قصة البعث

شأيُّ نجم في سماءِ العَرَبِ

صار في الأُفْق حديثَ الشُّهُبِ؟

أَيُّها التَّاريخُ، بالنُّورِ اكُتبِ

قصَّةَ البعث لشَعْبٍ ونَبِي

وُلِدَ المختارُ وضَّاءَ الجبينْ

يا لَهُ فجرًا جديدًا ظَهَرَا

رَوَتِ التَّوْراةُ عنهُ خَبَرَا!

سائل الإنجيل: ماذا سَطَّرَا

عن نبيّ عربيِّ النَّسَبِ

يَغُمُرُ الأرضَ سناهُ بعد حينْ؟

وَلَدَتْه مَولِدَ العافي الفقيرْ

حرَّةٌ تبكي على فَقْد العَشيرْ

فتولَّتْهُ يَدُ المولى القديرْ

واحتَفَى الرُّسْلُ به في موكِبِ

بين حُور قاصراتِ الطَّرْفِ عينْ

قُلِّدَتْهُ الأرضُ كالدُّرِّ الكريمْ

وكريمُ الدُّرِّ أغلاهُ اليتيمْ

يا لَطفلٍ فَقَدَ القلبَ الرحيمْ

ما احتواهُ في الصِّبا صدرُ أبِ

هزَّ في المهدِ عروشَ المالكينْ!

ناشئٌ لم يَقْضِ في اللَّهْو صباهْ

عَزفَ اللهَ؛ ولم يعرْف سواهْ

ما انحنى للاّت يومًا، أو مناهْ

دانت الحكمةُ طرًّا لصبي

من «قريش» لقَّبوهُ بالأمينْ

هل رأت «مكَّةُ» في يوم الحجَرْ

وعيونُ القَوم تَرمي بالشَّرَرْ

كيف ثارَتْ فتنةٌ بين الأُسَرْ

ثم سادَ الحِلمُ بعد الغَضَبِ

حين مَدَّ الثوب «طه»باليمينْ؟

أيُّها الناسكُ في غار حِراءْ

أرْهفِ السمعَ رويْدًا للنداءْ

هاتفٌ من عندِ ربِّ العرش جاءْ

يَالَصَوْتٍ من وراءِ السُّحُب

هَتَفَ: «اقرأ» باسم ربِّ العالمينْ!

حدِّث الفانينَ عن دارِ البقاءِ

وانشُر العطْفَ، وبشِّرْ بالإِخاءِ

واتلُ فوقَ الأرض آياتِ السَّماءِ

من كتابٍ ليس مثلَ الكُتُبِ

فيه نورٌ وهدًى للمتَّقينْ

ويْحَ أهل الشِّركِ عُبَّادِ الصَّنَمْ

إنْ دُعُوا للحقِّ، لاذوا بالصَّمَمْ

ساوَمُوا المختار في الله؛ فلَمْ

يَرْضَ بالجاهِ، ولا بالنَّشَبِ

إِنما الزُّهْدُ شِعارُ المصلحينْ

رُبَّ عبدٍ في سبيل الله قَدْ

فَقَدَ المالَ، وضحَّى بالولَدْ

كلما سِيمَ الأذى، قال: «أحدْ»

صَهَرُوا جُثْمانَهُ في اللَّهَبِ

فَوَقى جُثمانَهُ بَرْدُ اليقينْ!

خابَ جمعٌ بالرسول ائْتَمَرا

ولِمَنْ أَرْسَلَهُ عينٌ تَرَى

نَثَرَ التُّرْبَ عليهم، وانبرَى

فإذا أبصارُهم في حُجُبِ

ما الذي أعْشَى عُيون المشركين؟

سائلِ «الصِّدِّيقَ»: ماذا روَّعَهْ

وإلهُ العرش في الغار مَعَهْ؟

فضْلُهُ سبحانه ما أوسَعَهْ!

حلَّ ركبُ المصطفى في«يثربِ»

فتلقَّوْهُ لقاءَ الفاتحينْ

لحْ علْينَا من ثَنِيَّاتِ الوَدَاعْ

وادعُنَا للحقِّ، يا أكرمَ داعْ

أيها المبعوثُ بالأمر المطاعْ

ثِبْ بنا فوقَ الرواسي؛ نَثِبِ

وخضِ البحرَ، نخضْهُ أجمعينْ

هتَف «الخزرجُ والأوسُ» معَا

وعلى حبِّ الرسول اجتَمَعَا

ما لهم صفًّا وكانوا شِيَعا؟

أَذْهَبَ الإسلامُ ما لم يُذْهِبِ

قِدَمُ العهد من الحقد الدفينْ

والتَقَى الجمعان في بدرٍ، فما

ثبَّتَ اللهُ لباغٍ قَدَمَا

أَرأَيتَ الشِّرْكَ كيف انهَزَمَا؟

مَنْ بسيفِ اللهِ يَضربْ، يَغلبِ

ولمن ينصرُهُ النصرُ المبينْ

حدثي، عن «بدر»، عن صِيدٍ كُماةِ

طلبوا الموتَ؛ ففازوا بالحياةِ

لم تزَلْ سيرتُهم بعد المماتِ

قَصَصَ الدهر، ونجوى الحِقَبِ

ولها في مِسمَعِ الدنيا رنينْ

قَلَّم الإسلام أظفارَ الطغاةْ

فابتَنَى للعُرْب جاهًا أيَّ جاهْ

ومضى ببعثُ في الأرض الحياةْ

فأَظلَّ الأرضَ عصرٌ ذَهَبِي

سائل «المأمونَ» عنه، و«الأمينْ»

مَنْ رَأَى شعبًا شتيتًا من رُعاةْ

أصبحَتْ تَحنِي له الدنيا الجِباهْ

أَمَّ في المشرق«كسرى» فغزاهْ

وتحدَّى «قيصرًا» في المغربِ

ناشرًا أَعلامه فوق السفينْ

بَدَويٌّ علَّمَ الدنيا الحضارَةْ

تَخِذَ الإنصاف والشُّورى شِعارَهْ

فإذا الدنيا، ابتسامٌ، ونضارةْ

يَتَسَاوى أَهلُها في الحَسَبِ

لِمَ لاَ، والكلُّ من ماءٍ وطين؟

في سبيل اللهِ أسلافٌ كرامْ

عَرَفُوا صَرْحَ العلا كيف يُقَامْ

شَيَّدوا المجدَ بأَشلاءٍ وهامْ

وطَلَوْهُ بالدَّم الحرِّ الأبِي

لا ينَالُ المجدَ بالروح ضنينْ

يا بني العُربْ وأَشبالَ الأُلَى

فَسَّروا معنى التآخي للمَلا

اِجعلوا سيرةَ «طه»مَثلاَ

تَزْحَمُوا نجمَ السّمَا بالمنكِبِ

إنَّنَا شعبٌ له التوحيدُ دينْ

نحنُ بالحبِّ وبالخير نَدِينْ

لا نُثيرُ الرُّعبَ بين الآمنينْ

أرضُنَا الفيحَاءُ روضٌ وعرينْ

مَذْهَبٌ أَكْرِمْ به من مَذْهَبِ

سَنَّةُ طَهَ إمامُ المُرْسَلينْ!