ملامتكم عدل لو الحب يعدل

مَلاَمَتُكُمْ عَدْلٌ لَوِ الْحُبُّ يَعْدِلُ
وَإِرْشَادُكُمْ عَقْلٌ لَوِ القَلْبُ يَعْقِلُ
رَمَانِي الهَوَى سَهْماً أَصَابَ حُشَاشَتِي
فَكَيْفَ عَلَى مَا أَشْتَكِي مِنْهُ أُعْذَلُ
ذَرُونِي وَشَأْنِي إِنَّه لَوْ نَفَى الأَسَى
مَلاَمٌ لَخَفَّفتُ الَّذِي أَتَحَمَّلُ
كِتَابَ حَبِيبِي أَنْتَ خَيْرُ تَعِلَّةٍ
لِقَلْبِي وَقَدْ أَعْيَى الطَّبيبُ المُعَلِّلُ
كَشَفْتَ ظَلاَمَ الشَّك عَنْ وَجْهِ حُبِّهِ
فَلاَحَ كَبَدْرِ التَّم وَاللَّيْلُ أَلْيَلُ
وَنَبِّهتَ ظَنِّي لِلْعِدَى وَهْوَ غَافِلٌ
عَلَى حِينَ عَيْنِي مِنْ جَوىً لَيْسَ تَغْفَلُ
أَبَانُوهُ عَنِّي فَابْتَلُوهُ بِقَاتِلٍ
مِنَ الدَّاءِ وَالدَّاءُ الَّذِي بِيَ أَقْتَلُ
فَلَيْسَ عَلَى قُرْب المَزَارِ بِعَائِدِي
وَمَا بِيَ أَنْ أَسْعَى إِلَيْهِ فَأَفْعَلُ
تَنَاظَرُ دَارَانَا وَيَحْجُبُنَا نَوىً
يُعيدُ حَدِيدَ اللَّحْظِ وَهْوَ مُفَلَّلُ
وَلَوْ أَنَّ بَعْدَ العُسْرِ يُسْراً مُؤَمَّلاًّ
وَلَكِنْ غَدَوْنَا وَالْحِمَامُ المُؤَمَّلُ
وَكُنْتُ أَرَى الأَزْهَارَ أَسْعَدَ حَالَةً
فَأَحْسُدُهَا وَالسَّعدُ بِالزَّهْرِ أَمْثَلُ
فَأَلْفَيْتُ أَنْ لاَ حَيَّ إِلاَّ مُعَذَّبٌ
وَأَشْقَى ذَوِي الآلامِ مَنْ يَتَعَقَّلُ
مَعَاهِدُ صَفْوِي فِي الصِّبَا بَانَ صَفْوُهَا
كَأَنَّ الَّذِي فِي النَّفسِ لِلدَّارِ يَشمَلُ
وَرَوْضَةُ إِينَاسِي وَلَهْوِي تَحَوَّلَتْ
فَلاَ حُسْنُهَا يُسْلِي ولاَ الشَّدْوُ يَشْغَلُ
تَفَقَّدْتُهَا وَالفَجْرُ يَفْتَحُ جَفْنَهُ
كَمَا انْتَبَهَ الْوَسْنَانُ وَالجَفْنُ مُثْقَلُ
فَطُفْتُ عَلَى الأَزْهَارِ فِي أَمْنِ نَوْمِهَا
أُنَبِّههَا جَذْباً إِليَّ فَتُجْفِلُ
أُحَاوِلُ سُلْوَاناً بِتَشْكِيلِ طَاقَةٍ
فَأَقْتُلُ مِنْهَا مَا أَشَاءُ وَأُثْكِلُ
وَمَا كُنْتُ مَنْ يَجْنِي عَلَيْهَا خَلاَئِقاً
ضِعافاً وَلَكِنْ جِنَّة اليَأْسِ تَحْمِلُ
إِلى أَنْ بَدَتْ لِي وَرْدَةٌ مُسْتَكِينَةٌ
كَأَنَّ دُمُوعَ الفَجْرِ فِيهَا تَهَلُّلَ
لَهَا طَلْعَةُ الْجَاهِ المؤَثَّل وَالصِّبا
وَفِي الوَجْهِ تَقْطِيبٌ لِمَنْ يَتَأَمَّلُ
تَلُوحُ عَلَيْهَا لِلْكَآبَةِ وَالأَسَى
مَخَايِلُ دَقَّت أَنْ تُرَى فَتُخَيَّلُ
وَيكْسِبُهَا مَعْنَى الحَيَاةِ ذُبُولُهَا
لَدَى نَاظِرِيهَا فَهْيَ فِي النَّفْسِ أَجْمَلُ
مَلِيكَةُ ذَاكَ الرَّوْضِ جَاوَرَ عَرْشَهَا
مِنَ الزَّنْبَقِ العَاتِي مَلِيكٌ مُكَلِّلُ
أَغَرُّ المُحَيَّا كَالصَّباحِ نَقِيَّه
لَهُ قَامَةٌ كَالرُّمْحِ أَوْ هِيَ أَعْدَلُ
إِذَا مَا اسْتَمَالَتْهُ إِلَى الوَرْدَةِ الصَّبَا
فَلاَ يَنْثَنِي كِبْراً وَلاَ يَتَحَوَّلُ
فَبَينَا يَدِي تَمْتَدُّ آناً إِلَيْهِمَا
وَيَمْنَعُنِي الإِشْفَاقُ آناُ فَأَعْدِلُ
ويَبْدُو جَبِينُ الصُّبحِ وَهْوَ مُعَصَّبٌ
بِتَاجٍ كَأَنَّ التِّبرَ فيهِ مُخَضَّلُ
وَمَا تَتَشَظَّى شَمْسُهُ فِي اشْتِعَالِهَا
تَشَظِّي قَلْبِي وَهْوَ بِالشَّوْقِ مُشْعَلُ
إِذَا وَالِدِي قَدْ طَوَّقَتْنِي يَمِينُهُ
وَفِي وَجْهِهِ دَمْعٌ مِنَ العَيْنِ مُرْسَلُ
فَقَبَّلتُهُ ظَمْأَى كَأَنَّ بِمُهْجَتِي
لَظَى النَّارِ وَالشَّيبُ المُقَبَّل مَنْهَلُ
فَقَالَ وَمَا يَدْرِي بِمَوْقِعِ قَوْلِهِ
لِمَا هُوَ مِنْ أَمْرِي وَأَمْرِكَ يَجْهَلُ
شَفِيقاً بِحَالِ الزَّهْرَتَيْنِ فُؤَادُهُ
شَفِيعاً بِمَا فِي وُسْعِهِ يَتَوَسَّلُ
بُنَيَّة عَفْواً عَنْهُمَا فَكِلاَهُمَا
شَقِيٌّ يَوَدّ المَوْتَ وَالمَوْتُ مُمْهِلُ
فَلاَ تَسْبِقِي سَيْفَ القَضَاءِ إِلَيْهِمَا
عَلَى أَنَّه يَشْفِيهُمَا لَوْ يُعَجِّلُ
حَبِيبَانِ سُرَّاً سَاعَةً ثُمَّ عُوقِبَا
طَوِيلاً كَذَاكَ الدَّهْرُ يَسْخُو ويَبخَلُ
وَإِنَّ لِهَذَيْنِ العَشِيقَيْنِ حَادِثاً
غَرِيباً بِوُدِّي أَنْ أَرْى كَيْفَ يكْمُل
فَقَدْ جَاوَرَتْ هَذِي الْوَفِيَّة إِلْفَهَا
إِذِ الإِلْفُ مَيَّاسُ المَعَاطِفِ أَميلُ
فَكَانَ إِذَا مَرَّتْ بِهِ نَسَمُ الصَّبا
يُسِرّ إِلَيْهَا سِرَّ مَنْ يَتَغَزَّلُ
يُدَاعِبُهَا جُهْدَ الصَّبابَةِ وَالْهَوَى
وَيُعْرِضُ عَنْهَا لاَعِباً ثُمَّ يُقْبِلُ
وَيَرْشُفُ كُلٌ مِن جَبِينِ حَبِيبِهِ
دُمُوعَ النَّدَى خَمراً رَحِيقاً فَيَثْملُ
وَلَكِنَّه لَمْ يَلْبَثِ الغُصْنُ أَنْ جَفَا
فَلَمْ تَثْنِ عِطْفَيْهِ جَنُوبٌ وَشَمْأَلُ
فَشَقَّ عَلَيْهَا بَيْنُهُ وَهْوَ جَارُهَا
وَبَاتَتْ لِفَرْطِ الحُزْنِ تَذْوِي وَتَنْحُلُ
وَعَمَا قَلِيلٍ يَقْضِيَانِ مِنَ الجوَى
وَإِنْ صَحَّ ظَنِي فَهْي تَهِلِكُ أَوَّلُ
فَوَا رَحْمَتَا هَذِي حَقِيقَةُ حَالِنَا
رَآهَا أَبِي فِي الزَّهْرَتَيْنِ تَمَثَّلُ
بَكَى جَزَعاً لِلزَّهْرَتَيْنِ وَلَوْ دَرَى
لَصَانَ لَنَا الدَّمْعَ الَّذِي رَاحَ يَبْذُلُ
هُمَا صُورَتَانَا فِي الْهَوَى وحَدِيثُنَا
حَدِيثُهُمَا بَيْنَ الأَزَاهِرِ يُنْقَلُ
أَقَبِّل ذَاكَ الغُصْنَ كُلَّ صَبِيحَةٍ
كَأَنِّي لِلنَّائِي الحَبِيبِ أُقَبِّلُ
وَأَنْظُرُ أُخْتِي فِي الشَّقاءِ كَأَنَّني
أَرَانِي بِمِرْآةٍ أَمُوتُ وَأَذْبُلُ
- Advertisement -