كم بطل أمسى ولم يسمر

كَمْ بَطَلٍ أَمْسى وَلَمْ يَسْمُرِ

تَحْتَ هِلالِ الرَّحْمةِ الأَحّمَرِ

هَوَى صَرِيعاً لَمْ تَنَلْهُ يَدٌ

فِي مِعْصَمٍ مِنْهُ وَلا مُنْحَرِ

وَلَوْ تغَشَّاهُ العِدَى لانْثَنَوْا

مُقْبِلُهُمْ يَعْثرُ بِالْمُدبِرِ

لَكِنْ دهَتْهُ مِنْ عَلٍ كُتْلَةٌ

مُرْسلَةٌ مِنْ قَاذِفٍ مُبْحِرِ

هَبتْ وَقدْ مَدّتْ شَظَايَا لَظىً

نَاشِبَةً فِي الْجَوِّ كَالْمِنْسَرِ

ثُمَّ ارْتَمَتْ تَصْدَعُ مَنْ صَادَفَتْ

فِي المُرْتَمَى مِنْ حيْثُ لَمْ يَنْظُرِ

لَهْفِي عَلى الْعَانِي وَمَا يَشْتَكِي

وَلَيْسَ فِي عُقْبَاهُ بِالْمُمْتَرِي

أَوْهَتْ رُجُومُ الْغَيْبِ أَضْلاعُهُ

لَكِنْ نَبَتْ عنْ نَفْسِ مُسْتَكْبِرِ

فِي حِينِ أَنَّ اللَّيْثَ إِنْ يُدْمهِ

رَاجِمُهُ مِنْ أَلَمٍ يَزْأَرِ

وَالسَّيْفَ إِنْ يُثْلَمْ لهُ صَلَّةٌ

وَصَلَّةٌ أَنْكَرُ إِنْ يُكْسَرِ

وَكَهْرَبَاءَ الغَيْمِ إِنْ تَصْطَدِمُ

بِذَاتِ بَرْقٍ مِثْلِهَا تَجْأَرِ

أَمَّا صَرِيعُ الحَرْبِ مِنْ جُنْدنا

فَرَابِطٌ مَهْما يُسَمْ يَصْبِرِ

لَوْ ضَارَعَتْ قُوَّتُهُ عَزْمَهُ

لاقى الْمُبِيدَاتِ وَلَمْ يُدْحَرِ

مُنْتَفِياً بَأْسُ الْعَوَادِي بِه

كَمَا انْتفى الْعُنْصُرُ بِالْعُنْصُرِ

أُنْظُرْ إِلى الآسِي مُلِمّاً بِه

يُجِيلُ فِيه طَرفَ مُسْتَعْبِرِ

حُزْناً عَلى ذَاكَ الجَرِيحِ الَّذي

يَجِفُّ سُقْماً فِي الصبَا الأَنْضَرِ

وذِلكَ المجدِ طَرِيحاً عَلى

مَهْد الضَّنَى فِي سَبْسَبٍ مُقْفِرِ

تحت سِرَاجٍ حَائِلٍ رَاجِفٍ

أَنَّى تُخَطِّرْهُ الصَّبا يَخْطُرِ

يُضِيءُ شُحّاً ودِماءَ الفَتَى

تَفِيضُ مِن يَاقُوتِهَا الأَحْمَرِ

فِي النَّطْفَةِ الْحَمْراَء مِنْ نَضْحِها

وقْدٌ كَوقْدِ الحَوْمةِ المُسْعَرِ

لَوْ لَمْ يَكُنْ حَرٌّ كَفَى حَرُّهَا

أَوْ لَمْ يَكُنْ ضوْءٌ كَفَى مَا ترِي

يا أَيُّهَا الصَّرْعَى جُعِلْنَا فِدَى

كُلِّ شُجَاعٍ مِنْكُمُ عَبْقَرِي

هَيْهَاتَ يُغْنِي نَاعِمٌ خَامِلٌ

مِنْ خَشِنٍ يوْمَ التنَادِي سَرِي

أثرْتُمُ الْمُثْلى لَكُمْ خُطَّةً

وَمَنْ يُخَيَّرْ فِي الْمُنَى يَخْتَرِ

فَكَان أَسْمَى الفَخْرِ مَا ابْتَعْتُمُ

وَكَانَ أَدْنَى العَيْشِ مَا نَشْتَري

أَجْراً وِفاقاً وَالعُلى فِدْيَةٌ

وَلا عُلى فِي خِدْعَةِ المَيْسَرِ

مَنْ تَسْتَطِلْ آثَارُهُ عُمْرَهُ

يَطُلْ فَإِنْ تَقْصُرْ بِه يَقْصُرِ

هَلْ يَسْتَوِي مُسْتَبْسِلٌ مُنْجِدٌ

وَآمِنٌ يَقْمِرُ فِي مَقْمِرِ

يَا مَعْشَرَ الْعُرْبِ الْكِرَامِ الأُولى

بِهِمْ أُباهِي كُلَّ ذِي معْشَرِ

يَا أُمَّةً أَنْكَرْتُ تَفْرِيطَهَا

إِنْكَارَ لا قَالٍ وَلا مُزْدَرِ

بِصِدْقِ مَنْ يُوِقظُ حِبّاً لَهُ

وَقَدْ غَفَا عَن طارِيءٍ مُنْذرِ

كمْ بِتَّ أَسْتَشْفِعُ مِنْهَا لَهَا

وَنوْمُهَا مِنْ رَيْبِهِ مُسْهِرِي

أَقُولُ هَلْ مِنْ رَقْدَةٍ قَبْلَها

بِغَيْرِكِ امْتَدَّت إِلى أَعصُرِ

أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَرَارَ الضُّحَى

غُرْمٌ وَأَنَّ الغنْم لِلْمُبْكِرِ

يَا أُمَّةً تَارِيخُهَا حَافِلٌ

بِالآي مِنْ مُبْتَدَإِ الأَدْهُرِ

مِنْ عَهْدِ قحْطَانَ تِبَاعاً إِلى

قَيْسِ بْنِ شيْبَانَ إِلى عَنْترِ

إِلى اليَتِيمِ القرَشِيِّ الَّذِي

أَعْجَزَ بِالرَّأْي وَبِالأَبْتَرِ

إِلى العَمِيدِ المُجتبَى بَعْدَهُ

وَشَيْخِهَا بِالعَقْلِ وَالمَخْبَرِ

إِلى الَّذِي لمْ يُلْفَ نِدٌّ لَهُ

فِي مَالِكٍ بِالعَدْلِ مُسْتْعمِرٍ

إِلى ابْنِ عفَّانَ وَفِيمَا تَلا

دِمَاؤُهُ تَجْرِي عَلى الأَسْطُرِ

إِلى عَلِيٍّ سيْفِها فِي الوَغَى

وَصَوتِهَا المَسْمُوعِ فِي المِنْبَرِ

إِلى نُجُومٍ عَزَّ إِحْصَاؤُهَا

مِنْ قَادَةٍ غُرٍ وَمِنْ عَسْكَرِ

وَمِنْ أُولِي حَزْمٍ أَدَارُوا بِهِ

مَرَافِقَ الدُّنْيَا عَلى مِحْوَرِ

وَمِنْ أُولِي عِلْمٍ أَفَاضُوا هُدى

عَلى النُّهى مِنْ نُورِهِ الأَزْهَرِ

ذِلكَ مَا كُنْتُ عَلى سَمْعِهَا

أُلقِيهِ إِنْ أُسْرِرْ وَإِنْ أَجْهَرِ

وَطَالَمَا عُدْتُ وَبِي حُزْنُ مَنْ

حَاوَلَ إِحْسَاناً فَلَمْ يَقْدِرِ

سَهْرَانُ لَكِنَّ رَجَائِي بِهَا

يُؤنِسُنِي فِي لَيْلِيَ الأَعْكَرِ

كَالْكَوْكَبِ الثَّابِتِ فِي قُطْبِهِ

يَسْطَعُ فِي فِكْرِي وَفِي مَنْظَرِي

عَاتَبْتُهَا حَتَّى إِذَا رُوِّعَتْ

بِطَيْفِ شَرٍ أَشْعَثٍ أَغْبَرِ

مُعَفَّرِ الْهَامِ خَئُونِ الخُطَى

جَمٍ مِنَ العُدَّةٍ مُسْتَكْثِرِ

مُنْطَادِ جَوٍّ فَارِسٍ رَاجِلٍ

خَوَّاضِ بَحْرٍ فِي الدُّجَى مُبْصِرِ

قُلْتُ لَقَدْ حَلَّ المُصَابُ الَّذِي

يُوِقظُهَا يَا نَفْسُ فَاسْتَبْشِري

مَا لِشُعُوبٍ جَمَدَتْ بَاعِثٌ

كَالخَطْبِ مَهْمَا يَطْوِها تُنْشَرِ

يَا أُمَّتِي أَرْضَيْتِ عَنْكِ العُلى

وَاثِبَةً بِالطَّارِقِ المُنْكَرِ

كَوَثْبِكِ المَعْهُودِ مِنْ سَالِفٍ

أَيَّامَ يَأْبَى العَزْمُ أَنْ تَصْبُرِي

جَافَيْتِ مَهْدَ الذُّلِّ مُعْتَزَّةً

فَطاوِلِي الدُّنْيَا ولا تُقْصِرِي

عُودِي إِلى مَجْدِكِ مَحْسُودَةً

وَفَاخِرِي مَحْمُودَةً وَافْخَرِي

سُودِي كمَا سُدْتِ قَدِيماً بِلا

حَدٍ مِنَ الشُّمِّ ولا الأَبحُرِ

مَا بِكِ صُعْلُوكٌ فأَيٌّ بدَا

أَمْرٌ لهُ في النَّاسِ فَلْيأْمُرِ

وَكُل قَدْمٍ فيكِ أَوْ عَالِمٍ

مَا شَاءَ أَنْ يَكْبُرَ فَلْيكْبُرِ

اللّهُ فِي أَبْطاِلكِ الصَّيدِ مِنْ

دُهاةِ حْربٍ غُيَّبٍ حُضَّرِ

إِذا عدَا فاِرسُهُم أَسْفرَتْ

عَنْ مِلكٍ عَاصِفةُ العِثْيَرِ

يُهَاجِمُ المِدْفعَ فِي غِيلِهِ

كَالْقَشْعَمِ السَّاطِي عَلى قسْوَرِ

فَما درَى المُطْلِقُ إِلاَّ وَقَدْ

أَصْبَحَ فِي أَصْفَادِ مُسْتَأْسِرِ

وَاللَّيْثُ غُنْمٌ فِي يَدَيْ غَانِمٍ

يُحْمَلُ كَالشيْءِ الْخَفِيفِ الزَّرِي

فَإِنْ مَشى راجِلهُمْ طَاوِياً

مِئْزَرَهُ فالْحَتْفُ فِي المِئْزَرِ

كالفَهْدِ إِنْ يَقْفِزْ وَكَالْهِرِّ إِنْ

يَهْبِطْ وَشِبْهُ الْحُوتِ إِنْ يَعْبُرِ

وَحَيْثُ يُلْفَى رَاقِباً صَيْدهُ

غَابَ عَلى الصَّيْدِ فلَمْ يَنْفُرِ

يَكْتُمُهُ مَوْضِعُهُ فَهْوَ فِي

حَشَاهُ كَالذمَّةِ لَمْ تُخْفَرِ

وَلا يَرُوعُ الْقوْمَ مِنْ بَطْشِهِ

أَدْهَى مِنَ الْبَغْتَةِ إِذْ يَنْبَرِي

حَيْثُ الثَّرَى مَا عَهِدُوا ظَاهِراً

لكِنَّهُ ذُو خَطَرٍ مُضْمَرِ

والغَوْرُ صَاغِي الأذْنِ والغَارُ ذو

إِنْسَانِ عَيْنٍ دَارَ فِي مَحْجِرِ

فَبَيْنَمَا هُم فِي ضَلالٍ وَقَدْ

تَهَادَتِ الأَظْهُرُ بِالأَظْهُرِ

إِذْ أَخَذَتْهُمْ صَيْحَةٌ مِنْ عَلٍ

تَنْقَضُّ أَوْ تَطْفِرُ مِنْ مَطْفِرِ

فَافْترَقُوا وَاسْتبْقُوا شُزباً

ناجِينَ مِن قَارِعَةِ المَحْشَرِ

لَكِنَّمَا تَسْبِقُ أَبْصَارَهُمْ

أَيْدٍ تُقرُّ الْجأْشَ فِي الخوَّرِ

نِفْطِيَّةُ الْوَهْجِ يَرِي حَلْيُهَا

مِن دَمِهِمْ وَالجَوُّ كَالعنْبِر

لا تُطْلِقُ الشُّذَّاذَ إلاَّ على

تزْكِيةِ الْمَخْبَرِ لِلْمُخَبِرِ

وَأَنْ يَسْبُّوا سائِقِيهِمْ إلى

مَا حَضَرُوا مِن رَائِعِ الْمَحْضَرِ

يَا أُمتِي مِثْلُ الدِّفَاعِ الَّذِي

دَافَعْتِهِ فِي الدَّهْرِ لَمْ يُذْكَرِ

مِنْهُ اعْلَمِي أَنَّكِ إِنْ تَجْمَعِي

وَنَاوَأَتْكِ الجِنُّ لم تُقْهرِي

ثُمَّ اعْلمِي أَنَّكِ إِنْ تُجْمِعِي

طَالِبَةً أَقْصى المُنى تَظْفَرِي

حُبّاً لِجَرْحاكِ وَبِرّاً بِهِم

مَا المالُ غَيْرُ الثَّمَنِ الأَيْسَرِ

ظِلُّ هِلالِ الْخَيرِ مِن فَوْقِهِمْ

وَيَدُ ذَاتِ الشَّرَفِ الأَطْهَرِ