أمر من يطلب الخلود عسير

أَمْرُ مَنْ يَطلُبِ الْخُلُودَ عَسِيرُ

لاَ يُعَارُ الْخُلُودُ مَنْ يَسْتَعِيرُ

غَايَة الْفَنِّ لاَ ترَامُ وَمَا

يُقرَبُ مِنْهَا إِلاَّ النَّبِيغُ الصَّبُورُ

أَدْهَشَ الْخَلْقَ رَافَئِيلُ وَلَمْ

يَبْلُغْهُ مِنْه مَا شَاءَ التَّصويرُ

نَحْتُ فِيدَاسَ حَيَّرَ النَّاسَ حَتَّى

لَغَدَتْ تَدَّعِي الْحَيَاةَ الصُّخورُ

ثُمَّ وَلَّى ذَاكَ الصُّناعُ وَمَا فِي

نَفْسِهِ حَالٌ دُونَهُ التَقْصِيرُ

أَشْعَرُ الْخَلْقِ كَانَ هُومِيرُ

هَلْ أَدْرَكَ مِنْه كُلَّ الْمُنَى هُوميرُ

لَمْ يَتِمَّ الذِي تَوَخَّاهُ جُوتِي

لاَ وَلَمْ يَقضِ مَا اشْتَهَى شَكْسَبِيرُ

فِي الْفِرنْسِيسِ هَلْ تقضَّى مَرامٌ

لِمُجِيدٍ أَوِ اسْتَمَرَّ مَرِيرُ

وَشكا عَجْزَهُمْ أَوْلُو السَّبقِ

فِي غَرْبٍ وَشَرْقٍ وَأَنَّهمْ لَكَثِيرُ

لاَ يُحَاشَى أَبُو نُوَّاسُ وَبَشَّا

رُ بْنُ بُرْدِ وَمَسْلِمٌ وَجَرِيرُ

قَالَ شَيْئاً مِمَّا أَرَادَ حَبِيبٌ

وَتَغَنَّى بِمَا تَسَنَّى الضَّرِيرُ

وَأَتى مُعْجِزَاتِهِ الْمُتَنَبِّي

وَهْيَ مِمَّا أَرادَ شَيءٌ يَسِيرُ

جَاءَ شَوْقِي بِبَعْضِ مَا رَامَ مِنْهُ

وَهْوَ فِي الحَقِّ للْقَرِيضِ أَمِيرُ

سَرَّهُ جُهْدُهُ فَلَمْ يَأْلُ جُهْداً

وَأَبَى العَجْزَ أَنْ يَتِمَّ السُّرُورُ

كُلُّهُمْ لَمْ يَصِلْ إِلى مَا تَوَخَّى

فَثَوَى فِي الطَّرِيقِ وَهْوَ حَسِيرُ

وَلِكُلٍّ مَكَانَهُ مِنْ هَوَى النَّاسِ

وَكلٌُّ بِالتَّكرُمَاتِ جَدِيرُ

هَذِه يَا أَحِبَّتي سَانِحَاتٌ

لاَ تُمَارِي فِي الْحَقِّ وَالْحَقُّ نُورُ

كانَ فِي الشِّعرِ لِي مَرَامٌ خطِيرُ

فَعَدَا طَوْقِي الْمُرَامُ الخَطِيرُ

هَائِمٌ فِي الْوجُودِ أَسْاَلُهُ الوَحْيَ

كَمَا يَسْأَلُ الغَنِيَّ الْفقِيرُ

لَهْجُ مَا ادْخَرْتُ عَزْماً وَلَكِنْ

مُرَادِي نَاءٍ وَبَاعِي قَصِيرُ

أَكْبَرُونِي وَلَسْتُ أَكْبِرُ نَفْسِي

أَنَا فِي الْفَنِّ مُسْتَفِيدٌ صَغِيرُ

فَوْق شِعْرِي شِعْرُ وَفَوْقَ أَجَلَّ

الشِّعرِ مَا قُدِّرَ الْبَدِيعُ الْقَدِيرُ

لاَ يَضِيقُ صَدْرُ شاعِرٍ بِأَخِيهِ

يَكْرَهُ الْفَضْلُ أَنْ تَضِيقَ الصُّدُورُ

وَالسَّماوَاتُ لَوْ تَأَمَّلتَ فِيْهَا

لَيْسَ تُحْصَى شُمُوسُهَا وَالْبُدُورُ

كُلُّ جُرمٍ يَعْلُو وَيُصْبحُ نَجْماً

فَلْكُهُ صَغيرٌ وَفيهِ يَدُورُ

والنُّجومُ الَّتِي تَلُوحُ وَتُخْفَى

رَبَوَاتٌ وَمَا يَضِيقُ الأَثِيرُ

ذَاكَ أَسْمَى مَطَالِبَ الْمَجْدِ لاَ

يُدْرِكُهُ مَدَّعٍ وَلاَ مَغْرُورُ

عَجَبٌ مَا رَأَيْتُهُ فِي زَمَانِي

مِنْ بُغَاثٍ مُسْتَنْسِرٍ لاَ يطِيرُ

دَعْ مِنَ الْفَخْرِ مَا تَعَاطَاهُ

مَزْهُوٌ بِتَرْدِيدِ شِعْرِهِ وَفَخُورُ

وَصِفاتٌ لِبْثُهَا يَقْرَعُ الطَّبلَ

الْمُدَوِّيَ وَيُضْرَبُ الطُّنبُورُ

يَكْرَهُ الْفَضْلُ مَا يُعيدُ وَيُبْدِي

مِنْ دَعَاوَى فَنِّيةٍ هِي زُورُ

هِيَ فِي الْمَجْدِ رُتبَةُ فُرِضَتْ

فَرْضاً وَلَمْ يَشْهَدِ الْحِسَابَ الضَّمِيرُ

لَيْسَ حُكْمُ الْجُمْهُورِ فِيهَا بِحُكْمٍ

وَلِحِينٍ قَدْ يُخْدَعُ الْجُمْهُورُ

سَلْ فُحُولَ الْقَرِيضِ ممَّن بِهِمْ

أَنَلْ مَجْداً هَذَا الزمَانُ الأَخِيرُ

هَلْ لِمَحْمُودٍ هَلْ لِحَافِظَ إِبرَاهِيمَ

فِيمَنْ أَجَادَ شِعْراً نَظِيرُ

وَمِنَ الْعُرْبِ لاَ يُحَاشى امْرُؤَ الْقَيْسِ

وَيَنأَى عَنِ القِياسِ جَرِيرُ

رَجْعَةٌ رَجْعَةٌ إِلى الْفَنِّ

إِنَّ الْفَنَّ فِيهِ الإِنْصَافُ وَالتَّقْدِيرُ

إِنَّ هَذَا الإِكْرَامَ لِلفَنِّ لاَ لِي

وَالْمُرَامُ الذِي ابْتغَيْتُمْ كَبِيرُ

أَيُّ قِسْطٍ أَوْلَيْتُمُونِي مِنْهُ

هُوَ فَضْلٌ عَلَى قَلِيلي كَثِيرُ

ذَاكَ قوْلِي وَلَيْسَ ينقصُ شُكْرِي

وَأَخُوكمْ كَمَا عَلِمْتُمْ شَكُورُ

غَيْرَ أَنِّي أَخْشى تَخَطِّي حَدِّي

وَهُوَ ضِعْفٌ مِنِّي فَهَلْ لِي عَذِيرُ

إِنَّ هَذَا التَمْثالَ يَا رَافِعِيهِ

لَجزَاءٌ عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيرُ

ذاكَ فَضْلٌ مِنْكُمْ وَمَا زالَ حَقّاً

إِنَّ مَا يَفعَل الْكَبِيرُ كَبِيرُ