بعد الجليد

1 عصر الجليد

عندما ماتتْ عروقُ الأرضِ

في عصرِ الجليدْ

مات فينا كلُّ عِرْقٍ

يبستْ أعضاؤنا لحمًا قديدْ

عَبثًا كُنَّا نصدُّ الريحَ

والليْلَ الحزينا

ونداري رعشةً

مقطوعةَ الأنفاسِ فينا،

رعشةَ الموتِ الأكيدْ

في خلايا العظمِ، في سرِّ الخلايا

في لُهاثِ الشمسِ، في صحو المرايا

في صريرِ البابِ، في أقبيَةِ الغَلَّةِ،

في الخمرةِ، في ما ترشحُ الجدرانُ

من ماءِ الصَديدْ

رعشةُ الموت الأكيدْ

***

يا إلهَ الخصبِ، يا بعلاً يفض

التربةَ العاقِرَ

يا شمسَ الحصيدْ

يا إلهًا ينفضُ القبرَ

ويا فِصْحًا مجيد،

أنتَ يا تموزُ، يا شمسَ الحصيدْ

نَجِّنِا، نجِّ عروقَ الأرضِ

من عُقْمٍ دَهاها ودهانا،

أَدْفئِ المَوتَى الحزانى

والجلاميدَ العَبيدْ

عَبْرَ صحراءِ الجليدْ

أَنتَ يا تمُّوزُ، يا شمسَ الحصيدْ.

عَبثًا كنا نصلِّي ونصلِّي

غرَّقتْنا عتْمَةُ الليلِ المهلِّ

عَبثًا نَعْوي ونعْوي ونُعيدْ

عَبْرَ صحراءِ الجليدْ

نَحنُ والذئبُ الطريدْ

عبثًا كنا نهزُّ الموتَ

نبكي، نتحدّى،

حُبُّنا أقوى من الموتِ

وأَقوي جمرُنا الغَضُّ المُندَّى.

وارتمَيْنا جثثاً، لحمًا حزينَا

ضمَّ في حسرته لحمًا قديدْ،

عبثًا نغتصبُ الشَّهْوةَ حرَّى

عَبثًا نسْكبُها خمْرًا وجمْرا

مِنْ بقايا في الوَريدْ،

علَّهُ يُفرخ من أَنقاضنا نسلٌ جديدْ

ينفُضُ الموْتَ، يغلُّ الريحَ،

يدوي نبضَة حرَّى

بصحراءِ الجليدْ

“حُبُّنا أقوى من الموتِ العنيدْ”

غير أنَّ الحبَّ لم يُنبِتْ

مِن اللحْمِ القديدْ

غَيْر أَجْيالٍ من الموتى الحزانى

تتمطَّى في فم الموت البليدْ

***

2 بعد الجليد

كيف ظلَّتْ شهوةُ الأرضِ

تدوِّي تحت أَطباقِ الجليدْ

شَهوةٌ للشمسِ، للغيثِ المغنِّي

للبذارِ الحيِّ، للغَلَّةِ في قبوٍ ودنِّ

للإله البعلِ، تمُّوزِ الحصيدْ،

شَهوةٌ خضراءُ تأبي أنْ تبيد،

وحنينٌ نبضُه يسري إلى القبرِ، إلينا،

يا حنينَ الأرضِ لا تقسُ علينا

لا تحرّ الدمَ في الأمواتِ، فينا

موجعٌ نبضُ الدَّمِ المحرُورِ

في اللَّحمِ القديدْ،

في عروقٍ بَعْضُها حُمَّى ربيعٍ

وجحيمٌ يبْتَلينا

بعضُها صمتٌ ثقيلٌ وجليدْ،

إنْ يكنْ، ربَّاهُ،

لا يُحيي عروقَ الميِّتينا

غيرُ نارٍ تلدُ العنقاءَ، نارْ

تتغذَّى من رمادِ الموتِ فينا،

في القرارْ،

فَلْنعانِ من جحيمِ النارِ

ما يمنحُنا البعثَ اليَقينا:

أُممًا تنفضُ عنها عفنَ التاريخِ،

واللعنَةَ، والغيبَ الحزينا

تنفُضُ الأمسَ الذي حجَّرَ

عَينَيها يواقِيتًا بلا ضوءٍ ونارْ،

وبحيراتٍ من الملحِ البوارْ،

تنفُضُ الأمسَ الحزينا

والمهينا،

ثم تحيا حُرةً خضراءَ تزهو وتُصلِّي

لصدى الصبحِ المطلِّ

وتُعيدْ

مِن ضِفاف “الكنجِ” “للأردنِّ” “للنيلِ”

تصلِّي وتُعيدْ:

يا إِله الخصبِ، يا تمُّوزُ، يا شمسَ الحصيدْ

بارِكِ الأرضَ التي تُعطي رجالاً

أقوياءَ الصُّلبِ نسلاً لا يَبيدْ

يَرثونَ الأرضَ للدهرِ الأبيدْ،

باركِ النَسل العَتيدْ

باركِ النَسل العَتيدْ

باركِ النَسلَ العتيدْ

يا إله الخصبِ، يا تموزُ، يا شمسَ الحصيدْ