لله أحمد من فقيد مكان

لِلهِ أَحْمَدُ مِنْ فَقيدِ مَكَانَةٍ

قَدْ كانَ فِيهَا فَاقِدَ الأَمْثَالِ

لَمْ يُوفِ سِرْبَالَ المحَامَاةِ امْرُؤءٌ

إِيفَاءَهُ مَا حَقَّ لِلسِّرْبَالِ

ماضِي العَزِيمَةِ ذُو ذَكَاءٍ باهِرٍ

مُتَوَافِقُ النِّياتِ وَالأَقْوَالِ

مَنْ قَالَ مَوسُوعَاتُ شَرْعٍ جُمِّعتْ

فِي ذَاتِ صَدْرٍ لَمْ يَكُنْ بِمُغَالِي

يَزْدَادُ مَا طَالَ المَدى تَحْصِيلُهُ

وَيكُدُّ فِي الأَسْحَارِ وَالآصَالِ

وَيَظَلُّ مُلْتَمِساً إِنَارَةَ ذِهْنِهِ

بِهُدَى شُمُوسٍ أَوْ بِضَوْءٍ ذُبالِ

يَأُبَى التَّعمُّل كَاتِباً أوْ خَاطِباً

وَيُحِبُّ فِي الإنْشَاءِ غَيْرَ الحَالِي

يَتَجَنَّب الزينَاتِ فِي أَلْفَاظِهِ

حَذَرَ الغُمُوضِ وَخَشْيَةَ الإِمْلاَلِ

أَوْ خَوْفَ أَنْ تَغْشَى الأَدِلَّةَ رِيبَةٌ

مِنْ زُخْرُفٍ تَبْدُو بِهِ وَصِقَالِ

عَرَكَتْهُ عَارِكَةُ الصُّرُوفِ فَعَزْمُهُ

مُتَمَكِّن كَشَوَامِخِ الأَجْبَالِ

رَاضَتْهُ رَائِضَةُ الخُطُوبِ فَلَم يَكُنْ

قَرْمٌ يُسَاجِلهُ غَدَاةَ سِجَالِ

مَا كَانَ أَصْيَدَهُ لأَنْفَرِ مَأْرَبِ

بِالْبَطْشِ وَهْوَ الرَّأيُ أَوْ بِخِتَالِ

مَا كَانَ أَقْوَى ضَعْفَهُ بِسُكُوتِهِ

حَتَّى يَصُولَ بِهِ عَلَى الصُّوَّالِ

مَا كَانَ أَلْعَبَهُ بِرَاسِخَةِ النُّهى

فَكَأَنَّهنَّ عَلَى شَفَا مُنْهَالِ

رُوحٌ كَتِلْكَ الروْحِ كَيْفَ تَصوَّرَتْ

زَمَناً وَإِنْ هُوَ قَلَّ فِي صَلْصَالِ

ضَاقَتْ بِهَا سَعَةُ الوُجُودِ وَضَمَّها

فِي شِبْهِ طَيْفٍ جَانِبا تِمْثَالِ

تِمْثَالِ مَجْدٍ لا تَرَى فِيهِ سِوَى

رَجُلٍ بِلاَ تِيهٍ وَلاَ إِدْلاَلِ

مُتَقَاصِرٍ مَلأَ العُيُونَ تَجِلَّةً

وَرَمَى بِظِلٍ فِي الْقُلُوبِ طُوَالِ

يَخْتَالُ فِي الْجِسْمِ الضَّئِيلِ وَقَلَّمَا

كَانَتْ أُولُو الأَلْبَابِ غَيْرَ ضِئَالِ

يَعْلُو مُحَيَّاهُ ابْتِسَامٌ دَائِمٌ

بَرِئَتْ مَعَانِيهِ مِنَ الإِدْغَالِ

صَحِبَ الحَيَاةَ وَمَا بِهَا لأَخِي النُّهَى

ضَحِكٌ يَتِمُّ فَظَلَّ فِي اسْتِهْلاَلِ

عَيْنَاهُ لاَ يَحْكِي وَمِيضَ سَنَاهُمَا

إِلاَّ التَّألُّقُ فِي اشْتِبَاكِ نِصَالِ

مَا نُورُ مِصْبَاحَيْنِ يَجْرِي مِنْهُمَا

بِالْكَهْرَبَاءَةِ مَجْرَيَا سَيَّالِ

وَتَرَاهُ أَكْثَرَ مَا تَرَاهُ مُطْرِقاً

إِطْرَاقَ لا وَجِلٍ وَلاَ مُخْتَالِ

فَيَظَلُّ كَالمُغْضِي وَلَيْسَ بِحَاجِبٍ

عيْنَيْهِ سِتْرٌ مُحْكَمُ الإِسْبَالِ

لِلْغُنَّة الجَارِي عَلَيْهَا صَوْتُهُ

تَأْثِيرُ سِحْرٍ فِي النُّفوسِ حَلاَلِ

يَرْقَى السَّماعَ بِهَا وَإِنْ يَكُ نَبْرُهُ

لاَ يَرْتَقِي مَعْ فِكْرِهِ الْوَقَّالِ

مِنْ قُوَّةٍ بِحِجَاهُ تَكْسِبُ قُوَّةً

فِي النَّفسِ تُوغِلُ أَيَّما إِيغَالِ

وَبِهَا يَبُزُّ مُنَافِسِيهِ ظَافِراً

وَبِهَا يُوَامِقُ رَاشِداً وَيُقَالِي

يَا خَيْبَةَ الآمَالِ فِي الدُّنْيَا وَيَا

غَبْنَ المَسَاعِي فِي دَرَاكِ مَعَالِي

دَاءٌ عَرَا فَانْدَكَّ طَوْدٌ شَامِخٌ

بِأَخَفَّ وَقْعاً مِنْ دَبِيبِ نِمَالِ

مَجْدٌ تَوَلاَّهُ الْعَفَاءُ وَقُوَّةٌ

قَهَّارَةٌ سَكَنَتْ مَهِيلَ رِمَالِ

أَفْضَى الذَّكَاءُ إِلى صَفِيحٍ هَامِد

وَأَوَى المَضَاءُ إِلى ضَرِيحٍ خَالِي