طفلان كالأخوين مؤتلفان

طِفْلانِ كَالأَخَوَيْنِ مُؤْتَلِفَانِ

شَبَّا وَشَبَّ عَلَى الهَوَى القَلْبَانِ

مُتَمَازِحَيْنِ كَأَنَّمَا نَفْسَاهُمَا

نَفْسٌ لَهَا شَبَحَانِ مُنْفَصِلانِ

يَتَشَاطَرَانِ العَيْشَ إِنْ يَحْسُنْ وَإِنْ

يَخْشُنْ كَمَا تَتَشَاطَرُ العَيْنَانِ

لَبِثَا عَلَى هَذَا الوِصَالِ بُرَيْهَةً

ثُمَّ انْقَضَتْ وَتَفَارَقَ الخِلاَّنِ

كَانَتْ أَلِيفَتَهُ وَكَانَ أَلِيفَهَا

فَسَطَا النَّوَى وَتَشَتَّتَ الإِلفَانِ

جَزِعَا لِهَذا البَيْنِ حَتَّى كَانَ لا

يَلْهُو بِشَيْءٍ ذَانِكَ الفَتَيانِ

سَرْعَانَ مَا أَنْمَى الجَوَى عَقْلَيْهِمَا

وَتَعَلَّمَا التَّفْكِيرَ قَبْلَ أَوَانِ

فَتَرَاسَلا لا يُحْسِنَانِ كِتَابَةً

بِالذِّكْرِ وَهْوَ رَسُولُ كُلِّ جَنَانِ

وَتَشَاكَيَا كُلٌّ إِلَى آلامِهِ

شَكْوَى أَدَلَّ عَلَى وَفَاءِ العَانِي

وَاسْتَرْسَلا كُلٌّ إِلَى آمَالِهِ

بِالقُرْبِ بَعْدَ تَطَاوُحِ الهِجْرَانِ

لَكِنَّهُ طَالَ البِعَادُ وَشُوغِلاَ

عَنْ مُؤْلِمِ التَّذْكَار بِالحِدْثَانِ

فَاسْتَوْدَعَا فِي مَعْلَمَيْنِ لِيَنْمُوا

بِهِمَا عَلَى الآداب وَالعِرْفَانِ

وَلْيَنْسَيَا ذَاكَ القَدِيمَ مِنَ الهَوَى

فِي عِشْرَةِ الأَتْرَابِ وَالأَقْرَانِ

فَتَعَلَّمَا النُّطْقَ الصَّحِيحَ وَعُوِّدَا

خَطَّ الحُرُوفِ كِلاهُمَا فِي آنِ

حَتَّى إِذَا رَسَمَا الكَلامَ جَرَى كَمَا

اتَّفَقَا عَلَى قَلَمَيْهِمَا لَفْظَانِ

خُلْوَانِ مِنْ مَعْنىً وَفِي قَلْبَيْهِمَا

لَهُمَا أَحَبَّ مُنَى الحَيَاةِ مَعَانِي

جَمَعَا البَلاغَةَ كُلَّهَا فِي اسْمَيْنِ قَدْ

كُتِبَا بلا حُسْنٍ وَلا إِتْقَانِ

كَتَبَ الفَتَى سَلْمَى وَخَطَّتْ يُوسُفُ

وَإِلَيْكَ مَا عَنيَا بِبَعْضِ بَيَانِ

قَالَ الفَتَى يَا مَنْ تَحَلَّى لِي اسْمُهَا

فَرَسَمْتُهُ وَيَدَايَ تَرْتَجِفَانِ

صَوَّرْتُهُ وَكَأَنَّ صُورَتَهَا بَدَتْ

فِيهِ أَرَاهَا دُونَهُ وَتَرَانِي

وَعَبَدْتُ أَحْرُفَهُ كَرَمْزٍ حَاجِبٍ

صَنَماً رَآهُ عَابِدُ الأَوْثَانِ

لَكِنْ شَجَانِي الطِّرْسُ قَرَّ بِضَمِّهِ

وَمَشُوقُ صَدْرِي دَائمُ الخَفَقَانِ

وَأَغَارَنِي قَلَمِي يَصِرُّ مُقَبِّلاً

تِلْكَ الحُرُوفَ بِمَلْثَمٍ رَنَّانِ

فَحَطَمْتُ شِقَّيْهِ تَوَهُّمَ أَنَّ مَا

عَاقَبْتُهُ شَفَتَانِ آثِمَتَانِ

سَلْمَى وَمَا أَحْلَى اسْمَهَا وَحُرُوفَهُ

مَوْصُولَةً كَقَلائِدِ العِقْيَانِ

مُتَشَابِكَاتٍ يَرْتَضِعْنَ عَلَى المَدَى

مَاءَ الحَيَاةِ مَعاً وَهُنَّ هَوَانِي

وَلَوَ أَنَّهُنَّ فُصِلْنَ بِتْنَ أَوَاسِفاً

كَاليَتْمِ يَفْطِمُ مُرْضِعَ الوِلدَانِ

يَا ذِي الحُرُوفُ أَأَنْتِ عَالِمَةٌ بِمَا

أَوْلَيْتِهِ مِنْ طَائِلِ الإِحْسَانِ

لَوْ كُنْتُ مِنْكِ لَمَا فَتِئْتُ مَنَعَّماً

أَبَداً بِأَطْيَبِ مُلْتَقًى وَقِرَانِ

وَلمَا غَدَوْتُ عَلَى الفِرَاقِ كَمَا أُرَى

رُوحاً تَهُمُّ بِفُرْقَةِ الجُثْمَانِ

طَالَ النَّوَى يَا مُنْيَتِي سَلْمَى فَهَلْ

زَمَنُ التَّنَائِي آذِنٌ بِتَدَانِي

مَا زِلْتِ مِلْءَ نَوَاظِرِي وَخَوَاطِرِي

لَكِنَّ شَفَتَايَ مُوحَشَتَانِ

يَا لَيْتَنَا طِفْلانِ لَمْ نَبْرَحْ كَمَا

كُنَّا إِلَى مُتَأَخِّرِ الأَزْمَانِ

قَالُوا لِمِثْلِكِ فِي المَدَارِسِ سَلْوَةٌ

كَذَبُوا أَيَسْلُوا كَارِهُ السُّلْوَانِ

بِيَ حُرْقَةٌ أَخْفَيْتُهَا عَنْهُمْ كَمَا

يُخْفِي الرَّمَادُ ذَوَاكِي النِّيرَانِ

سَلْمَى العُلُومُ جَمِيعُهَا فِي لَفْظَةٍ

كَالعِطْرِ قَطْرَتُهُ عَصِيرُ جِنَانِ

سَلْمَى الحَيَاةُ وَمَا النَّعِيمُ مُخَلَّداً

يُشْرَى لَدَى إِقْبَالِهَا بِثَوَانِي

سَأَجِدُّ فِي طَلَبِي فَأَسْتَدْنِي بِهِ

زَمَناً أَصِيرُ وَفِي يَدَيَّ عِنَانِي

فَأَطِيرُ مِنْ شَغَفِي إِلَيْكَ تَشَوُّقاً

وَأَبُلُّ غُلَّةَ قَلْبِي الظَّمْآنِ

قَالَتْ وَقَدْ رَسَمَتْ عَلَى الطِّرْسِ اسْمُهُ

يَا مَنْ وَقَفْتُ لِحُبِّهِ وِجْدَانِي

وَحَلا هَوَانِي فِيهِ لِي وَصَبَابَتِي

حَتَّى كَأَنِّي قَدْ هَوَيْتُ هَوَانِي

لِيَكُنْ فِدًى لَكَ يَا أَلِيفَ طُفُولَتِي

أَنْ بِتُّ فِيكَ أَلِيفَةَ الأَشْجَانِ

وَغَدَوْتُ أَسْتَحْلِي جَمَالَكَ غَائِباً

مِنْ أَحْرُفٍ نَمَّقْتُهَا بِبَنَانِي

نَمَّقْتُهَا وَكَأَنَّنِي صَوَّرْتُهَا

عَنْ صُورَةٍ مَرْسُومَةٍ بِجِنَانِي

سَوَّدْتُهَا وَحُرُوفُهَا فِي مُهْجَتِي

نَارِيَّةٌ كُتِبَتْ بِأَحْمَر قَانِي

يَبْغِي الأَقَارِبُ لِي هَنَاءً آتِياً

بِالعِلْمِ وَهْوَ لِيَ الشَّقَاءُ الثَّانِي

أَيُضَاعُ فِي غَيْرِ الهَوَى عَهْدُ الصِّبَا

وَالعُمْرُ مِنْ بَعْدِ الشَّبِيبَةِ فَانِي

أَلِنَسْتَزِيدَ يَقِينَنَا بِضَلالِنَا

وَبِجَهْلِنَا نَقْضِي أَحَبَّ زَمَانِ

خَلُّوا سَبِيلَ الطَّيْرِ يَمْرَحُ هَانِئاً

فِي جَوِّهِ وَيَرُودُ كُلَّ مَكَانِ

وَليَلحَقَنَّ بِإِلْفِهِ وَلَيَسْعَدَا

حِيناً قُبَيلَ العَهْدِ بِالأَحْزَانِ

هَذَا يَسِيرٌ مِنْ مَعَانٍ جَاوَزَتْ

وُسْعَ امْرِيءٍ وَقَدِ احْتَوَاهَا اسْمَانِ

وَلَرُبَّمَا عَجَزَتْ بَلاغَاتُ الوَرَى

عَمَّا يَخُطُّ هُدًى طِفْلانِ