مديح النبيذ

أَتأمَّل النبيذ في الكأس قبل أَن أتذوقه/

أتْركُهُ يتنفَّس الهواء الذي حُرم منه سنين.

اختنق ليحمي الخصائص. وتخمَّر في سُبَاته،

و ادَّخَر الصيفَ لي و ذاكرةَ العنب/.

أتركُهُ ينتقي لونه المُسَمَّى، خطأً، أحمر.

فهو مزيج من قُرْمُزيّ تشرَّب غيمة خفيفة

السواد. لون لا لون له إلا اسمه:

نبيذيّ، لنرتاح من مراوغة الوصف./

و أترُكُهُ يحترم رائحته، الرائحةَ المتكبرة

المتعالية كالمُحْصَنَات من النساء. إن شئتَ

أن تَشُمَّها فلا تأتي هي إليك. عليك أنت

أن تتأكَّد من طهارة يدك و خلوِّها من

العطر، ثم تمدَّها بلينٍ عاطفيّ إلى الكأس

كأنها تقترب من نَهْد. تقرِّبُ الكأس

من أَنفك بأناة نحلة، فتبعثرك رائحةٌ

عميقة سريّة: رائحةُ اللون التي تُدْخِلُكَ

إلى أَدْيِرَةٍ قديمة./و أَتركه يستجمع

خواطر مذاقه إلى أن نكون، أنا و هو،

جاهِزَيْن عطشاً لاستقبالِ وَحْيٍ بالفم.

لا أَتعجَّل و لا أَتمهل، فكلاهما كسر في

إيقاع المتعة. أُقرِّبُ الكأس من شفتيّ

بخفر المتسوِّل قبلةً أولى من امرأةٍ

غامضة العواطف. أرتشف جرعة خفيفة.

و أَنظر إلى أَعلى بعينين نصف مغمضتين

إلى أن يسري سُلافُ نشوةٍ في شراييني.

و تنفتح شهيَّتي على ما يليق بالنبيذ من

حاشِيةٍ ملكية. هو النبيذ يرفعني إلى مرتبة

أعلى، لا هي سماوية، و لا هي أرضية.

و يقنعني بأنَّ في وسعي أن أكون شاعراً،

و لو لمرة واحدة!