السجين

أتُرى هل جُنَّ حسِّي فانطوى الرعبُ؟

تُرى عادَ الصدى، عادَ الدُّوار؟

مَن تُرى زحزح ليلَ السجنِ عن صدري

وكابوسَ الجدار؟

الكوى العمياءُ من دهرٍ يغطّيها الغبار،

الكوى، ما للكوى

تنشقُّ عن ضوء النهار

وصدى يغري ويغري بالفرار:

“هِيَ، والشَّمسُ، وضحكات الصغار،

وبقايا الخصبِ في الحقل البوار،

كلُّها تذكر ظلِّي، تَعَبي،

كَفِّي المغَنِّي للبذار،

كلُّها تُغري وتُغري بالفرار”.

أترى عاد الصدى يهذي،

ترى عاد الدوار؟

طالما أغرى الصدى قلبي مراراً

طالما غاصت أظافيري مرار،

في جدار السجن تفريه ويا

طالما ماتَتْ على كيد الجدار.

رُدَّ بابَ السِّجنِ في وجه النهار

كان قبل اليوم

يُغري العفوُ أو يُغري الفرار،

قبلَ أن تصدأ في قلبي الثواني،

لا صدى تُحصيهِ، لا حمَّى انتظار،

قبل أن تمتصَّني عتمَةُ سجني،

قبْلَ أنْ يأكُلَ جفنيَّ الغبار،

قبلَ أن تنحلَّ أشلاءُ السَّجين

رِمَّةً، طينًا، عِظامًا بعثَرتْها

أرجلُ الفيرانِ، رثَّت من سنين

كيفَ تلتمُّ، وتحيا، وتلين،

تتَشهَّى عودَةً أخرى..؟

ترى ما عودة للموت في الحيّ المهين،

ورؤى تفنى على دخنةِ مقهى

وفرارٌ من كمينٍ لكمينْ

ولسان الفاجر العاتي

يحرُّ السمَ في جرحي السخين.

شهوة العنقاء ماتت في رفاتٍ

هي والدنيا على حقدٍ دفين.

كيف تلتمُّ، وتحيا، وتلين؟

ما الذي يهذي به سجّانيَ العاتي اللعين؟

جاء بالعفو عقاباً للسجين،

بعد أن رثّتْ عظامي من سنين،

هل أخلّيها؟ أخلّيها وأمضي

خاويَ الأعضاء، وجهاً لا يبين،

شبحاً تجلدهُ الريحُ،

وضوءُ الشمسِ يُخزيهِ، وضحكات الصغار

يتخفّى من جدارٍ لجدار؟

رُدَّ بابَ السجن في وجه النهار

كان قبل اليوم

يُغري العفو، أو يغري الفرار.