كتابة على ضوء بندقية

شولميت انتظرتْ صاحبها في مدخل البار ,

من الناحية الأخرى يمر العاشقون ,

ونجوم السينما يبتسمون .

ألف إعلان يقول :

نحن لن نخرج من خارطة الأجداد,

لن نترك شبراً واحداً للاجئين

شولميت انكسرت في ساعة الحائط’

عشرين دقيقهْ

وقفتْ, وانتظرت صاحبها

في مدخل البار’ وما جاء إليها

قال في مكتوبه أمس :

((لقد أحرزت’ يا شولا, وساماً وإجازهْ

احجزي مقعدنا السابق في البار,

أنا عطشان , يا شولا , لكأس وشفهْ

قد تنازلت عن الموت الذي يورثني المجد

لكي أحبو كطفل فوق رمل الأرصفهْ

ولكي أرقص في البار))

من الناحية الأخرى,

يمر الأصدقاء

عرفوا شولا على شاطئ عكا

قبل عامين , وكانوا

يأكلون الذرة الصفراء..

كانوا مسرعين

كعصافير المساء…

شولميت انكسرت في ساعة الحائط , خمسين دقيقهْ

وقفت , وانتظرت صاحبها

شولميت استنشقت رائحة الخروب من بدلته

كان يأتي , آخر الأسبوع كالطفل إليها

يتباهى بمدى الشوق الذي يحملهُ

قال لها : صحراء سيناء أضافت سبباً

يجعله يسقط كالعصفور في بلّور نهديها

وقالْ :

ليتني أمتد كالشمس وكالرمل على جسمك ,

نصفي قاتل والنصف مقتول ,

وزهر البرتقال

جيِّدٌ في البيت والنزهة , والعيدُ الذي أطلبه

من فخذك الشائع في لحمي… مميتٌ

في ميادين القتال !..

وأحستْ كفه تفترس الخصر ’

فصاحتْ : لستَ في الجبهة..

قالْ :

مهنتي !

قالت له : لكنني صاحبتك

قال : من يحترف القتل هناك

يقتل الحب هنا

وارتمى في حضنها اللاهث موسيقى,

وغنَّى لغيوم فوق أشجار أريحا…

يا أريحا ! أنت في الحلم وفي اليقظة حاربتُ هناك

وأنا بينهما مزَّقت توراتي

وعذبتُ المسيحا..

يا أريحا ! أوقفي شمسك إنّا قادمون

نوقف الريح على حد السكاكين,

إذا شئنا وندعوك إلى مائدة القائد ’

إنّا قادمون…

وأحسَّت يده تشرب كفَّيها . وقال

عندما كان الندى يغسل وجهين بعيدين

عن الضوء : أنا المقتولُ والقاتل

لكنَّ الجريدهْ

وطقوس الاحتفال

تقتضي أن أسجن الكذبة في الصدر ,

وفي عينيك ’ يا شولا ’ وأن أمسح رشّاشي

بمسحوق عقيدهْ!

أغمضي عينيك لن أقوي على رؤية

عشرين ضحيّهْ

فيهما, تستيقظ الآن . وقد كنتِ بعيدهْ

لم أُفكِّرْ بكِ.. لم أخجل من الصمت الذي

يولد في ظل العيون العسليّهْ

وأُصولُ الحرب لن تسمح أن أعشق

إلاّ البندقيّه !..

سألته شولميتْ :

ومتى نخرج من هذا الحصار ؟

قال , والغيمة في حنجرته :

أي أنواع الحصار ؟

فأجابتْ : في صباح الغد تمضي ,

وأنا أشرح للجيران أن الوهلة الأولى

خداع للبصرْ..

نحن لا ندفع هذا العَرق الأحمر…

هذا الدم لا ندفعه,

من أجل أن يزداد هذا الوطن الضاري.. حجر

قال : إنَّ الوقت مجنون,

ولم يلتئم الليلة جسمانا

دعيني…

أذُبِ الآن بجسم الكستنا والياسمين

أنت – يا سيدتي – فاكهتي الأولى

وناما…

وبكى في فرح الجسمين في عيدهما لون القمر

شولميت استسلمت للذكرياتْ

كل روَّاد المقاهي والملاهي شبعوا رقصاً

وفي الناحية الأخرى , تدوخ الفتيات

بين أحضان الشباب المتعبين

وعلى لائحة الإعلان يحتدُّ وزير الأمن :

لن نُرجع شبراً واحداً للاجئين..

والفدائيون مجتثون منذ الآن

لن يُخمش جنديُّ ومن مات

على تربة هذا الوطن الغالي

له الرحمة والمجد… ورايات الوطن !

شولميت اكتشفت أنَّ أغاني الحرب

لا توصل صمت القلب والنجوى إلى صاحبها

نحن في المذياع أبطال

وفي التابوت أطفال

وفي البيت صُوَرْ…

ليتهم لم يكتبوا أسماءنا

في الصفحة الأولى ’

فلن يُولدَ حيٌّ من خبر..

وعدوا موتك بالخلد , بتمثال رخام

وعدوا موتك بالمج , ولكن رجال الجنرال

سوف ينسونك في كل احتفال..

شولميت اكتشفت أن أغاني الحرب

لا توصل صمت القلب والنجوى إلى صاحبها

فجأة, عادت بها الذكرى

إلى لذَّتها الأولى, إلى دنيا غريبهْ

صدَّقت ما قال محمود لها قبل سنين

كان محمود صديقاً طيَّب القلب ,

خجولاً كان , لا يطلب منها

غير أن تفهم أنَّ اللاجئين

أُمةٌ تشعر بالبرد,

وبالشوق إلى أرض سليبهْ

وحبيباً صار فيما بعد ,

لكنَّ الشبابيك التي يفتحها

في آخر الليل … رهيبهْ

كان لا يغضبها , لكنه كان يقولْ

كلماتٍ تُوقُع المنطقَ في الفخِّ,

إذا سرت إلى آخرها

ضقتَ ذرعاً بالأساطير التي تعبدها

وتمزَّقتَ, حياء , من نواطير الحقول..

صدَّقتْ ما قال محمود لها قيل سنتين

عندما عانقها ’ في المرة الأولى , بكتْ

من لذة الحب … ومن جيرانها

كُلُّ قومياتنا قشرةُ مَوْزٍ,

فكَّرتْ يوماً على ساعدِهِ,

وأتى سيمون يحميها من الحب القديم

ومن الكفر بقوميتها

كان محمود سجيناً يومه

كانت ((الرملةُ)) فردوساً له .. كانت جحيم

كانت الرقصة تُغريها بأن تهلك في الإيقاع ,

أن تنعس , فيما بعد , في صدر رحيم

سكر الإيقاع . كانت وحدها في البار

لا يعرفها إلاّ الندم

وأتى سيمون يدعوها إلى الرقص

فلبَّتْ

كان وسيم

كان جندياً من الوحدة في البار ,

ويحميها من الحب القديم

ومن الكفر بقوميتها…

شولميت انتظرتْ صاحبها في مدخل البار القديم

شولميت انكسرت في ساعة الحائط ساعات…

وضاعت في شريط الأزمنهْ

شولميت انتظرتْ سيمون – لا بأس إذن

فليأت محمود .. أنا أنتظر الليلة عشرين سنهْ

كل أزهاركَ كانت دعوة للانتظار

ويداك الآن تلتفَّان حولي

مثل نهرين من الحنطة والشوك

وعيناك حصار

وأنا أمتد من مدخل هذا البار

حتى عَلمِ الدولة, حقلاً من شفاه دمويَّهْ :

أين سيمون ومحمود ؟

من الناحية الأخرى

زهورٌ حجريَّهْ

ويمر الحارس الليلي,

والإسفلتُ ليل آخر

يشربُ أضواء المصابيح’

ولا تلمح إلاّ بندقَّيهْ…..