ وَلِسانِ

وَتركت ذي الدنيا الغَرورِ مبادراً

لِقا سميك في حمى الرحمَنِ