عاد حقا أن المحلة كبرى

عَادَ حقّاً أَنَّ الْمَحَلَّةَ كُبْرَى

بَعْدَ تَعْطِيِلهَا مِنَ النَّعْتِ دَهْرَا

فاحْمِدُوا اللّهَ بُكْرَةً وأَصِيلا

يَا بَنِيهَا ثمَّ احْمِدُوا بَنْكَ مِصْرا

هَذه غُرَّةُ الْمَآثِرِ فِيمَا

لَكَ يَا حَرْبُ منْ مَآثِرَ أُخْرى

قَدْ عَرفْنَاك كاتِباً وخَطِيباً

وَحَسِيباً وَفَوقَ ذِلكَ دِثرا

مَا عَرَفْناك وَالْقَوَافِي بِناءٌ

قبْلَ هَذي الأَبْياتِ تُنْشِئُ شِعْرا

رَاعَ أَلْبَابَنا بِكُلِّ بَيَانٍ

وبَديعٍ ما كَانَ بِالأَمْسِ فِكْرَا

خلَقْتَ بَلْدَةً نطالِعُ شَطْرَاً

مِنْ أَعَارِيضِهَا ونَتْركُ شَطرَا

شَيَّدْتَ مِنْ صِغَارِ صَوْبٍ إِذَا مَا

إِسْتَمْسكَتْ عَادَ أَجمُعُ الصرْحِ صَخْرا

بُطِّنتْ بِالْحَديدِ وَاخْتَلَفَتْ

أَصْوَاتُ آلاتِهَا أَزِيزاً وَزَأْرَا

وَأُدِيرَتْ بِمَا يُبَددُهُ الْمَاءُ

وَأَنْفَاسُهُ الطَّليقَةُ حَرَّى

وَأُنِيرَتْ بِمَا تُوَلَّدْ مِنْ كُلِّ

شِهَابٍ فِي جَوْفِهَا كانَ سِرَّا

خَلَقْتَ بَلْدَة لِنَسِيجٍ وَغزْلٍ

وَضُرُوبٌ مِنَ الصِّناعَاتِ تَتْرَى

حَيْثُ كَانَ الْبُسْتانُ يَنْبُتُ زَهْراً

مَصْنَعٌ لِلأَلْوَانِ يَنْبُتُ زَهْرَا

أَرَأَيْتَ الْحَرِيرَ وَالْقُطْنَ

وَالْكُتانَ وَالصُّوفَ فِيه نَظْماً وَنَثْرا

وَثِياباً مِنْ كُلِّ لَوْنٍ وَنَقْشٍ

مِلْءَ عَيْنِ البَديعِ طَيّاً وَنَشرا

مكَثَتْ مِصْرُ حِقْبَةً وهْيَ تَجْنِي

مِن جَنَاهَا حَمّاً وَتَحرُزُ نَزْرَا

وَعَنَتْها شَتَّى الشُّؤونِ وَلمْ

تحْفَلْ لِمَا كَانَ بِالعِنَايَة أَحْرَى

أَعْوَزَتْهَا سِيَاسَةُ الْمَالِ حَتَّى

عُدَّ إِثْرَاؤُهَا الْمُشَتَّت فَقْرَا

كَيْف تَثْرِي الأَقْوَامُ مِنْ غَيْرِ قَصْد

وَلَوِ الْخَصْبُ بدلَ التُّرْبَ تِبْرا

فَبِفضْلِ الزَّعِيمِ طَلْعَتَ حَرْبٍ

صُلِحَ الأَمْرُ بَعْدَ أَنْ كَان أَمْرَا

أَسَّس الْمَصْرِفَ الْكَبِيرَ فَكَانَ الأَصْلُ

وَامْتَدَّتِ التَّفارِيغُ كُثْرَا

وبَدَتْ قُوَّةُ التعَاوُنِ فِي

تحْقِيقِ مَا لا يُظَنُّ كَسْباً وَوَفْرَا

شَرِكَاتٌ مَصْرِيَّة أَلِفَتْهَا

نهْضَةٌ تَمْلأُ الجوَانِحَ بُشْرَا

أَحْكَمَ الرَّأْيَ وَالتَّصرُّفَ فِي الْمَالِ

قدَّرَتْ أَخْلاقُهُ الرِّبْحَ دُرَّا

نَهْضَةٌ لَمْ تَخُصَّ مِصْرَ بِنُعْمَاهَا

وعَمَّت نوَاحِي الشَّرْقِ طُرَّا

فَأَرَتَنَا السَّفينَ تنْقَادُ جَوّاً

وَأَرَتْناَ السَّفينَ تَرتَادُ بَحْرَا

وَأَرَتْنَا كُبْرَى الصِّناعَاتِ قَامَتْ

بَعْدَ أَنْ كانَتِ الصِّناعَاتُ صُغْرَ

وَأَرتْنَا النُّبوغَ فِي كلِّ مُجْلى

لِنَشاطِ الْعُقولِ يَطْلَلُ زهْرَا

وَأَرَتْنَا فِي حَومِة الْقصْدِ وَالتَّدْبِيرِ

زحْفَ الْجُيُوشِ كرّاً وَفَرَّا

وأَرتْنَا غَنَائِمَ الرِّبْحِ وَالأَرْزَاقِ

مِنها على ذَوِي الْحَقِّ تُجْرَى

وأَرتْنَا جَدْباً تَحوَّلَ خَصْباً

وَأَرتْنَا عُسْراً تَحَوَّلَ يُسْرَا

وأَرتْنَا حالاً تَفِيدُ بِهَا

الأَوطَانُ نَفْعاً وَفَوْقَ ذِلكَ فَخْرَا

يَا بَنِي مِصْرَ إِنَّ طَلْعتَ حَرْبٍ

لا يُجَارَى عَزْماً وَحَزماً وَبِرَّا

دُونَ هَذِهِ المَآثِرِ الْغُرِّ كَمْ

ذَلَّلَ صَعْباً لَكُم ومَهِّدَ وَعْرا

هلْ يُسامَى فِي الْمَجِد مُجْدُ عِصَامِيٍّ

بَنَى أُمَّتهُ وأَحْدَثَ عَصْرا