أحننت من شوق إلى لبنان

أحَنَنْتَ مِنْ شَوْقٍ إِلَى لُبْنَانِ

وَارَحْمَتَا لَكَ مِنْ رَمِيمٍ عَانِ

شَوْقٌ تُكابِدُهُ وَيَثْوِي مِنْكَ فِي

مَثْوَى الرُّؤى مِنْ مُهْجَةِ الْوَسْنَانِ

جُسُّوا مِظَنَّةَ حِسِّهِ أَفَنَابِضٌ

فِيهَا فُؤَادُ مُتَيَّمٍ وَلْهَانِ

وَاسْتَطْلِعُوا الرَّسْمَ المُحِيلَ فَهَلْ بِهِ

يَوْمَ المَآبِ لِقُرَّة عَيْنَانِ

أَرُفَاتُ حِيٍّ كَانَ فَرْدَ زَمَانِهِ

بِذَكَائِهِ بَلْ فَرْدَ كُلِّ زَمَانِ

هَلْ يَسْتَطِيعُ إِشَارَةً أَوْ نَبْأةً

أَوْ رَمْزِ طَرْفٍ أَوْ حَرَاكَ بَنَانِ

لا شَيْءَ بَاقٍ مِنْكَ إِلاَّ أَسْطُراً

خَلَدَتْ بِحُسْنِ الصَّوْغِ وَالتَّبْيَانِ

وَجَمِيلُ ذِكْرٍ لَمْ يُفِدْ فِي دَفْعِ مَا

يَتَبَشَّعُ التَّحْوِيلُ فِي الجُثْمَانِ

إِنِّي لأَنْظُرُ كَيْفَ بِتَّ فَلا أَرَى

فِي المَجْدِ مَا يُغْنِي مِنَ الإِنْسَانِ

وَأَرَاكَ قَدْ أَمْسَى فُؤَادُكَ خَالِياً

أَبَداً مِنَ الأَفْرَاحِ وَالأَحْزَانِ

لَكِنْ تَوَهَّمْنَا قَرَارَكَ فِي الحِمَى

أَشْفَى لِغلَّةِ عَوْدِكَ الظَّمْآنِ

لُبْنَانُ يَا جَبَلاً كَأَنَّ نَزِيلَهُ

إِنْ يَرْتَحِلْ عَنْهُ طَرِيدُ جِنَانِ

لَوْ أَنَّ أَطْوَاداً مَعَانٍ جُسِّمَتْ

مَا كَنْتُ غَيْرَ الشَّوْقِ وَالتَّحْنَانِ

تَتَنَفَّلُ الْبَهَجَاتُ فِيكَ زَوَاهِياً

بِأَشِعَّةٍ يَرْفُلْنَ فِي أَلْوَانِ

أَمَّا ظِلالُكَ فَهْيَ أَشْبَاحٌ لِمَا

فِي أَنْفُسِ النَّائِينَ مِنْ أَشْجَانِ

هَذَا ابْنُكَ الْعَلَمُ الأَشَمُّ قَدِ انْطَوَى

فِي بَرْزَخٍ مُتَطَامِنِ الأَرْكَانِ

تِلْكَ الْعَظَائِمُ كُلُّهَا قَدْ أَصْبَحَتْ

شَيْئاً مِنَ الْعَظْمِ المَهِيضِ الْفَانِي

مَاذَا تَقُولٌ ذُرَاكَ وَهْيَ شَوَاهِدٌ

هَذِي الْبَقِيَّةَ مِنْ نَهًى وَبَيَانِ

مَاذَا يَقُولُ السَّفْحُ أَنْكَرَ سَمْعُهُ

هَذَا السُّكُوتَ عَلَى الصَّدَى الرَّنَانِ

بَيْرُوتُ يَا بَلَداً عَزِيزاً طَيِّباً

سَمْحَ السَّرِيرَةِ صَادِقَ الْشُّكْرَانِ

بَيْرُوتُ هَذَا مَنْ بَلَغْتِ مِنَ العُلَى

بِمَكَانِهِ السَّامِي أَعَزَّ مَكَانِ

حَيِّي مَثُوبَتَهُ إِلَيْكِ وَأَكْرِمِي

مَا شِئْتِ زَائِرَكِ الرَّفِيعِ الشَّانِ

وَتَذَكَّرِي أَيَّامَهُ الْغُرَّ الَّتِي

كَانَتْ عُقُودَ بَدَائِعٍ وَمَعَانِ

جَعَلَتْ شُمُوسَكِ فِي الشُّمُوسِ فَرَائِداً

بِالآيَتَيْنِ النُّورِ وَالعِرْفَانِ

كَانَت لَنَا بِالْقُرْبِ مِنْهُ سَلْوَةٌ

فَأَزَالَهَا هَذَا الْفِرَاقُ الثَّانِي

أَيْ نَعْشَهُ فِيكَ الْعَفافُ مُشَيِّعاً

وَالْعِلْمُ مَبْكِياً بِكُلِّ جنَانِ

أَبْلِغْ وَدِيعَتَنَا إِلَى أَحْبابِنَا

وَاحْمِلْ تَحِيَّتَنَا إِلَى الأَوْطَانِ

كُنَّا نَوَدُّ بِكَ المَصِيرَ إِلَى الْحِمَى

وَتَأَسِّيَ الإِخْوَانِ بِالإِخْوَانِ

لَكِنْ عَدَانَا الْبَيْنُ دون عِنَاقِهِمْ

فَتَولَّ وَلْيَتَعَانَقِ الدَّمْعَانِ