خطب له الدين أرنى لحظ مذعور

خَطبٌ له الدّينُ أرنى لحظَ مذعورِ

وَالناسُ ما بينَ مَبهوتٍ ومبهورِ

أَصمّ أقذى أجرّ اللسنَ فتّ بأع

ضاءِ البريّةِ أشجى كلّ حنجورِ

بذّ القُوى وَالنهى فُجأً بِغاشيةٍ

فَلا تأسٍّ ولا صبر بمقدورِ

تَرى وجوهَ وجومٍ لا حراكَ بهم

كأنّما صُعِقوا مِن نفخةِ الصورِ

أَفدِح بهِ مِن قضاءٍ لا مردّ له

مقدّرٍ في كتابِ اللّه مسطورِ

أَذكى على كلّ قلبٍ لوعةً وَحَشا

في كلِّ سامِعةٍ زلزالَ ناقورِ

خِضمُّ علمٍ غَدا غوراً فَفاضَ بهِ

خضمُّ دَمع بنارِ الحزن مسجورِ

وَشمسُ هديٍ توارَت وهيَ مُضحيةٌ

فَاِلتفَّ ديجورُ إفزاعٍ بديجورِ

تَصامَمتهُ وعاةٌ ثمّ لجّ به

تبّاعُ نعيِ نعاةٍ ذي زماجيرِ

وَيحَ العلومِ خبَت شُهبانها وغدا

يبيخ مِنها العُرى نسج الأعاصيرِ

ما أَنصَفَتنا الليالي في تمرّسها

بِكلّ عضبٍ مقيمِ الميلِ شمّيرِ

لَقَد تقصّت مقالاتٍ وَما كَذَبت

إن أنشَبت ظفراً في خيرِ مظفورِ

في فاجعِ الفقدِ مرهوبٌ ومنتجعٌ

مغيّبُ الحينِ معروفٌ بمنكورِ

قُل لِلمَنايا أَبعدَ الآن معتقبٌ

لا رزء مِن بعدِ رزءٍ باِبن عاشورِ

أَردى فَتى الدين وَالدنيا الّذي سَبَرا

مِنهُ بِأبعدِ شأوٍ خير مظفورِ

فَأَصبحَ اليوم قد رقّت جوانبهُ

كَآبةً وتغشّى ثوبَ مذعورِ

وَأَمستِ الشهبُ في الخضراءِ حائرةً

لا تَعتدي وجهَ تشويفٍ وتغويرِ

يا دهرُ وَيلك أَصميتَ الكرامَ به

فَهُم كعقدٍ هَوَت وسطاهُ منثورِ

ناشدتكَ اللّه هَل تَدري بتونسَ من

جيبٍ عَلى مثل فضلٍ فيه مزرورِ

ردّد شمائلهُ إِن كنتَ مُمترئاً

وَاِنظر أَيَحظى فتى منها بقمطيرِ

كَم صائلٍ يَستخفّ الشرع صيّرهُ

مُفلّلَ النابِ مقلومَ الأظافيرِ

وَخاملٍ قَد عَطا مِن حبلهِ سبباً

سَما بلحظٍ من الإقبالِ مشهورِ

وَمُستمدّ فيوضٍ مِن عوارفهِ

أَمدّه بعطاءٍ غير معبورِ

يُجيب سائلهُ عرفاً ومعرفةً

بِما يفيدُ الغنا مِن غير تكديرِ

مُستنزراً كثرةً للمنتمينَ له

مُستكثراً مِنهم متّاً بمنزورِ

وَنسخةٌ مِن كمالٍ لَم تَكن نظَرت

عَين الزمانِ له منذ الدهاريرِ

يا حَسرَتا هضبةٌ لِلعلمِ غيّبها

قَبرٌ وَطودُ وقارٍ ذو شماخيرِ

أَستغفرُ اللّه لَم يقبر سوى جسدٍ

كانَ الكمالُ بِه بَدراً بساهورِ

شَريعةُ كلّ مَن في الأرضِ واردُها

وَغايَة ما فتىً عَنها بمقصورِ

قَد كانَ خافضَ عيشٍ في ذرى

مَرفوعةٍ نَصبَ ذيلٍ منه مجرورِ

سَهلُ الخلائقِ فَضفاضُ الردا حولٌ

بِالأمرِ عيٌّ بِجمهورٍفجمهورِ

وَما تزيّل إلّا وهو في شرفٍ

مُستشرفٍ لعيونِ الفضل منظورِ

تُشيّعهُ أممٌ تهمي عوارفهُ

مِنهم ذوارفُ موقوذٍ وموتورِ

كلٌّ يقولُ وَأنفاسٌ مصعّدةٌ

في جارهِ وَدموعٌ ذات تحديرُ

تغمّدَ اللّه بِالرضوانِ مضجعَ ذي

علمٍ أماليه إملاءُ الطواميرِ

تغمّد اللّه بالرضوانِ مضجع ذي

فصاحةٍ لقفت إفكَ التساحيرِ

تغمّد اللّه بالرضوانِ مضجع ذي

حلمٍ يلقّن إلقاءَ المعاذيرِ

تغمّد اللّه بالرضوان مضجع ذي

بشرٍ يترجمُ عَن حسن المخابيرِ

يا طاهرَ القلبِ مِن غلٍّ ومن حسدٍ

ومكرم النفسِ عن ثوبٍ من الزورِ

وَعاليَ الهمِّ عَن تيهٍ وعن بطرٍ

وَعَن تكلّفِ خلقٍ غير مفطورِ

وَصادقَ الذبّ ممقورَ الحَفيظة مع

سولَ الفكاهةِ بادي البشرِ والخيرِ

وَدارياً بِسياساتِ الزمانِ وما

يَملأُ المحاضرَ مِن علمٍ وتذكيرِ

وَذا البيانِ الّذي يُفضي البنانُ به

مِن مقولٍ جهوريّ اللفظِ مجهورِ

واهاً لعهدكَ ما أوهى تصرّمه

تصرُّمَ الحلمِ عن روعٍ لمسرورِ

لَهفاً عَلى معضلاتٍ لا أبا حسنٍ

لَها سواكَ بحلٍّ للصحاريرِ

لَهفاً على مجلسِ الشرعِ الرفيع وقد

أَضحى مكانكَ منه غير معمورِ

لَهفاً فَلا عبقريٌّ حينَ تبصرهُ

يَفري برأيكَ في أمرٍ ومأمورِ

أَعزز عَلينا بأن تُدعى مبهّمةٌ

وَعضبُ رأيك فيها غيرُ مشهورِ

أَعزِز علينا بِأن تَجلو الدجى سرجٌ

وَما لصبحِ حجاكَ من تباشيرِ

أَعزِز عَلينا بأن يَقوى ذُراك فلا

كفٌّ لعادٍ ولا إِعداد مفقورِ

إِن تخلُ منكَ مقاماتٌ فَقد أرِجت

أَرجاؤُها بثناءٍ فيك معطورِ

أَبان فضلكَ فينا فقدهُ وكذا

كَ النفسُ زاهدةٌ في كلّ ميسورِ

لَم يقض حقّك مَن في أصغريه يرى

مَأوىً بِذكرك يوماً غير معمورِ

يا نائماً لا يُجيب اليوم داعيهُ

أَسهرتَ مَن لم يذُق طعماً لساهورِ

ما أَنصَفتك نفوسٌ لم تَفض لهفاً

وَأعينٌ غيّضت مِن بعد تفجيرِ

لَم يَتركنّا الأسى إن كان متّركاً

نعياً ولكن لِتجديدِ المحاذيرِ

مَهما عدا أعدلُ الصنوينِ تبعثهُ

فَلا تَخل أنّ صِنواً غير مهصورِ

اللّه يَعلمُ أنّ الخطبَ جرّعنا

خَطباً لكأسٍ بصابِ اليأس منقورِ

اللّه يَعلمُ أنّ البعدَ أَوحشنا

فَلا نَرى بعدُ شيئاً غير منفورِ

اللّه يعلمُ أنّ الفقدَ أزعجنا

فَلا قرارٌ وَلا أمنٌ بمحذورِ

اللّه يَعلم أن قَد راعَنا نبأٌ

نُبيؤهُ كلّ سمعٍ منه موقورِ

أسىً إِذا حاوَلَت فيهِ القلوب أسى

شبّت عَليها التعازي لَفح تنّورِ

تُسلى وَيأتي على ذكراكَ أزمنةٌ

إن كانَ ما عنكَ يُسلي غير محظورِ

لا يبعدُ النأيَ مَن لم يقلُ صحبتهُ

طول التعاشرِ في يسرٍ ومعسورِ

وَكيفَ يُقلى اِمرؤٌ كانت سياسته

تَستنزلُ العصمَ من نيقٍ لتيهورِ

كانَت صدورُ النوادي منهُ حاليةً

وَمقولُ الشرعِ طلقاً غير مقصورِ

وَاليومَ لا خُطّةٌ عن حطّةٍ سلِمت

وَلا حشاشةُ صدرٍ غير مصدورِ

إنّ الّذي كانَ يندى في جَوانحنا

مِن بردِ ذِكرك أضحى فيح تسعيرِ

سَيعرفُ الناسُ منكَ اليومَ ما نكروا

وَيأبَهونَ لِسعيٍ منكَ مشكورُ

وَيَذكرونكَ في بدءٍ وعاقبةٍ

مِن مستفزّينَ مرجوٍّ ومحذورِ

مَن كانَ رزؤك أجراً في صحيفتهِ

فَقَد حَوى الفوزَ أخذاً بالحذافيرِ

فَلَيسَ يعدمُ منكَ النفع ذو مقةٍ

حيّاً وَميتاً لِمنقودٍ ومذخورِ

إِن أَقصَدتك المنايا فهيَ مرصدةٌ

لكلّ مدّرعٍ بِالفضل مذكورِ

وَإِن عَدتك عنِ الدنيا مُعاجلةً

فَلَم تكن لكريمٍ دار تعميرِ

إنّ المَنايا لأهلِ الفضلِ تكرمةٌ

تَربو بِهم عن قراراتِ التكاديرِ

سَمت بك الروحُ لمّا طُهّرت وَزَكت

عَن مركزٍ لمحيطٍ غير محصورِ

وَأَوفَدتك إلى دارٍ تكون بها

مَعَ الأحبّة مبرورٍ فمبرورِ

دارٌ بِها جدّك الأسمى وشيعتهُ

صلّى عَليه الّذي أنشاه من نورِ

فَاِهنَأ إذاً بِلقا الربّ الكريم وبال

جدّ الشفيعِ وجرّر ذيل بختيرِ

وَأَعظمَ اللّه أجرَ العالمين فَقد

دَهاهمُ فيك رزءٌ غير محسورِ

طَووا بِلحدكَ نشرَ المكرُمات كما

يُطوى السجلُّ ليومِ النفخِ في الصورِ

واروا علوماً يُنادي مَن يؤرّخُها

وَدائع العلمِ في قبرِ اِبن عاشورِ

وَغرّةً جلّلت نوراً مؤرّخةً

ألا عَلى الطاهرِ المفتي حلى النورِ