وفد الربيع إليك قبل أوانه

وَفَدَ الرَّبِيعُ إِلَيْكِ قَبْلَ أَوَانِهِ

يُهْدِي حِلَى جَنَّاتِهِ الْفَيْحَاءِ

مِنْ كُلِّ بَارِعَةِ الْجَمَالِ يُرَى بِهَا

شَبَهٌ لِبَعْضِ خِلاَلِكِ الحَسْنَاءِ

فِي النَّظْمِ أَوْ فِي النَّثْرِ مِنْ طَاقَاتِهَا

لُطْفُ البَيَانِ وَرَوْنَقُ الإِخْفَاءِ

نَمَّ البَدِيعُ بِحُسْنِهَا فَرَأَى النُّهَى

مِنْ فَنِّها مَا لَيْسَ بِالمُتَرَائِي

أَبْهِجْ بِإِكْلِيلِ الزَّفَافِ وَقَدْ جَلاَ

لِلْعَيْنِ كُلَّ أَثِيرَةٍ غَرَّاءِ

لَوْ شِئْتِ صِيغَ مِنَ الفَرِيدِ وَمَا وَفَى

لَكِنْ أَبَيْتِ وَكَانَ خَيْرَ إِبَاءِ

هَلْ فِي يَدِ الدِّهْقَانِ أَبْهَجُ زِينَةً

مِنْ زِينَةِ البُسْتَانِ لِلْعَذْرَاءِ

صَفَتِ السَّماءُ فَخَالَفَتْ مِنْ عَهْدِهَا

وَالفَصْلُ لِلأَمْطَارِ وَالأَنْوَاءِ

شَفَّافَةً يُبْدِي جَمِيلُ نَقَائِهَا

مَا فِي ضَمِيركِ مِنْ جَمِيلِ نَقَاءِ

جَادَتْ عَلَيْكِ بِشَمْسِهَا وَكَأَنَّها

لَكِ تَسْتَقِلُّ جَلاَلَةَ الإِهْدَاءِ

هَذِي مَلِيكَاتُ الَّلآلِيءِ أَقْبَلَتْ

تَفْتَرُّ عَنْ قِطَعٍ مِنَ اللأْلاَءِ

بَادٍ صَفَاءُ القَطْرِ فِي قَسِمَاتِهَا

وَتَنَافُسِ الأَلْوَانِ وَالأَضْوَاءِ

ظَلَّتْ تَكَوَّنُ فِي حَشَى أَصْدَافِهَا

كَتَكَوُّنِ الأَنْوَارِ فِي أَفْيَاءِ

وَقَضَتْ عُصُوراً سَيِّدَاتِ بِحَارِهَا

يُسْعَى لَهَا مِنْ أَبْعَدِ الأَنْحَاءِ

حَتَّى إِذَا حُمِلَتْ إِليْكَ سَبِيَّةً

مَجْلُوبَةً فِي جُمْلَةِ الآْلاَءِ

وَجَدَتْ عَزَاءً فِي رِحَابِكِ طَيِّباً

عَنْ عَزِّهَا المَاضِي وَأَيَّ عَزَاءِ

بِلِقَائِهَا حُسْناً يُضَاعِفُ مَا بِهَا

مِنْ رَوْنَقٍ وَنَفَاسَةٍ وَبَهَاءِ

وَجِوَارِهَا شِيَماً كَرَائِمَ صُنْتِهَا

فِي خِدْرِ عِصْمَتِهَا عَنِ الرُّقَبَاءِ

لاَ غَرْوَ أَنَّ المَاسَ أَكْرَمُ جَوْهَرٍ

خَبَأَتْهُ أَرْضٌ مِنْ كُنُوزِ سَمَاءِ

كَمْ فِي مَنَاجِمِهِ تَسَهَّدَ كَوْكَبٌ

مُتَوَاقِّداً كَأَخِيهِ فِي الظَّلمَاءِ

يَشْتَاقُ أَنْ يَلْقَى الصَّباحَ وَلَوْ تَوَى

وَيُسَاءُ أَنْ يَبْقَى سِرَاجَ مَسَاءِ

حَتَّى حَلِيتِ بِهِ فَقَرَّ مُنَعَّماً

وَغَدَا تَحَرُّقُهُ تَوَهُّج مَاءِ

وَلَعَلَّ مُنْفَرِداً بِجِيدِكِ عَالِقاً

مُتَفَوِّقاً قَدْراً عَلَى النُّظرَاءِ

دُعِيَ اليَتِيمُ مِنَ التَّوَحُّدِ فَادَّعَى

حَقًّا عَلَيْكِ لِكُلِّ حِلْفِ شَقَاءِ

وَمِنَ الكِيَاسَةِ وَهْوَ أَصْلَبُ جَوْهَرٍ

أَنْ رَقَّ رِقَّة أَدْمُعِ الْفُقَرَاءِ

فَأَصَابَ عِنْدَكِ وَالشَّفاعَةُ لاسْمِهِ

حَظَّ اليَتيمِ وَفَازَ بِالإِيوَاءِ

مَا يَغْلُ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ لِحِكْمَةٍ

جَلَّتْ غَلاَءَ المَاسِ فِي الأَشْيَاءِ

هُوَ بِالْمَتَانَةِ وَالسَّنى مِرْآةُ مَا

بِكِ مِنْ وَفَاءٍ ثَابِتٍ وَذَكَاءِ

يَا مَعْدِنَ الذَّهَبِ الَّذِي فِي لَوْنِهِ

لِلشَّمسِ مَسْحَةُ بَهْجَةٍ وَرُوَاءِ

يَا مُدْنِيَ الأَرَبِ البَعِيدِ مَنَالُهُ

وَلَقَدْ أَقُولُ مُنِيلُ كُلِّ رَجَاءِ

يَا مُرِخصاً مِنْ كُلِّ نَفْسٍ مَا غَلاَ

حَاشَا نُفُوسِ العِلْيَةِ النُّبلاَءِ

إِنْ أَلَّهَتْكَ النَّاسُ كُنْ عَبْداً هُنَا

وَاخْضَعْ لِهذِي الشِّيمَةِ الشَّماءِ

وَزِنَ الَّتِي دَفَعَتْ ضَلاَلَكَ بِالْهُدَى

وَسَوَادَ مَكْرِكَ بِاليَدِ البَيْضَاءِ

عَجباً أَرَى وَلَعَلَّ أَعْجَبَ مَا يُرَى

دُنْيَا الخَلاَئِقِ تَنْبَرِي لِفِدَاءِ

لماحَةً لِلْغَيْبِ شَاعِرَةً بِهِ

حَتَّى لَيَحْضُرُهَا الْخَفِيُّ النَّائِي

تِلْكَ الرَّوَاعِي كُلَّ أَخْضَرَ نَاعمٍ

مِنْ كُلِّ نَاعِمَةِ الْخُطَى مَلْسَاءِ

مَنْ بَثَّ فِيهَا وَهْيَ تَقْنِي قَزَّهَا

مِنْ بَذْلِهَا أَعَمَارَهَا بِسَخَاءِ

أَنَّ الَّذِي تَقْضِي شَهِيدَةَ نَسْجِهِ

لَكِ فِيهِ سَعْدٌ وَامْتِدَادُ بَقَاءِ

هَبَّت صَبِيَّاتُ المَزَارِعِ بُكْرَةً

يَخْطِرْنَ بَيْنَ السَّيرِ وَالإِسْرَاءِ

مِنْ كُلِّ عَاصِيَةِ النُّهودِ بِهَا تُقًى

مِطْوَاعَةِ الأَعْطَافِ ذَاتِ حَيَاءِ

نَادَى بِهَا الْبُشَرَاءُ حَيِّ عَلَى الْجَنَى

فَعَدَتْ تُلَبِّي دَعْوَةَ الْبُشَرَاءِ

وَالْقُطْنُ مُوفٍ ضَاحِكٌ بِبَياضِهِ

وَصَفَائِهِ مِنْ كُدْرَةِ الْغَبْرَاءِ

يَشْقُقْنَ مِثْلَ السِّترِ مِنْ جَنَبَاتِهِ

وَيَخُضْنَ شِبْهَ الْبَحْرِ في الأَثْنَاءِ

مُتَغَنِّياتٍ مِنْ أَهَازِيجِ الصِّبا

مَا شَاءَ وَحْيُ هَوَىً وَطِيبُ هَوَاءِ

يُنْشِدْنَ مِنْ وَصْفِ المَخِيلَةِ جَلْوَةً

لَعَرُوسِ شِعْرٍ زَيْنَةٍ هَيْفَاءِ

حُورِيَّة عَيْنَاءَ أَبْهَى مَا يُرَى

فِي الْغِيدِ مِنْ حُورِيَّة عَيْنَاءِ

وَفَرَ الإِلَهُ لَهَا الَعْطَاءَ فَلَمْ يَعُدْ

عَنْ بَابِهَا عَافٍ بِغَيْرِ عَطَاءِ

وَبِأَمْرِهَا تَعْرَى الْحُقُولُ فَتَنْثَنِي

أُمُّ الْعُرَاةِ بِمِيرَةٍ وَكِسَاءِ

تِلْكَ الَّتِي أَكْبَرْنَهَا وَنَعَتْنَهَا

بِأَحَاسِنِ الأَوْصَافِ وَالأَسْمَاءِ

كَانَتْ عَرُوسَ تَوَهُّم فَتَحَقَّقتْ

بِصِفَاتِهَا وَغَدَتْ مِنَ الأَحْيَاءِ

أَعَرَفْتَها فَلَقَدْ أَكُونُ بِمَسْمَعٍ

مِنْهَا أَقُولُ الشِّعرَ وَهْيَ إِزَائِي

للهِ أًجْهِزَةُ الْحَدِيدِ مُدَارةً

تَأْتِي بِأَثْوابٍ زَهَتْ وَمُلاَءِ

عَجَبٌ ضَخَامَتُهَا وَدِقَّة صُنْعِهَا

كَمْ رِقَّة معي غِلْظَةِ الأَعْضَاءِ

مَنْ كَانَ يَحْسِبُ أَنَّ عَنْتَرَةً يُرَى

مُتَفَوِّقاً ظَرْفاً عَلَى الشُّعرَاءِ

قَالَ امْرُؤٌ مِنْ سَامِعِي ضَوْضَائِهَا

وَشُهُودِ تِلْكَ الْجَهْمَةِ السَّوْدَاءِ

إِنَّ ابْتِساماً لاَحَ مِنْهَا عِنْدَ مَا

جَاءَتْ بِهذِي الْحُلَّةِ البَيْضَاءِ

أَليَوْمَ عِيدٌ فِي تَقَاسُمِ حَظِّهِ

لِلْبَائِسِينَ رِضىً وَلِلسُّعدَاءِ

مَا اسْطَاعَ فِيهِ الدَّهْرُ أَشْكَى كُلَّ ذِي

شَكْوَى وَهَادَنَ كُلَّ ذِي بُرَحَاءِ

عَمَّ السُّرُورُ وَتَمَّ حَتَّى لَمْ يَكَدْ

أَثَرٌ يُرَى لِتَفَرُّقِ الأَهْوَاءِ

كُلٌّ بِهِ مِنْ شَاهِدٍ أَوْ غَائِبِ

أَثْنَى عَلَيْكِ وَقَدْ ثَنَى بِدُعَاءِ

بِنتَ السَّليمِ وَجَلَّ مِنْ رَجُلٍ سَمَا

بِصَوَادِقِ العَزَمَاتِ وَالآرَاءِ

أَلفَخْرُ حَقُّ مَنِ الثُّرَيَّا أُمُّها

نَسَباً وَوَالِدُهَا أَخُو الْجَوَزَاءِ

مِنْ أُسْرةٍ هُمْ أَهْلُ كُلِّ مُروُءَةٍ

يَوْمَ الْحِفَاظِ وَأَهْلُ كُلِّ ثَنَاءِ

إِنْ عَالَنُوا لِتِجَارَةٍ فَلَطَالَمَا

بَذَلُوا النَّوَالَ الْجَمَّ رَهْنَ خَفَاءِ

بِتَرَفُّع عَنْ كُلِّ فَخْرٍ بَاطِلٍ

وَتَجَنُّب فِي البِرِّ لِلْغَوْغَاءِ

لِيَكُنْ لَكِ الْحَظُّ الَّذِي تَرْجِينَهُ

فَلَقَدْ ظَفِرْتِ بِأَكْرَمِ الأَكْفَاءِ

نَسْلِ الأَمَاجِدِ مِنْ أَمَاجِدِ قَدْ زَكَتْ

أَنْسَابُهُمْ فِي دَوْحَةِ العَلْيَاءِ