طرب الفؤاد وكان غير طروب

طَرِبَ الْفُؤادُ وكانَ غَيْرَ طَرُوبِ

والْمَرْءُ رَهْنُ بَشاشَةٍ وَقُطُوبِ

وَرَدَ الْبَشِيرُ فَقُلْتُ مِنْ سَرَفِ الْمُنَى

أَعِدِ الْحَدِيثَ عَليَّ فَهْوَ حَسِيبي

خَبَرٌ جَلا صَدَأَ الْقُلُوبِ فَلَمْ يَدَعْ

فِيهَا مَجالَ تَحَفُّزٍ لِوَجِيبِ

ضَرَحَ الْقَذَى كَقَمِيصِ يُوسُفَ عِنْدَمَا

وَرَدَ الْبَشِيرُ بِهِ إِلَى يَعْقُوبِ

فَلْتَهْنَ مِصْرُ وَأَهْلُهَا بِسَلامَةٍ

جاءَتْ لَهَا بِالأَمْنِ بَعْدَ خُطُوبِ

بِالْمَاجِدِ الْمَنْسُوبِ بَلْ بِالأَرْوَعِ الْ

مَشْبُوبِ بَلْ بِالأَبْلَجِ الْمَعْصُوبِ

رَبِّ الْعُلاَ وَالْمَجْدِ إِسْمَاعِيلَ مَنْ

وَضَحَتْ بِهِ الأَيَّامُ بَعْدَ شُحُوبِ

وَرَدَ الْبِلادَ ولَيْلُها مُتَراكِبٌ

فأَضاءَهَا كَالْكَوْكَبِ الْمَشْبُوبِ

بِرَوِيَّةٍ تَجْلُو الصَّوَابَ وَعَزْمَةٍ

تَمْضِي مَضاءَ اللَّهْذَمِ الْمَذْرُوبِ

مَلِكٌ تَرَفَّعَ أَنْ تَكُونَ صِفاتُهُ

إِلَّا لَهُ أَوْ لاِبْنِهِ الْمَحْبُوبِ

ذو هَيْبَةٍ تَكْفِيهِ سَوْقَ جُنُودِهِ

وَبَدِيهَةٍ تُغْنِي عَنِ التَّجْرِيبِ

نَمَّتْ شَمائِلُهُ عَلَى أَعْراقِهِ

نَمَّ النَّسِيمِ عَلَى أَرِيجِ الطِّيبِ

أَكْنِي بِزَهْرِ الرَّوْضِ عَنْ أَخْلاقِهِ

وَبِنَشْرِهِ عَنْ فَضْلِهِ الْمَرْغُوبِ

وأَقُولُ إِنَّ الْبَرْقَ يَحْكِي بِشْرَهُ

لَوْ كَانَ بَرْقُ الْمُزْنِ غَيْرَ خَلُوبِ

فَالْخِصْبُ في الدُّنْيَا عَلامَةُ عَدْلِهِ

والْغَيْثُ فَضْلَةُ جُودِهِ الْمَسْكُوبِ

أَجْرَى نَسِيمَ الأَمْنِ بَعْدَ رُكُودِهِ

وَأَفَاضَ مَاءَ الْعَدْلِ بَعْدَ نُضُوبِ

وَأَعَادَ مِصْرَ إِلَى جَمالِ شَبابِها

مِنْ بَعْدِ مَا لَبِسَتْ خِمَارَ مَشِيبِ

فَتَنَعَّمَتْ مِنْ فَيْضِهِ في غِبْطَةٍ

وَتَمَتَّعَتْ مِنْ عَدْلِهِ بِنَصِيبِ

وَإِذَا أَرادَ اللهُ رَحْمَةَ أُمَّةٍ

بَعَثَ الشِّفَاءَ لَهَا بِخَيْرِ طَبِيبِ

فَلَقَدْ مَلَكْتَ زِمَامَها وَسَقَيْتَها

بَعْدَ الصَّدَى مِنْ رَحْمَةٍ بِذَنُوبِ

فَغَدَتْ وَمَا فِي الأَرْضِ أَحْسَنُ بُقْعَةً

مِنْهَا لِمُزْدَرِعٍ وَلا لِكَسُوبِ

يَسْتَنُّ فِيهَا النِّيلُ بَيْنَ حَدَائِقٍ

غُلْبٍ ورَفَّافِ النَّباتِ خَصِيبِ

وتَرَى السَّفِينَ يَجُولُ فَوْقَ سَراتِهِ

زَفَّ الرِّئَالِ تَمَطَّرَتْ بِسُهُوبِ

مِنْ كُلِّ راقِصَةٍ عَلَى نَقْرِ الصَّبَا

تَخْتَالُ بَيْنَ شَمائِلٍ وَجَنُوبِ

مَلَكَتْ أَزِمَّتَها الرِّيَاحُ فَسَيْرُها

ضَرْبَانِ بَيْنَ تَحَفُّزٍ وَدَبِيبِ

فَإِذا أَطَلْتَ عِنَانَها وَقَفَتْ وإِنْ

أَقْصَرْتَهُ سَارَتْ بِغَيْرِ لُغُوبِ

فَانْعَمْ بِخَيْرِ وِلايَةٍ وَلّاكَها

رَبُّ الْعِبادِ بِرَغْمِ كُلِّ رَقِيبِ

مَا آثَرُوكَ لَها بِغَيرِ رَوِيَّةٍ

بَلْ لاِعْتِصامِهِمُ بِخَيْرِ لَبِيبِ

فَاسْمَعْ مَقالَةَ صادِقٍ لَمْ يَنْتَسِبْ

لِسِوَاكَ في أَدَبٍ وَلا تَهْذِيبِ

أَوْلَيْتَهُ خَيْراً فَقَامَ بِشُكْرِهِ

وَالشُّكْرُ لِلإِحْسَانِ خَيْرُ ضَرِيبِ

فَاعْطِفْ عَلَيْهِ تَجِدْ سَلِيلَ كَرَامَةٍ

أَهْلاً لِحُسْنِ الأَهْلِ وَالتَّرْحِيبِ

يُنْبِيكَ ظاهِرُهُ بِوُدِّ ضَمِيرِهِ

وَالْوَجْهُ وَسْمَةُ مُخْلِصٍ وَمُرِيبِ

وَإِلَيْكَ مِنْ حَوْكِ اللِّسَانِ حَبِيرَةً

يُغْنِيكَ رَوْنَقُها عَنِ التَّشْبِيبِ

حَضَرِيَّةَ الأَنْسَابِ إِلَّا أَنَّها

بَدَوِيَّةٌ في الطَّبْعِ وَالتَّرْكِيبِ

وَلِعَتْ بِمَنْطِقِهَا النُّفُوسُ غَرَابَةً

وَالنَّفْسُ مُولَعَةٌ بِكُلِّ غَرِيبِ

أَرْسَلْتُها مَثَلاً بِمَدْحِكَ فِي الْوَرَى

وَالسَّهْمُ مَنْسُوبٌ لِكُلِّ مُصِيبِ

كَلِمٌ أَثَرْتُ بِها جَوَادَ بَراعَةٍ

لا يُقْتَفَى في الْحُضْرِ وَالتَّقْريبِ

تَرَكَ الْوَلِيدَ مُلَثَّماً بِغُبارِهِ

وَمَضَى فَكَفْكَفَ مِنْ عِنَانِ حَبِيبِ

فَاسْتَجْلِهَا تَلْمَحْ خِلالَكَ بَيْنَهَا

فِي وَشْيِ بُرْدٍ لِلْكَلامِ قَشِيبِ

كَزُجَاجَةِ التَّصْوِيرِ شَفَّتْ فَاجْتَلَتْ

مِنْ وَصْفِهِ ما كانَ غَيْرَ قَرِيبِ

لا زِلْتَ فِي فَلَكِ الْمَعَالِي كَوْكَباً

تُهْدِي الضِّياءَ لأَعْيُنٍ وَقُلُوبِ