موت آخر وأحبك

1

أجدّدُ يوماً مضى، لأحبّكِ يوماً.. و أمضي

و ما كان حباً

لأن ذراعيّ أقصر من جبل لا أراهْ

و أكمل هذا العناق البدائيّ، أصعد هذا الإلهَ

الصغير…

و ما كان يوماً

لأن فَراش الحقول البعيدة ساعةُ حائطْ

و أكمل هذا الرحيل البدائيّ. أصعد هذا الإلهَ

الصغير

و ما كنتِ سيدة الأرض يوماً

لأن الحروب تلامس خصرك سرب حمامْ

و تنتشرين على موتنا أُفقا من سلامْ

يسد طريقي إلى شفتيك، فأصعد هذا الإلهَ

الصغير

و ما كنتُ ألعب في الرمل لهواً

لأن الرذاذ يكسِّرني حين تعلن عيناكِ

أن الدروب إلى شهداء المدينة مقفرةٌ من يديكِ

فأصعد هذا الإله الصغير

و ما كان حباً

و ما كان يوماً

و ما كنتُ

و ما كنتِ

إني أجدد يوماً مضى

لأحبك يوماً

و أمضي…..

2

سألتُكِ أن تريديني خريفاً و نهراً

سألتك أن تعبري النهر وحدي

و تنتشري في الحقول معاً

سألتك ألا أكون و ألا تكوني

سألتك أن ترتديني

خريفاً

لأذبل فيك، و ننمو معاً

سألتك ألا أكون و ألا تكوني

سألتك أن تريديني

نهراً

لأفقد ذاكرتي في الخريف

و نمشي معاً

و في كل شيء نكون

يوحدّنا ما يُشتّتنا

ليس هذا هو الحبُّ

في كل شيء نكون

يجددنا ما يفتّتنا

ليس هذا هو الحبُّ_

هذا أنا..

أجيئك منك، فكيف أحبك؟

كيف تكونين دهشة عمري؟

و أعرف:

أن النساء تخون جميع المحبين إلا المرايا

و أعرف:

أن التراب يخون جميع المحبين إلاّ البقايا

أجيئك منك انتظاراً

و أغرق فيك انتحاراً

أجيئك منك انفجاراً

و أسقط فيك شظايا ..

و كيف أقول أحبك ؟

كيف تحاول خمس حواسّ مقابلة المعجزهْ

و عيناك معجزتان ؟

تكونين نائمة حين يخطفني الموجُ

عند نهاية صدرك يبتدئ البحرُ

ينقسم الكون هذا المساء إلى اثنين:

أنتِ و مركبة الأرض.

من أين أجمع صوت الجهات لأصرخ:

إني أحبك

3

تكونين حريتي بعد موت جديد

أحبّ

أجدِّد موتي

أودِّع هذا الزمان و أصعد

عيناك نافذتان على حلم لا يجيء

و في كل حلم أرمِّم حلماً و أحلمُ

قالت مريّا: سأهديك غرفة نومي

فقلتُ: سأهديكِ زنزانتي يا مريّا

_لماذا أحبكَ؟

من أجل طفل يؤجل هجرتنا يا مريّا

_سأهديكَ خاتم عرسي

سأهديكِ قيدي و أمسي

_لماذا تحاربُ؟

من أجل يوم بلا أنبياء

تكونين جندية، تغلقين طريقي، تقولين: ما اسمك؟

أعلن أني أمشط موج البحار بأغنيتي ودمي

كي تكوني مريّا

_إلى أين تذهب؟

أذهب في أول السطر، لا شيء يكتمل الآن

_هل يلعب الشهداء بأضلاعهم كي تعود مريّا؟

تعود. و هم لا يعودون

_هل كنتَ فيهم

وعدت لأني نصف شهيد

لأني رأيت مريّا

_سأهديكَ غرفة نومي

سأهديكِ زنزانتي يا مريّا .

4

غربيان

إن القبائل تحت ثيابي تهاجرُ

و الطفل يملأ ثنية ركبتكِ

الآن أعلن أن ثيابك ليست كفن

غريبان

إن الجبال الجبال الجبال..

غريبان

ما بين يومين يولد يوم جديد لنا

وماذا نسميه

قلنا: وطن

غريبان

إن الرمال الرمال الرمال…

غريبان

و الأرض تعلن زينتها

_أنت زينُتها_

و السماء تهاجر تحت يدين

غريبان

إن الشمال الشمال الشمال

غريبان

شعرك سقفي، و كفاك صوتان

أقبّل صوتاً

و أسمع صوتاً

و حبك سيفي

و عيناك نهران

و الآن أشهد أن حضورك موت

و أن غيابك موتان

و الآن أمشي على خنجر و أغني

فقد عرف الموت أني

أحبك، أني

أجدد يوماً مضى

لأحبك يوماً

و أمضي..

5

سمعتُ دمي، فاستمعتُ إليكِ

و لم تَصلي بعدُ

كان البنفسج لون الرحيل

و كنت أميل مع الشمس _

يا أيّها الممكن المستحيل

و كانت ظلال النخيل تغطي خطانا التي تتكونُ

منذ الصباح و أمسِ .

و كنا نميل مع الشمس .

كنتُ القتيل الذي لا يعود

نسيتُ الجنازة خلف حدود يديكِ

سمعت دمي فاستمعت إليك ..

إلى أينَ أذهب ؟

ليست مفاتيح بيتي معي

ليس بيتي أمامي

و ليس الوراء ورائي

و ليس الأمام أمامي

إلى أين أذهب ؟

إن دمائي تطاردني ،و الحروب تحاربني، و الجهات

تفتشني عن جهاتي

فأذهب في جهة لا تكون

كأنّ يديك على جبهتي لحظتانِ

أدور أدور

و لا تذهبان

أسيرُ أسيرُ

و لا تأتيانِ

كأن يديك أبد

آه، من زمن في جسد !

يعرف الموت أني أحبُّك

يعرف وقتي

فيحمل صوتي

و يأتيك مثل سعاة البريد

و مثل جباه الضرائبِ

يفتح نافذة لا تطل على شجرٍ

(قد ذهبتُ و لم أعرف ).

يعرف الموت أني أحبك..

يستجوب القبلة النصفَ..

تستقبلين اعترافي..

و تبكين زنبقةً ذبلت في الرسالةِ

ثم تنامين وحدكِ وحدكِ وحدكِ

يشهق موت بعيد

و يبقى بعيد

إلى أين أذهب؟

إنَّ الجداول باقية في عروقي

و إن السنابل تنضج تحت ثيابي

و إنّ المنازل مهجورة في تجاعيد كفي

و إن السلاسل تلتفُّ حول دمي

و ليس الأمام أمامي

و ليس الوراء ورائي

كأن يديك المكان الوحيد

كأن يديك بلد

آه من وطن في جسد!

6

وصلتُ إلى الوقت مبتعدا

لم يكون بلدا

كي أقول وصلتُ

و ما كان_ حين وصلتُ_ سدى

كي أقول تعبتُ

و ما كان وقتاً لأمضي إليه ..

وصلت إلى الوقت مبتعدا

لم أجد أحدا

غير صورتها في إطار من الماءِ

مثل جبيني الذي ضاع بيني

و بين رؤايَ سدى!

سمعتُ دمي

فاستمعتُ إليك

مشيتُ

لأمشي إليك

و كانت عصافيرُ ملء الهواء

تسير ورائي

و تأكلني _كنتُ سنبلةً _

كنت أحمل ضلعاً و أسأل أين بقيتُهُ

آخرُ الشهداء

يحاول ثانيةً

كيف أحمل نهراً بقبضة كفي

و أحمل سيفي

و لا يسقطان

أنا آخر الشهداء

أسجل أنك قدسيةٌ في الزمان وضائعة

في المكان

أريد بقية ضلعي

أريد بقية ضلعي

أريد بقية ضلعي