ما أطيب العيش لولا أنه فاني

مَا أَطْيَبَ الْعَيْشَ لَوْلا أَنَّهُ فَانِي

تَبْلَى النُّفُوسُ وَلا يَبْلَى الْجَدِيدَانِ

قَدْ كُنْتُ فِي غِرَّةٍ حَتَّى إِذَا انْقَشَعَتْ

أَبْقَتْ تَبَارِيحَ لا تَنْفَكُّ تَغْشَانِي

وَشَيْبَةً كَلِسَانِ الْفَجْرِ نَاطِقَةً

بِمَا طَوَاهُ عَنِ الإِفْشَاءِ كِتْمَانِي

أَضْحَتْ قَذَىً لِعُيُونِ الْغِانِيَاتِ وَقَدْ

كَانَتْ حِبَالَةَ أَبْصَارٍ وَأَذْهَانِ

كَأَنَّنِي لَمْ أَقُدْ شَعْوَاءَ جَافِلَةً

وَلَمْ أَبِتْ بَيْنَ دَارَاتٍ وَنِدْمَانِ

وَلَمْ أَقُمْ فِي مَقَامَاتٍ وَأَنْدِيَةٍ

شَتَّى الْهَوَى غَيْرَ رِعْدِيدٍ وَلا وَانِي

فَالْيَومَ أَصْبَحتُ لا سَيْفِي بِمُنْصَلِتٍ

عَلَى الْعَدُوِّ وَلا قَوْسِي بِمِرْنَانِ

لا أَذْكُرُ اللَّهْوَ إِلَّا أَنْ تُذَكِّرَنِي

وَرْقَاءُ تَدْعُو هَدِيلاً بَيْنَ أَغْصَانِ

إِنَّ الثَّلاثِينَ وَالْخَمْسَ الَّتِي عَرَضَتْ

ثَنَتْ قُوَايَ وَفَلَّتْ غَرْبَ أَشْجَانِي

وَخَلَّفَتْنِي عَلَى مَا كَانَ مِنْ طَرَبٍ

بَادِي الأَسَافَةِ فِي قَوْمِي وَجِيرَانِي

وَكَانَ يَحْزُنُنِي شَيْبِي فَصِرْتُ أَرَى

أَنَّ الَّذِي بَعْدَهُ أَوْلَى بِإِحْزَانِي

وَهَوَّنَ الأَمْرَ عِنْدِي أَنَّ كُلَّ فَتَى

وَإِنْ تَمَلَّأ مِنْ مَاءِ الصِّبَا فَانِي

يَا نَفْسُ لا تَذْهَبِي يَأْسَاً بِمَا كَسَبَتْ

يَدَاكِ فَاللَّهُ ذُو مَنٍّ وَغُفْرَانِ

يَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ حَتَّى يَسْتَوِي كَرَماً

لَدَيْهِ ذُو الْعَمَلِ الْمَبْرورِ وَالْجَانِي

هُوَ الَّذِي جَعَلَ الأَفْلاكَ دَائِرَةً

وَصَوَّرَ الْخَلْقَ مِنْ إِنْسٍ وَمِنْ جَانِ

وَقَدَّرَ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي مَنَازِلِهَا

وَالنَّجْمَ وَالْقَمَرَ السَّارِي بِحُسْبَانِ

وَأَرْسَلَ الْغَيْثَ أَرْسَالاً بِرَحْمَتِهِ

وَأَنْبَتَ الأَرْضَ مِنْ حَبٍّ وَرَيْحَانِ

سُبْحَانَهُ جَلَّ عَنْ وَصْفٍ يُحِيطُ بِهِ

وَكَيْفَ يُدْرِكُ وَصْفَ الدَّائِمِ الْفَانِي

لَقَدْ تَفَرَّدَ فِي لاهُوتِ قُدْرَتِهِ

فَمَا لَهُ أَبَدَاً فِي مُلْكِهِ ثَانِي

وَإِنَّما نَحْنُ نُطْرِيهِ كَمَا سَبَقَتْ

بِهِ الإِرَادَةُ مِنْ وَصْفٍ وَتِبْيَانِ

كُلٌّ يَقُولُ عَلَى مِقْدَارِ فِطْنَتِهِ

وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالْقَاصِي وَبِالدَّانِي

تَبَارَكَ اللَّهُ عَمَّا قِيلَ وَابْتُدِعَتْ

فِي ذَاتِهِ مِنْ أَضَالِيلٍ وَبُهْتَانِ

قَدْ لَفَّقُوهَا أَسَاطِيراً مُحَبَّرَةً

بِحِكْمَةٍ ذَاتِ أَشْكَالٍ وَأَلْوَانِ

كَأَنَّهُمْ قَدْ أَصَابُوا طُرْفَةً عَجَبَاً

أَوْ جَاءَهُمْ نَبَأٌ صِدْقٌ بِبُرْهَانِ

وَلَوْ تَكَشَّفَ هَذَا الأَمْرُ لارْتَدَعَتْ

مَعَاشِرٌ خَلَطُوا كُفْرَاً بِإِيمَانِ

يَارَبِّ إِنَّكَ ذُو مَنٍّ وَمَغْفِرَةٍ

فَاسْتُرْ بِعَفْوِكَ زَلَّاتِي وَعِصْيَانِي

وَلا تَكِلْنِي إِلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلِي

فَإِنَّهُ سَبَبٌ يُفْضِي لِحِرْمَانِي