ألغرس غرسك أيها البستاني

أَلْغَرْسُ غَرْسُكَ أَيُّهَا البُسْتَانِي

فَانْظُرْ إلى الثَّمَرَاتِ وَالأَغْصَانِ

أيُّ الرِّيَاضِ كَرَوْضَةٍ أَنْشَأْتَهَا

فِيهَا قُطُوفٌ لِلنُّهَى وَمجَانِي

عِلْمُ وَأَخْلاَقٌ وَحُسْنُ شَمَائِلٍ

مِنْ فَاكِهةٍ بِهَا زَوْجَانِ

نَبَتَتْ نَبَاتاً صَالِحاً وَتَنَوَّعَتْ

زِينَاتُهَا مِنْ حِكْمَةٍ وَبَيانِ

يَا خَيْرَ مَنْ رَبَّى فَأَتْحَفَ قَوْمَهُ

بِنَوَابِغِ الأَدَابِ وَالعِرْفَانِ

أَحْسَنْتَ فِي آنٍ إلى هَذّا الْحِمَى

وَإلى سِوَاهُ نِهَايَةَ الإحْسَانِ

أَلحِكْمَةُ الزَّهْرَاءُ شَادَاتْ مَعْهَداً

مَا زِلْتَ فِيهِ أَثْبَتَ الأرْكَانِ

وَمِنَ الأُولَى مَرُّوا بِظِلِّكَ أَخْرَجَتْ

نُخَباً يُشَارُ إلَيِهِمُ بِبَنَانِ

فِتْيَانُهَا فِي الْعَالَمِ العَرَبِيِّ هُمْ

فَخْرُ الشَّبَابِ وَزِينَةُ الْفِتْيَانِ

أَلْبَطْرِكِيًّةُ فِي زَمَانِكَ نَافَسَتْ

مِنْ عَهْدِهَا المَشْهُورِ خَيْرَ زَمَانِ

وَبَنُوكَ فِيهَا ذَاكِرُوا أُستَاذِهِمْ

بِالخَيْرِ فِي الإسُرَارِ وَالإعْلاَنِ

مَا أَجْمَلَ الأَثَرَ الَّذِي خَلَّفْتَهُ

فِيهَا وَأَبْقَاهُ عَلَى الْحِدْثَانِ

حَسْبِي فَخَاراً أَنَّهَا بِإِنَابَتِي

عَنْهَا تُؤْدِّي شُكْرَهَا بِلِسَانِي

لِلْغَرْبِ فِي هَذِي الدِّيَارِ مَدَارِسٌ

فَازَتْ بِخَطّ مِنْ جَنَاكَ الدَّانِي

فَرَدَدْتَ فِي طُلاَّبِهَا مَلَكَاتِهِمْ

عَرَبِيَّةً خَلَصَتْ مِنَ الأدْرَانِ

آلاَفُ شُبَّانِ أفَادُوا بِالَّذِي

لَقَّنْتَ آلاَفاً مِنَ الشُّبَّانِ

وَبِبعْضِ مَا أًسْدَيْتَ عظَّ مَقَامُهُمْ

فِيمَا نَأَى وَدَنَا مِنَ البُلْدَانِ

مِنْ سَفْحِ لُبْنَانٍ تَعَالَى صَوْتُهُمْ

وَصَدَاهُ فِيمَا رَدَّدَ الْهَرَمَانِ

فِي عُودِ دَوُدَ الَّذِي خَلَبَ النُّهَى

مَا فِيهِ مِنْ ذَاكَ الصَّدَى الرَّنَّانِ

مَا زِلْتَ مِنْ خَمْسِينَ عَاماً بَانِياً

لِلضَّادِ مَا لَمْ يَبْنِ قَبْلَكَ بَانِي

فَإذَا نَظَمْتَ فَأَنْتَ أَوَّلُ شَاعِرٍ

وَإذَا نَثَرْتَ فَأيْنَ مِنْكَ الثَّانِي

صُغْتَ الُقَرِيضَ وَمَنْ يَصُوغُ فَرِيدَهُ

إلاَّكَ صَوْغَ قَلاَئِدِ الْعِقْبَانِ

لَفْظٌ إِلَى حُسْنِ الْبَدَاوَةِ جَامِعٌ

مَا لِلْحَضَارَةِ مِنْ جَدِيدِ مَعَانِي

مُتَرَقْرِقُ المَجْرَى تَرَقْرُقَ جَدْوَلٍ

مُتَمَاسِكُ الأَجْزَاءِ كَالْبُنْيَانِ

نَثْرٌ مِنَ الجَزْلِ الَّذِي أَسْلُوبُهُ

يَلِجُ النُّفُوسَ بِغَيْرِ مَا اسْتِئْذَانِ

وَيَذُودُ مَنْ جَارَاكَ عَنْ غَاياتِهِ

بِبُلُوغِهِ الْغَايَاتِ فِي الإِتْقَانِ

لِلْعِلْمِ لُحْمَتُهُ وَلِلْفَنِّ السَّدَي

فَاظْنُنْ بِوَشْيٍ فِيهِ يَلْتَقِيَانِ

فِيهِ الرَّصَانَةُ وَالمَتَانَةُ تَزْدَهِي

بِهِمَا الْحِلَى وَبِهِنَّ تَزْدَهِيَانِ

أَمَّا اللِسَان فَانتَ فِي النَّفَرِ الأُولَى

نَصَرُوهُ حَتَّى بَزَّ كُلَّ لِسَانِ

فَإِذَا الْعُلَى عَدَّتْ فَوَارِسَ شَوْطِهِ

عَدَّتْكَ فِيهِ أَوَّلَ الْفُرْسَانِ

للهِ مُعْجَمُكَ الَّذِي أَخْرَجْتَهُ

مُسْتَكْمِلَ التَّفْصِيلِ وَالتِّبْيَانِ

يُصْطَادُ أَغْلَى الدُّرِّ مِنْ قَامُوسِهِ

وَمَنَالُهُ مِنْ أَقْرَبِ الشُّطْآنِ

قَيَّدْتَ فِيهِ أَوَابِدَ الْفُصْحَى بما

فَاتَ الأُولَى سَبَقُوا مِنَ الأَقْرَانِ

وَنَهَجْتَ لِلطُّلاَّبِ نَهْجاً وَاضِحاً

يُدْنِي أَقَاصِيَهَا إِلَى الأَذْهَانِ

حَيَّاكَ رَبُّكَ مِنْ أِمَامٍ مُعْجِزٍ

فِي عَبْقَرِيَّتِهِ وَمِنْ إِنْسَانِ

مُتَبَتِّلٍ لِلْعِلْمِ مَشْغُولٍ بِهِ

عَنْ رَشْفِ كَاسَاتٍ وَعِشْقِ غَوَانِ

سَمْحِ المُحَيَّا وَالضَّمِيرِ سِرَارُهُ

كَجِهَارِهِ مِمَّا تَرَى العَيْنَانِ

فَكِهِ الْحَدِيثِ وَإِنْ أَقَلَّ مَكَانُهُ

مُتَفَقَّدٌ فِي مَجْلِسِ الإِخْوَانِ

لَمْ يَلْتَمِسْ فِي الْعَيْشِ إِلاَّ غَايَةً

تُرْضِي الإِبَاءَ وَطَاهِرِ الْوِجْدَانِ

يَا أَيُّهَا العَلاَّمَةُ الْعَلَمُ الَّذِي

يَدْرِي مَكَانَتَهُ بَنُو عَدْنَانِ

هَذِي إِلَيْكَ تَوافَدَتْ

تَلْقَاكَ مِنْ مُتَعَدِّدِ الأَوْطَانِ

تُهْدِي تَهَانِئَهَا وَفَضْلُكَ عِنْدَهَا

مَا لا يُوَفَّى حَقُّهُ بِتَهَانِي

حَمَلَ التَّحِيَّةَ شَيْخُهَا وَتَضَاعَفَتْ

بَرَكَاتُهَا بتَحِيَّةِ المُطْرَانِ