نهاية الفخر لي في هذا الكلم

نِهَايَةُ الفَخْرِ لِي فِي هَذَا الكَلِمِ

تَعْرِيفُ حَافِظَ إِبْرَاهِيمَ مِنْ أَمَمِ

أَقُولُ مِنْ أَمَمٍ إِذْ لَيْسَ فِي بَلَدٍ

فِي الشَّرْقِ يَجْهَلُ اسْمَ الشَّاعِرِ العَلَمِ

وَلَمْ يُطَالِعْ وَيَسْتَظْهِرْ رَوَائِعَهُ

مَا بَيْنَ مُنْتَثِرٍ مِنْهَا وَمُنْتَظِمِ

فَهَلْ أَزِيدُ الأُولَى لَمْ يَعْرِفُوهُ سِوَى

أَدَاءِ رَسْمٍ لَدَى التَّعْرِيفِ مُلْتزَمِ

هَذَا فَتَى الدَّهْرِ زَانَ النُّبْلُ طَلْعَتَهُ

وَإِنْ يَكُنْ بِجَمَالٍ غَيرَ مُتَّسِمِ

إِذَا تَجَلَّى لَكَ الإِلْهَامُ مُزْدَهِراً

فِي مُقْلَتَيْهِ فَلا تَنْظَرْ إِلَى الأَدَمِ

وَإِنْ تَبَيَّنْتَ مِنْهُ هَيْكَلاً تَعِباً

بِوِقْرِهِ فَهْوَ فِي آنٍ خَفِيفُ دَمِ

دَعِ الهَيُولَى وَحَيِّ الروحَ فِي رَجُلٍ

مِنْ أَشْرَفِ الْخَلْقِ بِالأَخْلاقِ وَالشِّيَمِ

نحَارُ فِيهِ فَمَا تَدْرِي تَفَردَهُ

أَبِالقَوَافِي وَإِنْ راعَتْ أَمِ الْهِمَمُ

لاحَتْ مَنَاقِبُهُ الغَرَّاءُ سَاطِعَةً

لِلْمُبْصِرِينَ سُطُوعَ الشهْبِ فِي الظُّلَمِ

أَجْلَلَتُمُوهُ وَأَوْلاكُمْ تَجِلَّتَهُ

مُجَاهِراً غَيْرَ ضَنَّانٍ وَلا بَرِمِ

وَلَمْ يَزَلْ خَيْرَ مَنْ صَانَ الجِوَارَ وَمَنْ

رَعَى الخَلِيقَ بِأَنْ يُرْعَى مِنَ الْحُرَمِ

بِرَغْمِهِ أَنَّ عَيْنَ الشَّرْقَ نَائِمَةٌ

عَنِ المَعَالِي وَعَيْنُ الْغَرْبِ لم تَنَمِ

إِنْ شَامَ مِنْ جَانِبٍ فِينَا سَنَى أَمَلٍ

حَيَّى الرَّجَاءِ بِدَمْعٍ غَيْرَ مُكْتَتَمِ

وَإِنْ دَعَتْهُ إِلَى ذَوْدِ حَمِيَّتُهُ

رَاعَ العُدَاةَ بِمِثْلِ الزَّأْرِ فِي الأَجَمِ

مَا شِعْرُ حَافِظَ إِلاَّ صُورَةٌ مَثَلَتْ

لِلنَّيْلِ فَاضَ بِأَلْوَانٍ مِنَ النِّعَمِ

وَلَيْسَ إِلاَّ صَدَى الأَطْيَارِ مَالِئَةً

جَنَّاتِ مِصْرَ بشمَا يُشْجِي مِنَ النَّغَمِ

شِعْرٌ كَأَنَّ شُعُورَ الْقَوْمِ قَدَّرَهُ

فَلاحَ مَظْنُونُهُ فِيهِ كَمُرْتَسَمِ

تَرَاهُ أَصْدَقَ مِرْآةٍ لأُمَّتِهِ

إِنْ شَفَّ عَنْ أَمَلٍ أَوْ شَفَّ عَنْ أَلَمِ

يُلْقِيهِ لَحْناً بِلا لَحْنٍ فَيُطْرِبُهَا

وَيُبْدِعُ الوَهْمَ لا يَلْتَاثُ بِالْوَهْمِ

لَوْ كُنْتَ شَاهِدَهُ أَيَّامَ يُنْشِدُهُ

وَقَدْ عَلا مِنْبَراً فِي المَشْهَدِ الْعَمَمِ

عَلِمْتَ مَا نَشْوَةُ الرَّاحِ الْعَتِيقِ فَلَمْ

تَكَدْ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْحِلْمِ وَاللَّمَمِ

فإِنْ تَرَسَّلَ جَادَتْهُ قَرِيحَتُهُ

بِأَحْسَنِ القَوْلِ مِنْ جَزْلٍ وَمُنْسَجِمِ

وَطَاوَعَتْهُ المَعَانِي فَهْيَ فِي يَدِهِ

مِلْكٌ يُصَرِّفُهُ تَصْرِيفَ مُحْتَكِمِ

نَثْرٌ فُنُونُ الْحِلَى فِيهِ مُوَزَّعَةٌ

بَيْنَ المَشَاهِدِ وَالآرَاءِ وَالْحِكَمِ

زَاهٍ بِأَفْصَحِ تَعْبِيرٍ وَأَبْلَغِهِ

سَهْلُ الأَدَاةِ سَلِيمُ اللَّفْظِ مِنَّ سَقَمِ

لَكِنَّ حَافِظَ إِبْرَاهِيمَ أُنْذِرُكُمْ

لَهُ جَوَانِبُهُ الأُخْرَى مِنَ الْعِظَمِ

عَوَّذْتَ بِاللهِ مِنْ غَرْثَى الْعُيُونِ أَخاً

يَعْدُو الأَنَاقَةَ إِلَى النَّهَمِ

عِشْنَا رَفِيقَيْ صِبَا فِي مِصْرَ وَاشْتَهَرَتْ

دَهْراً وَقائِعُنَا فِي كُلِّ مُؤتَدَمِ

فَالعِقْدُ مِنْ ثُلْثِ قَرْنٍ غَيْرُ مُنْتَثِرٍ

وَالسِّمْطُ شِبْهُ سِمَاطٍ غَيْرُ مُنْفَصِمِ

وَقَدْ رَأَى مِنْ بَلائِي فِي وَلائِمِهَا

بَلاءَ حُرٍّ جَمِيلِ الظَّنِّ بِالكَرَمِ

إِلَى البُيُوتَاتِ فِي الأَطْرَافِ مُخْتَلِفٍ

وَلِلْمَحَاشِدِ فِي الْحَارِثِ مُقْتَحِمِ

يَغْشَى مَآدِبَهَا اسْتَوْفَتْ أَطَايِبَهَا

وَاسْتَكْمَلَتْ أَدَبَ السَّدَاتِ وَالْخَدَمِ

فَأَحْنَقَتْهُ مُبَارَاتِي وَلا جَرَمٌ

وَلَيْسَ فِي حَنَقِ المَوْتُورِ مِنْ جُرُمِ

فَجَاءَكُمْ وَعَلَى مَا فِيهِ مِنْ مِقَةٍ

يُبْدِي نَوَاجِذَ رَابِي الضِّغْنِ مُنْتَقِمِ

فَأَطْعِمُوهُ وَأَوْفُوا دَيْنَ صَاحِبِكُمْ

وَلا تُرِيحُوهُ فِي يَوْمٍ مِنَ التُّخَمِ

وَأَرْخِصُوا قِيمَ الطَّهْيِ النَّفِيسِ لَهُ

فَرُبَّ غَارِمِ شَيْءٍ جِدُّ مُغَتَنِمِ

أَدْنَى أَحَادِيثِهِ لَوْ رُوجِحَتْ رَجَحَتْ

أَغْلَى النَّفَائِسِ بِالأَقْدَارِ وَالقِيَمِ

وَكَمْ لَهُ نُكْتَةٌ تَسْبِي الْعُقُولَ إذَا

جَرَى بِهَا مِرْقَمٌ أَوْ رُدِّدَتْ بِفَمِ

يَا أَهْلَ لُبْنَانَ إِنَّ الضَّيْفَ عِنْدَكُمُ

هَدِيَّةُ اللهِ فِيمَا قِيلَ مِنْ قِدَمِ

أَعْزِزْ بِهِ وَهْوَ مِنْ إِهْدَاءِ مِصْرَ إِلَى

أَبَرِّ جِيرَتِهَا بِالْعَهْدِ وَالذِّمَمِ

مَا الأَلمَعِيُّ الَّذِي فِيكُمْ يُمَثِّلُهَا

إِلاَّ مُمَثِّلَ مَجْدِ النِّيلِ وَالهَرَمِ

أَلَيْسَ فِيمَا نَرَاهُ مِنْ مَآثِرِهَا

أَسْنَى مَفَاخِرِهَا مَا خُطَّ بِالْقَلَمِ

دَامَتْ بِغَابِرِهَا دَامَتْ بِحَاضِرِهَا

تَعِزُّ مَوْفُورَةَ الإِجْلالِ فِي الأُمَمِ