إني لأذكر مصطفى ورفيقه

إِنِّي لأَذْكُرُ مُصْطَفَى وَرَفِيقهُ

فِي مُسْتَهَلِّهِمَا وَفِي الإِبْدَارِ

مُتَوَخِّياً إِعْتَاقَ مِصْرَ كِلاَهُمَا

وَكِلاَهُمَا لأَخِيهِ خَيْرُ مُبَارِ

وَكِلاَهُمَا يَسْعَى الْغَدَاةَ مُذَلِّلاً

سُبُلَ النَّجاحِ لِمُقْتَفِي الآثَارِ

وَكَأَنَّ مِصْرَ حِيَالَ كُلِّ مَخَاطِرَ

إِذْ ذَاكَ فِي شُغُلٍ عَنِ الأَخْطَارِ

فِي قَلْبِهَا حُبُّ الْحَيَاةِ طَلِيقَةً

لَكِنَّها تَخْشَى أَذَى الإِظْهَارِ

وَضَمِيرُهَا آناً فَآنا يُجْتَلَى

فَيَرَى كَمَا اقْتَدَحَ الزِّنَادَ الْوَارِي

عَرَفَا حَقِيقَتَهَا وَبَثَّا بَثَّها

ثِقَةً وَمَا كَانَا مِنَ الأَيْسَارِ

لَمْ يَلْبَثَا مُتَآزِرَيْنِ بِنِيَّةٍ

مَصْدُوقَةٍ فِي خُفْيَةٍ وَجِهَارِ

حَتَّى إِذَا مَا أَيْقَظَا إِيمانَهَا

وَوَرَت بَوَادِرُ مِنْ سَنىً وَشَرَارِ

أَبْدَتْ أَسَاهَا يَوْمَ فَارَقَ مُصْطَفى

هَذَا الْجِوَارَ وَرَامَ خَيْرَ جِوَارِ

يَوْمٌ رَأَى الرَّاؤُوْنَ مِنْ آيَاتِهِ

بِدْعاً يَرِيبُ السَّمعُ فِي الإِخْبَارِ

أُخِذَ الأُوْلَى جَهِلُوا البِلاَدَ بِرَوْعَةٍ

لِجَلاَلِ ذَاكَ الْمَشْهَدِ الْكُبَّارِ

لَمْ يَحْسَبُوا فِي مِصْرَ عَبْداً شَاكِياً

فَي فَتْرَةِ التفكِيرِ وَالإِضْمَارِ

عَجَباً لَهُمْ مِنْ سَاكِنِي دَارٍ وَمَا

مِنْهُمْ بِمَا طُوِيَتْ عَلَيْه دَارِ

جَزِعُوا وَأَجْزَعَ بِامْرِيءٍ فِي مَأْمَنٍ

وَثَبَتْ عَلَيْهِ فُجَاءَةُ التَّزْآرِ

شَعْبٌ مَشَى وَالْحُزْنُ مِلْءُ نُفُوسِهِ

لَكِنَّ عِليِّينَ فِي اسْتِبْشَارِ

لَيْسَ الَّذِي حَمَلُوهُ وَفي أَعْوَادِهِمْ

مَيْتاً يُوَارِيهِ التُرَابَ مُوَارِ

كَلاَّ وَلاَ الخُشُبُ الَّتِي سَارُوا بِهَا

مَا خَيَّلتْهُ أَعْيُنُ النُّظارِ

إِنْ ذَاكَ إِلاَّ العَهْدُ فِي تَابُوتهِ

عَهْدُ القَدِيرِ لِشَعْبِهِ الْمُخْتَارِ

رَفَعَتْهُ أَعْنَاقُ العِبَادِ وَزَفَّهُ

دَاوُدُ بَيْنَ الْجُنْدِ وَالأَحْبَارِ

مُتَرَقِّصاً وَهْوَ النَّبيُّ مُعَالِجاً

وَهْوَ المَلِيكُ النَّفخَ فِي المِزْمَارِ

أَنَّى يُقَالُ جِنَازَةٌ وَهْيَ الَّتِي

حَمَلَتْ لِقَوْمٍ آيَةَ الإِنْشَارِ