أترى الحمام ينوح من طرب معي

أَتُرَى الْحَمَامَ يَنُوحُ مِنْ طَرَبٍ مَعِي

وَنَدَى الْغَمَامَةِ يَسْتَهِلُّ لِمَدْمَعِي

مَا لِلنَّسِيمِ بَلِيلَةً أَذْيَالُهُ

أَتُرَاهُ مَرَّ عَلَى جَدَاوِلِ أَدْمُعِي

بَلْ مَا لِهَذا الْبَرْقِ مُلْتَهِبَ الحَشَا

أَسَمَتْ إِلَيْهِ شَرَارةٌ مِنْ أَضْلُعِي

لَمْ أَدْرِ هَلْ شَعَرَ الزَّمَانُ بِلَوْعَتِي

فَرَثَى لَهَا أَمْ هَاجَتِ الدُّنْيَا مَعِي

فَالْغَيْثُ يَهْمِي رِقَّةً لِصَبَابَتِي

وَالطَّيْرُ تَبْكِي رَحْمَةً لِتَوَجُّعِي

خَطَرَاتُ شَوْقٍ أَلْهَبَتْ بِجَوَانِحِي

نَاراً يَدِبُّ أَزِيزُهَا فِي مسْمَعِي

وَجَوىً كَأَطْرَافِ الأَسِنَّةِ لَمْ يَدَعْ

لِلصَّبْرِ بَيْنَ مَقِيلِهِ مِنْ مَفْزَعِ

يَا أَهْلَ ذَا النَّادِي أَلَيْسَ بِكُمْ فَتَىً

يَرْثِي لِوَيلاتِ الْمَشُوقِ الْمُولَعِ

أَبْكِي فَيَرْحَمُنِي الْجَمَادُ وَلا أَرَى

خِلاً يَرِقُّ إِلَى شَكَاتِي أَوْ يَعِي

فَإِذَا دَعَوْتُ بِصَاحِبٍ لَمْ يَلْتَفِتْ

وَإِذَا لَجَأْتُ إِلَى أَخٍ لَمْ يَنْفَعِ

وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنَّنِي أَشْكُو الْهَوَى

وَالذَّنْبُ لِي فِي كُلِّ مَا أَنَا مُدَّعِي

قَدْ طَالَمَا يَا قَلْبُ قُلْتُ لَكَ احْتَرِسْ

أَرَأَيْتَ كَيْفَ يَخِيبُ مَنْ لَمْ يَسْمَعِ

أَوْقَعْتَ نَفْسَكَ فِي حَبَائِلِ خُدْعَةٍ

لا تُسْتَقَالُ فَخُذ لِنَفْسِكَ أَوْ دَعِ

يَا ظَبْيَةَ الْمِقْيَاسِ هَذَا مَدْمَعِي

فَرِدِي وَهَذَا رَوْضُ قَلْبِي فَارْتَعِي

إِنْ كَانَ لا يُرْضِيكِ إِلَّا شِقْوَتِي

فَلَقَدْ بَلَغْتِ مُنَاكِ مِنْهَا فَاقْنَعِي

أَنَا مِنْكِ بَيْنَ صَبَابَةٍ لا تَنْقَضِي

أَيَّامُهَا وَغَوايَةٍ لَمْ تُقْلِعِ

فَثِقِي بِمَا تُمْلِيهِ أَلْسِنَةُ الْهَوَى

وَهْيَ الدُّمُوعُ فَحَقُّهَا لَمْ يُدْفَعِ

لا تَحْسَبِي قَوْلِي خَدِيعَةَ مَاكِرٍ

إِنَّ الْوَفِيَّ بِعَهْدِهِ لَمْ يَخْدَعِ

إِنِّي لأَقْنَعُ مِنْ هَوَاكِ بِنَظْرَةٍ

وَأَعُدُّهَا صِلَةً إِذَا لَمْ تَمْنَعِي

هَذِي مُنَايَ وَحَبَّذَا لَوْ نِلْتُهَا

عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَهْيَ أَكْبَرُ مُقْنِعِ