فانتازيا الناي

النايُ خيطُ الروح , خيطُ من شعاع أو أبَدْ

أبَدِ الصدى. والنايُ أنَّ يئنُّ أنّي راجعٌ من حيثُ جئتْ

من حيث جئتُ بلا رفيقٍ، أو بلدْ

بلدٍ يَلُمُّ حُطام أُغنيتي,

ما نفعُ أُغنيتي؟

النايُ أصواتٌ وراء الباب. أصواتٌ تخافُ من القمر

قمر القرى. يا هل تُرى وَصَلَ الخبرْ

خبرُ انكساري قربَ داري قبل أن يصل المطرْ

مطرْ البعيدِ، ولا أُريدُ من السّنهْ

سنة الوفاةِ سوى التفاتي نحو وجهي في حجرْ

حجرٍ رآني خارجاً من كُمِّ أُمّي مازجاً قدمي بدمعتها

فوقعتُ من سنةٍ على سَنَةِ

ما نفع أُغنيتي؟

النايُ ما نُخفي ويظهر من هشاشتنا , ونمضي

نمضي لنقضي عمرنا بحثاً عن الباب الذي لم ينغلقْ

لم ينغلقْ بابٌ أمام الناي . لكنَّ السحابة تحترقْ

مما أصاب خيولنا، يا نايُ، فاثقبْ في الصخورِ طريقنا حتى نمرّ

حتى نمرَّ كما يمر العائدون من المعارك ناقصينَ

وخاسرينَ شقائق اللغةِ

ما نفعُ أُغنيتي؟

النايُ آخر ليلتي. والنايُ أوَّل ليلتي. والنايُ بينهما أنا

أنا لا أُنادي غير ما ضيَّعْتُ من قلبي هنا

وهناك سرنمةٌ. بلادي تشتهيني ميتاً ومشتتاً حول السياجْ

حول السياجِ يطاردُ الأولادُ قُوتَ الطيرِ أو قطع الزجاجْ

زجاجِ أيّامٍ تُعَدُّ على الأصابع أو على توت البيوت

توتِ البيوتِ يموت فيَّ، ولا يموتُ

ولا يموتُ على الغصون. تموتُ ذاكرتي

ما نفعُ أُغنيتي؟

النايُ، ناح النايُ صاح النايُ في شجر النخيلِ

شجر النخيل سيشتهينا. مَوِّهينا وادخلي باهَ الصهيلِ

أَنا الصهيلُ وأنت جلدي، دثّريني دثّريني, واشربي عسل القتيل

وأنا القتيلُ، وأنت أفراسُ. سأسقط كالنداء عن السفوحْ

وعلى السفوح ينوح نايٌ. فضَّة الوديان أنَّتْ حول حنجرتي

فرس من الشهوَ’

لا تبلغُ الذروهْ

ما نفعُ أُغنيتي ؟

النايُ نار الحب حين نظنُّه قد مات فينا

قد مات فينا فجأة ما نشتهيه ويشتهينا

ما يشتهينا نشتهيه، ورغبتي تبكي كأنثى الوحش تبكي

تبكي شعيرات الدم المحبوسِ في لُغَتي لأصرخ: كم أُحبُّك, أو لأحكي

أحكي عن الناي الذي لا يستطيع فراق امرأتي.

ما نفعُ أغنيتي ؟

الناي يفضحُ جرحنا المنسيَّ. يفتح سّرنا للاعترافْ

الاعتراف بكل ما نخفي وراء قناعنا. كنا نحبُّ

كنا نحبُّ نساءَنا. كنا نصَدِّق ماءنا وهواءنا. كنا نخافْ

كنا نخافُ نهاية الأشياء فينا عندما كنا نشبُّ

كنا نشبُّ على الخرافة. باسم مَنْ نهذي ونرفع حلمنا

هل حلمُنا، يا ناي، كنزٌ ضائعٌ

أم حبل مشنقةِ؟

قمرٌ على الشرفَهْ

لا يدخلُ الغرفَهْ

ما نفعُ أُغنيتي ؟