شكرا لتونس

شكراً لتونس. أَرْجَعَتنْي سالماً من

حبها، فبكيتُ بين نسائها في المسرح

البلديِّ حين تملِّصَ المعنى من الكلمات.

كُنْتُ أودِّعُ الصيفَ الأخيرَ كما يودِّعُ

شاعرٌ أُغنيةً غَزَلِيَّةً: ماذا سأكتبُ

بعدها لحبيبةٍ أُخرى …. إذا أَحببتُ؟

في لُغَتي دُوارُ البحر في لغتي رحيلٌ

غامضٌ من صُورَ لا قرطاجَ تكبحُهُ، ولا

ريحُ البرابرة الجنوبيِّين. جئت على

وتيرة نَوْرَسٍ، ونَصَبْتُ خيمتي الجديدةَ

فوق مُنْحَدَرٍ سماويٍّ. سأكتبُ ههنا فصلاً

جديداً في مديح البحر: أُسْطوريَّةٌ

لغتي وقلبي مَوْجةٌ زرقاءُ تخدشُ

صخرةً: ((لا تُعْطني، يا بحرُ، ما

لا أَستحقُّ من النشيد. ولا تكن

يا, بحرُ، أكثرَ أو أَقلَّ من النشيد!))…

تطيرُ بيْ لُغتي إلى مجهولنا الأَبديِّ،

خلف الحاضر المكسور من جِهَتَيْنِ: إنْ

تنظرْ وراءك تُوقظْ سَدُومُ المكان على

خطيئِتِه… وإن تنظرْ أمامَكَ توقظِ

التاريخَ, فاحذرْ لَدْغَةَ الجهتين … واتبَعْني.

أقول لها سأمكثُ عند تونس بين

مَنْزِلَتَيْنِ: لا بيتي هنا بيتي، ولا

منفايَ كالمنفى. وها أَنذا أُودِّعُها,

فيخرجني هواءُ البحر … مِسْكُ الليل يجرحني,

وعِقْدُ الياسمين على كلام الناس يجرحني،

ويجرحني التأمُّلُ في الطريق اللولبيِّ إلى ضواحي

الأندلسْ …