سرحان يشرب القهوة في الكفاتيريا

يجيئون،

أبوابُنا البحرُ، فاجأنا مطرٌ. لا إله سوى الله. فاجأنا

مطرٌ و رصاصٌ. هنا الأرضُ سُجّادةٌ، و الحقائب

غربهْ!

يجيئون،

فلتترجّلْ كواكبُ تأتي بلا موعد. و الظهورُ التي

استندتْ للخناجر مضطرة للسقوط

و ماذا حدث ؟

أنت لا تعرف اليوم. لا لون. لا صوت. لا طعم

لا شكل.. يُولد سرحان، يكبر سرحان،

يشرب خمراً و يسكُرّ. يرسم قاتله، و يمزِّق

صورته. ثم يقتله حين يأخذ شكلا أخيراً

و يرتاح سرحان:

سرحان! هل أنت قاتل ؟

و يكتب سرحان شيئاً على كُمِّ معطفه، ثمَّ تهرب

ذاكرةٌ من ملفَّ الجريمة.. تهرب.. تأخذ

منقار طائر.

و تأكل حبة قمح بمرج بن عامر

و سرحان مُتّهم بالسكوت، و سرحان قاتل

***

و ما كان حُبّاً

يدان تقولان شيئاً، و تنطفئان

قيودٌ تلد

سجون تلد

منافٍ تلد

و نلتفُّ باسمكِ.

ما كان حُبّاً

يدان تقولان شيئاً.. و تنطفئان

و نعرف، كُنّا شعوباً و صرنا حجارة

و نعرف كنتِ بلادا و صرتِ دخان

و نعرف أشياء أكثر

نعرف، لكنّ كل القيود القديمة

تصير أساور ورد

تصير بكارهْ

في المنافي الجديدة

و نلتفُّ باسمك

ما كان حُبّاً

يدان تقولان شيئاً و تنطفئان.

و سرحان يكذب حين يقول رضعتُ حليبك، سرحان

من نسل تذكرة، و تربّى بمطبخ باخرة لم تلامس

مياهكِ. ما اسمك؟

_نسيت .

و ما اسم أبيك ؟

_نسيت

و أمك

_نسيت

و هل نمت ليلةَ أمس ؟

_لقد نمتُ دهراً

حلمت ؟

_كثيراً

بماذا

_بأشياء لم أرها في حياتي

و صاح بهم فجأة :

_لماذا أكلتم خضاراً مُهرّبة من حقول أريحا؟

_لماذا شربتم زيوتاً مهربَّة من جراح المسيح؟

و سرحانُ متّهم بالشذوذ عن القاعدة

***

رأينا أصابعه تستغيث. و كان يقيس السماء بأغلاله

زرقةُ البحر يزجرها الشرطيّ، يعاونه خادم آسيويّ،

بلاد تغّير سكانها، و النجوم حصى

و كان يغنّي مضى جيلنا و انقضى.

مضى جيلنا و انقضى.

و تناسل فينا الغُزاةُ تكاثر فينا الطغاة. دم كالمياه.

و ليس تجفّفه غير سورة عم و قبعةِ الشرطيّ

و خادمهِ الآسيوي. و كان يقيس الزمان بأغلاله

سألناه: سرحان عمَّ تساءلت؟

قال: اذهبوا، فذهبنا

إلى الأمهات اللواتي تزوّجن أعداءنا.

و كنّ ينادين شيئاً شبيهاً بأسمائنا.

فيأتي الصدى حَرَساً

ينادين قمحاً

فيأتي الصدى حَرَساً

ينادين عدلاً

فيأتي الصدى حَرَساً.

ينادين يافا

فيأتي الصدى حرساً

و من يومها، كفَّت الأمهات عن الصلوات و صرنا

نقيس السماء بأغلالنا

و سرحان يضحك في مطبخ الباخرة

يعانق سائحة، و الطريق بعيدٌ عن القدس و الناصرة

و سرحان مُتّهم بالضياع و بالعدميَّة

***

و كلّ البلاد بعيدهْ .

شوارعُ أخرى اختفت من مدينته ( أخبرتهُ الأغاني

و عزلتُهُ ليلة العيد أن له غرفة في مكان)

ورائحةُ البنِّ جغرافيا

و ما شرَّدوك.. و ما قتلوك .

أبوك احتمى بالنصوص، و جاء اللصوص

و لست شريداً.. و لست شهيداً.. و أُمك باعت

ضفائرها للسنابل و الأمنيات:( و فوق سواعدنا

فارسٌ لا يسلِّم (وشم عميق ). و فوق أصابعنا

كرمةٌ لا تهاجر ( وشم عميق )

خُطى الشهداء تُبيدُ الغزاة

(نشيد قديم)

و نافذتان على البحر يا وطني تحذفان المنافي..وأرجع

(حلم قديم –جديد)

شوارع أخرى اختفت من مدينته ( أخبرته الأغاني

و عزلته ليلة العيد أن له غرفة في مكان ).

و رائحةُ البُنِّ جغرافيا

و رائحة البن يدْ

و رائحة البن صوت ينادي.. و يأخذ

رائحة البن صوت و مئذنة (ذات يوم تعود).

و رائحة البن ناي تزغرد فيه مياه المزا ريب ينكمش

الماء يوماً و يبقى الصدى .

و سرحان يحمل أرصفةً و نواديْ و مكتبَ حجز التذاكر

سرحان يعرف أكثر من لغة و فتاه. و يحمل تأشيرة

لدخول المحيط و تأشيرة للخروج و لكنّ سرحانَ

قطرة دم تفتِّش عن جبهة نزفتها.. و سرحان

قطرة دم تفتّش عن جثة نسيتها.. و أين ؟

و لست شريداً.. و لست شهيداً

و رائحة البن جغرافيا.

و سرحان يشرب قهوته ..

و يضيع

****

هنا القدس .

يا امرأة من حليب البلابل كيف أُعانق ظلّي

و أبقى ؟

خُلقتَ هنا.. و تنامُ هناك

مدينته لا تنام و أسماؤها لا تدوم. بيوت تغيَّر

سكانها. و النجوم حصى .

و خمسُ نوافذ أخرى، و عشر نوافذ أخرى تغادر

حائط

و تسكن ذاكرةً.. و السفينةُ تمضي .

و سرحان يرسم شكلاً و يحذفه: طائرات وربُّ قديم

و نابالم يحرق وجهاً و نافذة.. و يؤلف دولهْ .

هنا القدس .

يا امرأة من حليب البلابل كيف أعانق ظلي..

و أبقى؟

و لا ظلّ للغرباء.

مساءٌ يرافقهم، و المساء بعيد عن الأمهات قريب من

الذكريات. و سرحان لا يقرأ الصحف العربية…

لا يعرف المهرجانات و التوصيات.فكيف إذن

جاءه الحزن.. كيف تقيّأ ؟

و ما القدس و المدن الضائعة

سوى ناقة تمتطيها البداوة

إلى السلطة الجائعة

و ما القدس و المدن الضائعة

سوى منبر للخطابة

و مستودعٍ للكآبة

و ما القدس إلاّ زجاجة خمر و صندوق تبغ

..و لكنها وطني .

من الصعب أن تعزلوا

عصير الفواكه عن كريات دمي ..

و لكنها وطني

من الصعب أن تجدوا فارقاً واحداً

بين حقل الذرة

و بين تجاعيد كفيّ

و لكنها وطني..

لا فوارق بين المساء الذي يسكن الذاكرة

و بين المساء الذي يسكن الكر ملا

و لكنها وطني

في الحقيقة و الدم متَّسع للجميع

و خط الطباشير لا يكسر المطر المقبلا

هنا القدس ..

كيف تعانق حريتي_ في الأغاني_ عبوديتي ؟

و سرحان يرسم صدراً و يسكنه

و سرحان يبكي بلا ثمن ووسام

و يشرب قهوته.. و يضيع

***

يُمَزَّقُ غيماً، و يرسله في اتجاه الرياح. و ماذا؟ هنالك

غيم شديد الخصوبة. لا بُدَّ من تربة صالحه

أتذهب صيحاتنا عبثاً؟

أكلتَ.. شربتَ.. و نمتَ.. حلمت كثيراً. أفقتْ

تعلمت تصريف فعل جديد. هل الفعل معنى بآنية

الصوت.. أم حركه؟

و تكتب ض. ظ. ق. ص. ع. و تهرب منها، لأن

هدير المحيطات فيها و لا شيء فيها ضجيج الفراغ

حروف تميزنا عن سوانا_ طلعنا عليهم طلوع

المنون فكانوا هباء و كانوا سدىَّ. سدىَّ نحن

هم يحرثون طفولتنا و يصكون أسلحة من أساطير

أعلامهم لا تغني و أعلامنا تجهضُ الرعد نقصفهم بالحروف

السمينة ض.ظ.ص.ق.ع ثم نقول انتصرنا و ما

الأرض؟ ما قيمة الأرض؟ أتربة ووحول نقاتل أو لا نقاتل ؟

ليس مهماً سؤالك ما دامت الثورةُ العربيةُ محفوظةً في الأناشيد

و العيد و البنك و البرلمان

و تعرف أن الغزاة عِصِيٍّ بأيدي المماليك تكتب

ض. ظ . ق .ص . ع

تمزق غيماً و ترسله في اتجاه الرياح و ماذا؟ هنالك

غيم شديد الخصوبة. لا بد من تربة صالحه

و تمضي السفينة. تبقى غريباً. جراحك مطبعة للبلاغات

و التوصيات. و باسك تنتصر الأبجديةُ. باسمك

يجلس عيسى إلى مكتب ويوقع صفقة خمر و أقمشة

و يحيى العساكر باسمك. تُحفظ في خيمة

و تُعلَّب في خيمة. لا هوية إلاّ الخيام. إذا

احترقت.. ضاع منك الوطن

و باسمك تأتي و تذهب.باسمك حطّين تصبح مزرعةً

للحشيش، و ثوّارك السابقون سعاة بريدٍ. و باسمك

لا شيء. يأتي القضاة، يقولون للطين كن جبلاً

شامخاً فيكون. يقولون للترعة انتفخي أنهراً فتكون

و تكتب ض. ظ .ص .ع . ق

تُمزِّق غيما و ترسله في اتجاه الرياح، و ماذا ؟

هنالك غيم شديد الخصوبة. لا بدّ من تربة صالحه

أتذهب صيحاتنا عبثاً؟

و ليست خيامك ورد الرياح. و ليست مظلات شاطئ.

تَدجَّجْ بأعمدة الخيمة. احترقي يا هويَّتنا_ صاح لاجئ

و سرحان يشرب قهوته. للجليل مزايا كثيرة

و يحلم، يحلم، يحلم.. آه_ الجليل!

***

و من كفّ يوماً عن الاحتراق

أعارَ أصابعه للضماد

و صرَّح للصحفيِّ و للعدسات:

جريح أنا يا رفاق

و نال وساماً.. و عاد

و سرحانُ ،

ما قال جرحيَ قنديلُ زيتٍ و ما قال ..

صدريَ شبُّاك بيتٍ و ما قال..

جلديَ سجّادة للوطن

و ما قال شيئاً..

أتذهب صيحاتنا عبثاً ؟

كل يوم نموت ،و تحترق الخطوات و تولد عنقاء

ناقصة ثم نحيا لنُقتل ثانيةً

يا بلادي، نجيئك أسرى و قتلى.

و سرحان كان أسير الحروب، و كان أسير السلام

على حائط السَّبْي يقرأ أنباء ثورته خلف ساق مغنّيةٍ

و الحياةُ طبيعيَّة، و الخضار مهرَّبة من جباه العبيد

إلى الخطباء، و ما الفرق بين الحجارة و الشهداء؟

و سرحان كان طعام الحروب، و كان طعام السلام .

على حائط السَّبي تعرض جثَّته للمزاد. و في المهجر

العربي يقولون: ما الفرق بين الغزاة و بين الطغاة؟

و سرحان كان قتيل الحروب، و كان قتيل السلام.

على حائط السَّبي يصطدم العلم الوطني بأحذية الحرس

الملكي . وحربك حربان. حربك حربان

سرحان! لا شيء يبقى، و لا شيء يمضي. اغتربتَ ..

لجأتَ.. عرفت. و لست شريداً و لست شهيداً

خيامك طارت شراره.

و في الريح متَّسعٌ

هل قَتَلت؟

و يسكت سرحان يشرب قهوته و يضيع و يرسم

خارطة لا حدود لها و يقيس الحقول بأغلاله

هل قتلت؟

و سرحان لا يتكلم .يرسم صورةَ قاتله من جديد،

يمزّقها، ثم يقتلها حين تأخذ شكلاً أخيراً..

_قتلت ؟

و يكتب سرحان شيئاً على كُمِّ معطفه، ثم تهرب

ذاكرة من ملفّ الجريمة.. تهرب.. تأخذ منقار

طائر

و تزرع قطرة دم بمرج بن عامر.