سلام على الإغريق في أول الدهر

سَلامٌ عَلى الإِغْرِيقِ فِي أَوَّلِ الدَّهْرِ

وَحِفاظٍ مَا أَبْقُوا مِن الْمَجْدِ وَالذكْرِ

إِذا نكبَاتُ الحَرْبِ أَفْنَتْ صُفوفَهُمْ

فَمَا نُكِّبُوا بِالمَحْمِدَاتِ وَلا الْفخْرِ

جَلاَ بَأْسُهُمْ فِي الذَّوْدِ أَرْوَعَ مَا رَأَى

مِنَ الْبَأْسِ جَبَّارٌ رَمَى القِلَّ بِالْكُثْرِ

وَهَيْهَاتَ أَنْ عَانى مَلِيكٌ وَأَمَة

عَناءِهِمْ مِنْ ضَنْكِ عَيْشٍ وَمِنْ ضُرِّ

شبَابٌ لَقوا أَهْوَالَ كُلِّ كرِيهَةٍ

وَلمْ يَتَّقُوهَا بِالْخِيَانَةِ وَالغَدْرِ

وَشَيْبٌ وَأَطْفَالٌ أُجِيعُوا وَأُظْمِئُوا

وَذَاقُوا بِلاَ شَكْوَى أَذَى الْبَرْدِ وَالْحَرِّ

وَنُسْوَةٌ خَيْرٍ بَدَّلتْ مِنْ نَعِيمِهَا

جَحِيماً فكَانتْ مِنْ مَلائِكةِ البِرِّ

أُولئِكَ قوْمٌ لا تُنَالُ نُفُوسهمْ

وَقدْ بُنِيَتْ تِلْكَ النُّفُوسُ عَلى الصَّبْرِ

وَقَدْ قَشَعَتْ أَعْدَاؤُهُمْ عَنْ دِيَارِهِمْ

ورَدَّتْ إِلى الأَحْرَارِ فِي الْوَطَنِ الْحُرِّ

أَتَغْدَو مَقَرّاً لِلضَّبَابِ سَمَاؤُهُمْ

وَقَدْماً هِيَ الْمِرْآةُ لِلشَّمْسِ وَالبَدْرِ

وَمَا خُلِقَتْ لِمَا يَخْلُبُ النُّهَى

مِنَ النَّحْتِ وَالتَّصْويرِ وَالنَّظْمِ وَالنَّثْرِ

وَمِن حِكْمَةٍ مَا زَالَتِ المَصْدَرُ الَّذِي

صَفَا حَوْضُهُ المَوْرُودُ لِلْقَلْبِ وَالْفِكْرِ

وَمِنْ عِزَّةٍ قَعْساءَ أَبْلَوا لِصَوْنِهَا

بِلاءَ أُبَاةِ الضَّيْمِ فِي الْكَرِّ وَالْفَرِّ

يَحُنُّ إِلَيْها قَلْبُ كلِّ مُثقفٍ

وَيَأْسَى لِمَا تَلقى مِن الْبؤْسِ والْفَقْرِ

لَقَدْ أَثْبَتتْ فِي الْعَصْرِ فَالْعَصْرِ أَنَّهَا

مُوَلِّدَةُ الأَبْطَالِ فِي الْعَصْرِ فَالْعَصْرِ

وَأُمٌ لأَحْلاسِ الْحُرُوبِ وَأُمَّةٌ

خَلِيقٌ بِهَا أَنْ تُتْبِعَ النَّصْرَ بِالنَّصْرِ

وَأَنْ تَعْدِلَ الأيَّامَ حتَّى تُعِيدَهَا

إِلى مُلْكِهَا الْمَبْسُوطِ في الْبَحْرِ وَالبَرِّ

هَنِيئاً لهَا مَا أَدْرَكَتْ بِجِهَادِهَا

وَمَاذَا بَلَتْ فِي جَهْدِهَا مِنْ هَوَى مِصرِ

فَمَا الْجِيرَةُ الأَخْيَارُ إِنْ جَدَّ جِدُّهُمْ

بِنَاسِينَ مَا بَيْنَ البِلادَيْنِ مِنْ أُصْرِ

إِليْكُمْ بَنِي الإِغْرِيقِ مِنِّي تَحِيَّةٌ

تَغنَّى بِهَا قَلْبِي وَرَجَّعَهَا شِعْرِي