في مركب على النيل

مركب علي النيل‮. ‬يوم الثلاثاء‮. ‬قهوة‮

‬وشاي ودخان سجائر‮. ‬وكلام عن الدنيا

التي لا نعرف‮ ‬غيرها‮. ‬أما ما يتخيله كل‮

واحد من المتحلقين حول نجيب محفوظ عما

وراء الدنيا،‮ ‬فيتقاسمه سرا مع طيور

تحلق فوق نهر الأبدية‮. ‬وهو،‮ ‬هو

المستمع بأذن انتقائية،‮ ‬تأخذ الكلمات وقتها في

الوصول إليه،‮ ‬لا يريد للمريدين أن

يفسروا كلامه المتقشف بأكثر مما فيه.

يعرف من المدائح ما يكفي ليجعل العبث‮

‬زهدا‮. ‬ولا يريد لأحد أن يحدق إلى

صنم أو منحوتة‮. ‬لكننا نحج إليه،‮ ‬لا

لنعرفه‮… ‬فقد امتلأنا برواياته وتقمصنا

شخوصها،‮ ‬بل لنحييه علي ما كتب،‮ ‬ولنحيي

أنفسنا جالسين بحضرة أسطورة حية خرجت

من مخطوطة فرعونية‮. ‬رأيت نساء قادمات

من أقاصي حرف الضاد يقبلن يده،‮ ‬فيخجل

ولا يعرف السبب،‮ ‬كأنه هو ولا هو

في آن واحد‮. ‬ثم يضحك ضحكة عالية،‮ ‬ويطلب

سيجارة حان وقتها ليبدد بسحابة

دخانها قداسة لا يصدقها ماكر مثله،‮ ‬

وللناس التأويل‮. ‬عاش ليكتب‮. ‬ومنذ

طعنه خنجر في الرقبة تخلي عن سرد

التفاصيل بدأب النملة،‮ ‬واختار تقطير

النحلة‮. ‬من يومها،‮ ‬ونحن نجيء إليه

مودعين،‮ ‬فالحياة انتبهت إلي نقصانها وسئم الموت

التأجيل‮… ‬دون أن نشي بذلك،‮

‬ونحن من حوله في مركب علي النيل،‮

‬يوم الثلاثاء‮! ‬لكن يوم الثلاثاء لم يعد موعدنا‮!‬