قلدت جيد المعالي حلية الغزل

قَلَّدْتُ جِيدَ الْمَعَالِي حِلْيَةَ الْغَزَلِ

وَقُلْتُ فِي الْجِدِّ مَا أَغْنَى عَنِ الْهَزَلِ

يَأْبَى لِيَ الْغَيَّ قَلْبٌ لا يَمِيلُ بِهِ

عَنْ شَرْعَةِ الْمَجْدِ سِحْرُ الأَعْيُنِ النُجُلِ

أَهِيمُ بِالْبِيضِ فِي الأَغْمَادِ بَاسِمَةً

عَنْ غُرَّةِ النَّصْرِ لا بِالْبِيضِ فِي الْكِلَلِ

لَمْ تُلْهِنِي عَنْ طِلابِ الْمَجْدِ غَانِيَةٌ

فِي لَذَّةِ الصَّحْوِ مَا يُغْنِي عَنِ الثَّمَلِ

كَمْ بَيْنَ مُنْتَدِبٍ يَدْعُو لِمَكْرُمَةٍ

وَبَيْنَ مُعْتَكِفٍ يَبْكِي عَلَى طَلَلِ

لَوَلا التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْخَلْقِ مَا ظَهَرَتْ

مَزِيَّةُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَلْيِ وَالْعَطَلِ

فَانْهَضْ إِلَى صَهَوَاتِ الْمَجْدِ مُعْتَلِياً

فَالْبَازُ لَمْ يَأْوِ إِلَّا عَالِيَ الْقُلَلِ

وَدَعْ مِنَ الأَمْرِ أَدْنَاهُ لأَبْعَدِهِ

فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ مَا يُغْنِي عَنِ الْوَشَلِ

قَدْ يَظْفَرُ الْفَاتِكُ الأَلْوَى بِحَاجَتِهِ

وَيَقْعُدُ الْعَجْزُ بِالْهَيَّابَةِ الْوَكَلِ

وَكُنْ عَلَى حَذَرٍ تَسْلَمْ فَرُبَّ فَتىً

أَلْقَى بِهِ الأَمْنُ بَيْنَ الْيَأْسِ وَالْوَجَلِ

وَلا يَغُرَّنْكَ بِشْرٌ مِنْ أَخِي مَلَقٍ

فَرَوْنَقُ الآلِ لا يَشْفِي مِنَ الْغَلَلِ

لَوْ يَعْلَمُ الْمَرْءُ مَا فِي النَّاسِ مِنْ دَخَنٍ

لَبَاتَ مِنْ وُدِّ ذِي الْقُرْبَى عَلَى دَخَلِ

فَلا تَثِقْ بِوَدَادٍ قَبْلَ مَعْرِفَةٍ

فَالْكُحْلُ أَشْبَهُ فِي الْعَيْنَيْنِ بِالْكَحَلِ

وَاخْشَ النَّمِيمَةَ وَاعْلَمْ أَنَّ قَائِلَهَا

يُصْلِيكَ مِنْ حَرِّهَا نَاراً بِلا شُعَلِ

كَمْ فِرْيَةٍ صَدَعَتْ أَرْكَانَ مَمْلَكَةٍ

وَمَزَّقَتْ شَمْلَ وُدٍّ غَيْرِ مُنْفَصِلِ

فَاقْبَلْ وَصَاتِي وَلا تَصْرِفْكَ لاغِيَةٌ

عَنِّي فَمَا كُلُّ رَامٍ مِنْ بَنِي ثُعَلِ

إِنِّي امْرُؤٌ كَفَّنِي حِلْمِي وَأَدَّبَنِي

كَرُّ الْجَدِيدَيْنِ مِنْ مَاضٍ وَمُقْتَبَلِ

فَمَا سَرَيْتُ قِنَاعَ الْحِلْمِ عَنْ سَفَهٍ

وَلا مَسَحْتُ جَبِينَ الْعِزِّ مِنْ خَجَلِ

حَلَبْتُ أَشْطُرَ هَذَا الدَّهْرِ تَجْرِبَةً

وَذُقْتُ مَا فِيهِ مِنْ صَابٍ وَمِنْ عَسَلِ

فَمَا وَجَدْتُ عَلَى الأَيَّامِ بَاقِيَةً

أَشْهَى إِلَى النَّفْسِ مِنْ حُرِّيَّةِ الْعَمَلِ

لَكِنَّنَا غَرَضٌ لِلشَّرِّ فِي زَمَنٍ

أَهْلُ الْعُقُولِ بِهِ فِي طَاعَةِ الْخَمَلِ

قَامَتْ بِهِ مِنْ رِجَالِ السُّوءِ طَائِفَةٌ

أَدْهَى عَلَى الْنَّفْسِ مِنْ بِؤْسٍ عَلَى ثَكَلِ

مِنْ كُلِّ وَغْدٍ يَكَادُ الدَّسْتُ يَدْفَعُهُ

بُغْضاً وَيَلْفِظُهُ الدِّيوانُ مِنْ مَلَلِ

ذَلَّتْ بِهِمْ مِصْرُ بَعْدَ الْعِزِّ وَاضْطَرَبَتْ

قَوَاعِدُ الْمُلْكِ حَتَّى ظَلَّ فِي خَلَلِ

وَأَصْبَحَتْ دَوْلَةُ الْفُسْطَاطِ خَاضِعَةً

بَعْدَ الإِبَاءِ وَكَانَتْ زَهْرَةَ الدُّوَلِ

قَوْمٌ إِذَا أَبْصَرُونِي مُقْبِلاً وَجَمُوا

غَيْظاً وَأَكْبَادُهُمْ تَنْقَدُّ مِنْ دَغَلِ

فَإِنْ يَكُنْ سَاءَهُمْ فَضْلِي فَلا عَجَبٌ

فَالشَّمْسُ وَهيَ ضِيَاءٌ آفَةُ الْمُقَلِ

نَزَّهْتُ نَفْسِيَ عَمَّا يَدْنَسُونَ بِهِ

وَنَخْلَةُ الرَّوْضِ تَأْبَى شِيمَةَ الْجُعَلِ

بِئْسَ الْعَشِيرُ وَبِئْسَتْ مِصْرُ مِنْ بَلَدٍ

أَضْحَتْ مُنَاخاً لأَهْلِ الزُّورِ وَالْخَطَلِ

أَرْضٌ تَأَثَّلَ فِيهَا الظُّلْمُ وَانْقَذَفَتْ

صَوَاعِقُ الْغَدْرِ بَيْنَ السَّهْلِ وَالْجَبَلِ

وَأَصْبَحَ النَّاسُ فِي عَمْيَاءَ مُظْلِمَةٍ

لَمْ يَخْطُ فِيهَا امْرُؤٌ إِلَّا عَلَى زَلَلِ

لَمْ أَدْرِ مَا حَلَّ بِالأَبْطَالِ مِنْ خَوَرٍ

بَعْدَ الْمِرَاسِ وَبِالأَسْيَافِ مِنْ فَلَلِ

أَصَوَّحَتْ شَجَرَاتُ الْمَجْدِ أَمْ نَضَبَتْ

غُدْرُ الْحَمِيَّةِ حَتَّى لَيْسَ مِنْ رَجُلِ

لا يَدْفَعُونَ يَداً عَنْهُمْ وَلَوْ بَلَغَتْ

مَسَّ الْعَفَافَةِ مِنْ جُبْنٍ وَمِنْ خَزَلِ

خَافُوا الْمَنِيَّةَ فَاحْتَالُوا وَمَا عَلِمُوا

أَنَّ الْمَنِيَّةَ لا تَرْتَدُّ بِالْحِيَلِ

فَفِيمَ يَتَّهِمُ الإِنْسَانُ خَالِقَهُ

وَكُلُّ نَفْسٍ لَهَا قَيْدٌ مِنَ الأَجَلِ

هَيْهَاتَ يَلْقَى الْفَتَى أَمْناً يَلَذُّ بِهِ

مَا لَمْ يَخُضْ نَحْوَهُ بَحْراً مِنَ الْوَهَلِ

فَمَا لَكُمْ لا تَعَافُ الضَّيْمَ أَنْفُسُكُمْ

وَلا تَزُولُ غَوَاشِيكُمُ مِنَ الْكَسَلِ

وَتِلْكَ مِصْرُ الَّتِي أَفْنَى الْجِلادُ بِهَا

لَفِيفَ أَسْلافِكُمْ فِي الأَعْصُرِ الأُوَلِ

قَوْمٌ أَقَرُّوا عِمَادَ الْحَقِّ وَامْتَلَكُوا

أَزِمَّةَ الْخَلْقِ مِنْ حَافٍ وَمُنْتَعِلِ

جَنَوْا ثِمَارَ الْعُلا بِالْبِيضِ وَاقْتَطَفُوا

مِنْ بَيْنِ شَوْكِ الْعَوَالِي زَهْرَةَ الأَمَلِ

فَأَصْبَحَتْ مِصْرُ تَزْهُو بَعْدَ كُدْرَتِهَا

فِي يَانِعٍ مِنْ أَسَاكِيبِ النَّدَى خَضِلِ

لَمْ تَنْبُتِ الأَرْضُ إِلَّا بَعْدَمَا اخْتَمَرَتْ

أَقْطَارُهَا بِدَمِ الأَعْنَاقِ وَالْقُلَلِ

شَنُّوا بِهَا غَارَةً أَلْقَتْ بِرَوْعَتِهَا

أَمْناً يُؤَلِّفُ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالْحَمَلِ

حَتَّى إِذَا أَصْبَحَتْ فِي مَعْقِلٍ أَشِبٍ

يَرُدُّ عَنْهَا يَدَ الْعَادِي مِنَ الْمِلَلِ

أَخْنَى الزَّمَانُ عَلَى فُرْسَانِها فَغَدَتْ

مِنْ بَعْدِ مَنْعَتِهَا مَطْرُوقَةَ السُّبُلِ

فَأَيَّ عَارٍ جَلَبْتُمْ بِالْخُمُولِ عَلَى

مَا شَادَهُ السَّيْفُ مِنْ فَخْرٍ عَلَى زُحَلِ

إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيشُ بِهِ

فَإِنَّمَا هُوَ مَعْدُودٌ مِنَ الْهَمَلِ

فَبَادِرُوا الأَمْرَ قَبْلَ الْفَوْتِ وَانْتَزِعُوا

شِكَالَةَ الرَّيْثِ فَالدُّنْيَا مَعَ الْعَجَلِ

وَقَلِّدُوا أَمْرَكُمْ شَهْماً أَخَا ثِقَةٍ

يَكُونُ رِدْءاً لَكُمْ فِي الْحَادِثِ الْجَلَلِ

مَاضِي الْبَصِيرَةِ غَلَّابٌ إِذَا اشْتَبَهَتْ

مَسَالِكُ الرَّأْيِ صَادَ الْبَازَ بِالْحَجَلِ

إِنْ قَالَ بَرَّ وَإِنْ نَادَاهُ مُنْتَصِرٌ

لَبَّى وَإِنْ هَمَّ لَمْ يَرْجِعْ بِلا نَفَلِ

يَجْلُو الْبَدِيهَةَ بِاللَّفْظِ الْوَجِيزِ إِذَا

عَزَّ الْخِطَابُ وَطَاشَتْ أَسْهُمُ الْجَدَلِ

وَلا تَلجُّوا إِذَا مَا الرَّأْيُ لاحَ لَكُمْ

إِنَّ اللَّجَاجَةَ مَدْعَاةٌ إِلَى الْفَشَلِ

قَدْ يُدْرِكُ الْمَرْءُ بِالتَّدْبِيرِ مَا عَجَزَتْ

عَنْهُ الْكُمَاةُ وَلَمْ يَحْمِلْ عَلَى بَطَلِ

هَيْهَاتَ مَا النَّصْرُ فِي حَدِّ الأَسِنَّةِ بَلْ

بِقُوَّةِ الرَّأْيِ تَمْضِي شَوْكَةُ الأَسَلِ

وَطَالِبُوا بِحُقُوقٍ أَصْبَحَتْ غَرَضاً

لِكُلِّ مُنْتَزِعٍ سَهْماً وَمُخْتَتِلِ

وَلا تَخَافُوا نَكَالاً فِيهِ مَنْشَؤُكُمْ

فَالْحُوتُ فِي الْيَمِّ لا يَخْشَى مِنَ الْبَلَلِ

عَيْشُ الْفَتَى فِي فَنَاءِ الذُّلِّ مَنْقَصَةٌ

وَالْمَوْتُ فِي الْعِزِّ فَخْرُ السَّادَةِ النَّبَلِ

لا تَتْرُكُوا الْجِدَّ أَوْ يَبْدُو الْيَقِينُ لَكُمْ

فَالْجِدُّ مِفْتَاحُ بَابِ الْمَطْلَبِ الْعَضِلِ

طَوْراً عِرَاكاً وَأَحْيَاناً مُيَاسَرَةً

رِيَاضَةُ الْمُهْرِ بَيْنَ الْعُنْفِ وَالْمَهَلِ

حَتَّى تَعُودَ سَمَاءُ الأَمْنِ ضَاحِيَةً

وَيَرْفُلَ الْعَدْلُ فِي ضَافٍ مِنَ الْحُلَلِ

هَذِي نَصِيحَةُ مَنْ لا يَبْتَغِي بَدَلاً

بِكُمْ وَهَلْ بَعْدَ قَوْمِ الْمَرْءِ مِنْ بَدَلِ

أَسْهَرْتُ جَفْنِي لَكُمْ فِي نَظْمِ قَافِيَةٍ

مَا إِنْ لَهَا فِي قَدِيمِ الشِّعْرِ مِنْ مَثَلِ

كَالْبَرْقِ فِي عَجَلٍ وَالرَّعْدِ فِي زَجَلٍ

وَالْغَيْثِ فِي هَلَلٍ وَالسَّيْلِ فِي هَمَلِ

غَرَّاءُ تَعْلَقُهَا الأَسْمَاع مِنْ طَرَبٍ

وَتَسْتَطِيرُ بِهَا الأَلْبَابُ مِنْ جَذَلِ

حَوْلِيَّةٌ صَاغَهَا فِكْرٌ أَقَرَّ لَهُ

بِالْمُعْجِزَاتِ قَبِيلُ الإِنْسِ وَالْخَبَلِ

تَلُوحُ أَبْيَاتُهَا شَطْرَيْنِ فِي نَسَقٍ

كَالْمَشْرَفِيَّةِ قَدْ سُلَّتْ مِنَ الْخِلَلِ

إِنْ أَخْلَقَتْ جِدَّةُ الأَشْعَارِ أَثَّلَهَا

لَفْظٌ أَصِيلٌ وَمَعْنىً غَيْرُ مُنْتَحَلِ

تَفْنَى النُّفُوسُ وَتَبْقَى وَهْيَ نَاضِرَةٌ

عَلَى الدُّهُورِ بَقَاءَ السَّبْعَةِ الطُوَلِ