الريف

عشقوا الجمالَ الزائف المجلوبا

وعشقت فيكَ جمالكَ الموهوبا

قدستُ فيك من الطبيعة سرَّها

أنعمْ بشمسك مشرقًا وغروبا!

ولقد ذكرتك فادَّكَرْتُ طفولتي

وتمائمي، طوبى لمهدك طوبى!

زعموك مرعىً للسَّوام، وليتهم

زعموك مرعى للعقول خصيبًا!

فهي القرائحُ أنتَ مصدر وحيها

كم بت تلهم شاعرًا وخطيبا

حيَّيتُ فيك الثابتين عقائدًا

والطاهرين سرائرًا وقلوبا

والذاهبات إلى الحقول حواسرًا

يمشي العفاف ورائهن رقيبا

سلبت عذراك الزهورَ جمالها

فبكت تريد جمالها المسلوبا

كست الطبيعةُ وجْهَ أرضك سندسًا

وحبت نسيمك إذ تضوَّع طيبا

بُسُطٌ تظللها الغصون، فأينما

يممت، خلت سرادقًا منصوبا

مالت على الماء الغصون كما انحنت

أمٍّ تقبل طفلها المحبوبا

وبدا النخيل: غصونهُ فيروزجٌ

يحملن من صافي العقيق حبوبا

أرأيت عملاقًا عليه مِظَلَّةٌ

أو ماردًا ملء العيون مهيبا؟

يا رُبَّ ساقيةٍ لغير صبابة

أنَّت وأجرَت دمعها مسكوبا

وحمامة سمع الفؤاد هتافها

فسمعته بين الضلوع مجيبا

والغيد تغمس في الغدير جرارَها

فيظلُّ يضحك ملء فيه طروبا

سِربَان من بط وبيضٍ خرَّدٍ

يتباريان سباحة ووثوبا

وترى الجداول في الأصيل، كأنها

من فضة فيها النضار أذيبا

يا بدر، أنت ابنت القرى، وأراك في

ليل الحواضر إن طلعت غريبا

نشر السكونُ على القرى أعلامَه

فتكاد تسمع للفؤاد وجيبا

بدت الحياة هناك في ريعانها

ولوَ أنها سارت تدب دبيبا

ولقد ينام القوم ملء العين في

زمن يُقضُّ مضاجعًا وجنوبا

وهي السعادة، كم أوت كوخًا، وكم

هجرت أشمَّ من القصور رحيبا

قالوا: الحضارة، قلت: أسفر وجهها

وبدت محاسنها، فكنَّ عيوبا

ما ضرَّ أهل الريف ألا يحفلوا

بالطب، أو لا يعرفوا«الميكروبا»؟

ضمنت سلامتهم سهولةُ عيشهم

وصفا هواؤهمو، فكان طبيبا

رضعوا رحيق السائمات، وما دروْا

غير النمير وغيره مشروبا

وسرى شعاع الشمس في أبدانهم

فجرى بأوجههم دَمًا مَشْبُوبا؟

شمس القرى كست الوجوه نضارة

أرأيت وجهًا في القرى مخضوبا؟

سر في الحقول، ترَ الرياضة عندهم

فنَّا، وخطًا عندنا مكتوبا

أكبرتُ في القَرَوِيِّ حدة عزمهِ

وحسبتُه في صبره «أيوبا»

ورأيت طيبَ النفس فيه سجيةً

ووداده سهل المنال قريبا

فيه ترى الخلق الصريح، ولا ترى

ضحك النواجذ بالخديعة شيبا

أنا لا أقول: تشينه أمِّية

كن خيِّرًا، ولا كاتِبًا وحسيبا

كم ضلَّ من أهل الحواضر قارئٌ

فاغتال أعراضًا وشقَّ جيوبا

في الريف فتيان تسيل جباهم

عرقًا فيصبح لُؤْلُؤًا مثقوبا

لا فتية مُرْدٌ بأيد بضَّة

في كل يوم يلبسون قشيبا

بذلوا لمصرٍ فوق ما في وسعهم

ورضُوا بما دون الكفاف نصيبا