شعلة الذات

قُلْ لِمَنْ مَدَّ يَدَيْهِ فِيْ الهَجِيْرْ

سَائِلاً قَطْرَةَ مَاءٍ مِنْ غَدِيْرْ

سائلاً رشفة ظلٍّ من عبيرْ

مدَّهُ اللهُ على الروض النضيرْ

لست حيًّا إن تسولت رباهْ

ومددت الكف تستجدي الحياهْ

كن هجيًا ترهب النار لظاهْ

لا نسيمًا يفزع الوهمَ شذاهْ

واقتحمْ بالذّات أهوال السعيرْ

تنسخ النار ربيعً في ضحاهْ

جدولٌ يضحك بالماء النميرْ

قل لمن كبّل أشواق الحياهْ

باحثًا عن سرِّها قبل خطاهْ

واقفًا شلّت على السر يداهْ

سائلا أين من الغيبِ مداهْ

لست حيًّا إن تهيَّبت القدرْ

وطلبت السرَّ من قبل السفرْ

كُنْ طريقًا من رحيقٍ وشررْ

لا وقوفًا يتلّهى بالصورْ

وامضِ بالذات إلى مالا تراهْ

تبصرُ السرَّ تجلّى وظهرْ

وعلى صدرك قد ألقى عصاهْ

قلْ لمن أصغى لنوح البلبلِ

عاشقًا يبكي ضياعَ الأملِ

ذائبًا في يأسهِ المشتعلِ

قاطفًا زهرَ خريفٍ ممحلِ

لستَ حيًّا إن تلمست البكاءْ

قدحًا يسقيك أوهام الرجاءْ

كن غناءً مضرِمًا وجدَ السماءْ

لا صدى نوحٍ لقيثارِ الفناءْ

واسكبِ الذات بنايٍ مشعلِ

تبصر الكون طيورًا من ضياءْ

ساجعاتٍ فوق شطِّ الجدولِ

قل لمن أحنى لغير الله رأسهْ

ولمن صبَّ لغير الله كأسهْ

خائفًا يشرب من كفّيهِ نفسهْ

ومن اللذةِ لا يدرك حسَّهْ

لستَ حيًّا إن توهمت الوجودا

سادةً هشّوا على الأرض عبيدا

اسأل الذات تجد فيها السجودا

لسوى الله رياحا وحصيدا

واسأل الله لمن أطلع شمسهْ

لسوى الأحرار لم تشعل وقودا

لصباح الشرق أو تسقي أمسهْ

هكذا جلجل مزمارٌ رخيمْ

في زبورٍ خالد الشدو يتيمْ

مد جبريل جناحا في السديمْ

ودعا الأفلاك تصغي والنجومْ

لصداهُ الحر في قيد الترابْ

وهو ينقضّ عليهِ كالشهابِ

ويرى سجدته بين الخرابْ

في ربى أندلسٍ تسقي القبابْ

من رحيقٍ لم تزل منه الكرومْ

تعصر السحر وتشدو للإيابْ

وينادي مجدها ضرب الكليمْ

نخلة الداخل عادت بجناها

بعد أن أرعش بالناي ثراها

وبدمع الروح غنى وسقاها

فربت ظلاًّ وتمرا وشفاها

تسمع التاريخ خلف الحجبِ

يتغنى بحداةِ الشهبِ

يوم كان الغرب دنيا غيهبِ

وأتى المصباحُ في كفِّ نبي

يوقظ الأيام من عاتي كراها

بضياءٍ شعَّ بين العربِ

وكتابٍ خطَّ للأرض هداها

وثرى قرطبة حنَّ إليهِ

فإذاهُ سجدةٌ بين يديهِ

وإذا المحرابُ إصغاءٌ عليهِ

شعَّ ترنيمُ الهوى من شفتيهِ

وهو قيثارٌ من الشرق يغنّي

ويعيد المجد لحنًا بعد لحنِ

طارقٌ في بأسهِ خلف المجنِّ

وابن عبّادٍ وما لاقى بسجنِ

وأسى الحمراء ينهال لديهِ

بمراثٍ لم تذقها أي أذنِ

سكبتها لوعةٌ من جانبيهِ

طائر الإسلامِ رجّع نغما

كنت فيه لليالي حلما

أشعل النايَ التي هزَّ السما

وسقى الأعماق شدوًا مُلهما

ومن الخلد تلفّت ها هنا

تجد الأغلال تهوي حولنا

قد حصدنا الرق من آفاقنا

وصهرنا القيد من أعناقنا

ودعونا الله في إشراقنا

أن يردَّ الشرق حرًّا مثلما

كانَ من قبل إلى أعتى المُنى

يعصر النورَ ويسقي الظُّلَما