متى أنت عن أحموقة الغي نازع

مَتَى أَنْتَ عَنْ أُحْمُوقَةِ الْغَيِّ نَازِعُ

وَفِي الشَّيْبِ لِلنَّفْسِ الأَبِيَّةِ وَازِعُ

أَلا إِنَّ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ حِجَّةً

لِكُلِّ أَخِي لَهْوٍ عَنِ اللَّهْوِ رَادِعُ

فَحَتَّامَ تُصِيْبُكَ الْغَوَانِي بِدَلِّهَا

وتَهْفُو بِلِيتَيْكَ الْحَمامُ السَّوَاجِعُ

أَمَا لَكَ فِي الْمَاضِينَ قَبْلَكَ زَاجِرٌ

يَكُفُّكَ عَنْ هَذَا بَلَى أَنْتَ طَامِعُ

وَهَلْ يَسْتَفِيقُ الْمَرْءُ مِنْ سَكْرَةِ الصِّبَا

إِذَا لَمْ تُهَذِّبْ جَانِبَيهِ الْوَقَائِعُ

يَرَى الْمَرْءُ عُنْوَانَ الْمَنُونِ بِرَأْسِهِ

وَيَذْهَبُ يُلْهِي نَفْسَهُ وَيُصَانِعُ

أَلا إِنَّمَا هَذِي اللَّيَالِي عَقَارِبٌ

تَدِبُّ وَهَذَا الدَّهْرُ ذِئْبٌ مُخَادِعُ

فَلا تَحْسَبَنَّ الدَّهْرَ لُعْبَةَ هَازِلٍ

فَمَا هُوَ إِلا صَرْفُهُ وَالْفَجَائِعُ

فَيَا رُبَّمَا بَاتَ الْفَتَى وَهْوَ آمِنٌ

وَأَصْبَحَ قَدْ سُدَّتْ عَلَيْهِ الْمَطَالِعُ

فَفِيمَ اقْتِنَاءُ الدِّرْعِ وَالسَّهْمُ نَافِذٌ

وَفِيمَ ادِّخَارُ الْمَالِ وَالْعُمْرُ ضَائِعُ

يَوَدُّ الْفَتَى أَنْ يَجْمَعَ الأَرْضَ كُلَّهَا

إِلَيْهِ وَلَمَّا يَدْرِ مَا اللهُ صَانِعُ

فَقَدْ يَسْتَحِيلُ الْمَالُ حَتْفاً لِرَبِّهِ

وَتَأْتِي عَلَى أَعْقَابِهِنَّ الْمَطَامِعُ

أَلا إِنَّمَا الأَيَّامُ تَجْرِي بِحُكْمِهَا

فَيُحْرَمُ ذُو كَدٍّ وَيُرْزَقُ وَادِعُ

فَلا تَقْعُدَنْ لِلدَّهْرِ تَنْظُرُ غِبَّهُ

عَلَى حَسْرَةٍ فَاللَّهُ مُعْطٍ وَمَانِعُ

فَلَوْ أَنَّ ما يُعْطَى الْفَتَى قَدْرُ نَفْسِهِ

لَمَا بَاتَ رِئْبَالُ الشَّرَى وَهْوَ جَائِعُ

وَدَعْ كُلَّ ذِي عَقْلٍ يَسِيرُ بِعَقْلِهِ

يُنَازِعُ مِنْ أَهْوَائِهِ مَا يُنَازِعُ

فَمَا النَّاسُ إِلَّا كَالَّذِي أَنَا عَالِمٌ

قَدِيماً وَعِلْمُ الْمَرْءِ بِالشَّيءِ نَافِعُ

وَلَسْتُ بِعَلَّامِ الْغُيُوبِ وَإِنَّما

أَرَى بِلِحَاظِ الرَّأْيِ مَا هُوَ وَاقِعُ

وَذَرْهُمْ يَخُوضُوا إِنَّمَا هِيَ فِتْنَةٌ

لَهُمْ بَيْنَهَا عَمَّا قَلِيلٍ مَصَارِعُ

فَلَوْ عَلِمَ الإِنْسَانُ مَا هُوَ كَائِنٌ

لَمَا نَامَ سُمَّارٌ وَلا هَبَّ هَاجِعُ

وَمَا هَذِهِ الأَجْسَامُ إِلَّا هَيَاكِلٌ

مُصَوَّرَةٌ فِيهَا النُّفُوسُ وَدَائِعُ

فَأَيْنَ الْمُلُوكُ الأَقْدَمُونَ تَسَنَّمُوا

قِلالَ الْعُلا فَالأَرْضُ مِنْهُمْ بَلاقِعُ

مَضَوْا وَأَقَامَ الدَّهْرُ وَانْتَابَ بَعْدَهُمْ

مُلُوكٌ وَبَادُوا وَاسْتَهَلَّتْ طَلائِعُ

أَرَى كُلَّ حَيٍّ ذَاهِبَاً بِيَدِ الرَّدى

فَهَلْ أَحَدٌ مِمَّنْ تَرَحَّلَ رَاجِعُ

أُنَادِي بِأَعْلَى الصَّوْتِ أَسْأَلُ عَنْهُمُ

فَهَلْ أَنْتَ يَا دَهْرَ الأَعَاجِيبِ سَامِعُ

فَإِنْ كُنْتَ لَمْ تَسْمَعْ نِدَاءً وَلَمْ تُحِرْ

جَوَاباً فَأَيُّ الشَّيءِ أَنْتَ أُنَازِعُ

خَيَالٌ لَعَمْرِي لَيْسَ يُجْدِي طِلابُهُ

وَمَأْسَفَةٌ تُدْمَى عَلَيْهَا الأَصَابِعُ

فَمَنْ لِي وَرَوْعَاتُ الْمُنَى طَيْفُ حَالِمٍ

بِذِي خُلَّةٍ تَزْكُو لَدَيْهِ الصَّنَائِعُ

أُشَاطِرُهُ وُدِّي وَأُفْضِي لِسَمْعِهِ

بِسِرِّي وَأُمْلِيهِ الْمُنَى وَهْوَ رَابِعُ

لَعَلِّي إِذَا صَادَفْتُ فِي الْقَوْلِ رَاحَةً

نَضَحْتُ غَلِيلاً مَا رَوَتْهُ الْمَشَارِعُ

لَعَمْرُ أَبِي وَهْوَ الَّذِي لَوْ ذَكَرْتُهُ

لَما اخْتَالَ فَخَّارٌ وَلا احْتَالَ خَادِعُ

لَمَا نَازَعَتْنِي النَّفْسُ فِي غَيْرِ حَقِّهَا

وَلا ذَلَّلَتْنِي لِلرِّجَالِ المَطَامِعُ

وَمَا أَنَا وَالدُّنْيَا نَعِيمٌ وَلَذَّةٌ

بِذِي تَرَفٍ تَحْنُو عَلَيْهِ الْمَضَاجِعُ

فَلا السَّيْفُ مَفْلُولٌ وَلا الرَّأْيُ عَازِبٌ

وَلا الزَّنْدُ مَغْلُولٌ وَلا السَّاقُ ظَالِعُ

وَلَكِنَّنِي فِي مَعْشَرٍ لَمْ يَقُمْ بِهِمْ

كَرِيمٌ وَلَمْ يَرْكَبْ شَبَا السَّيْفِ خَالِعُ

لَوَاعِبُ بِالأَسْمَاءِ يَبْتَدِرُونَهَا

سَفَاهاً وَبِالأَلْقَابِ فَهْيَ بَضَائِعُ

وَهَلْ فِي التَّحَلِّي بِالْكُنَى مِنْ فَصِيلَةٍ

إِذَا لَمْ تُزَيَّنْ بِالْفَعَالِ الطَّبائِعُ

أُعَاشِرُهُم رَغْمَاً وَوُدَّي لَوْ انَّ لِي

بِهِمْ نَعَماً أَدْعُو بِهِ فَيُسَارِعُ

فَيَا قَوْمُ هُبُّوا إِنَّمَا الْعُمْرُ فُرْصَةٌ

وَفِي الدَّهْرِ طُرْقٌ جَمَّةٌ وَمَنافِعُ

أَصَبْرَاً عَلَى مَسِّ الْهَوَانِ وَأَنْتُمُ

عَدِيدُ الْحَصَى إِنِّي إِلَى اللَّهِ رَاجِعُ

وَكَيْفَ تَرَوْنَ الذُّلَّ دَارَ إِقَامَةٍ

وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ وَاسِعُ

أَرَى أَرْؤُسَاً قَدْ أَيْنَعَتْ لِحَصَادِهَا

فَأَيْنَ وَلا أَيْنَ السُّيُوفُ الْقَوَاطِعُ

فَكُونُوا حَصِيداً خَامِدِينَ أَوِ افْزَعُوا

إِلَى الْحَرْبِ حَتَّى يَدْفَعَ الضَّيْمَ دَافِعُ

أَهَبْتُ فَعَادَ الصَّوْتُ لَمْ يَقْضِ حَاجَةً

إِلَيَّ وَلَبَّانِي الصَّدَى وَهْوَ طَائِعُ

فَلَمْ أَدْرِ أَنَّ اللَّهَ صَوَّرَ قَبْلَكُمْ

تَمَاثِيلَ لَمْ يُخْلَقْ لَهُنَّ مَسَامِعُ

فَلا تَدَعُوا هَذِي الْقُلُوبَ فَإِنَّهَا

قَوَارِيرُ مَحْنِيّ عَلَيْهَا الأَضَالِعُ

وَدُونَكُمُوهَا صَعْدَةً مَنْطِقِيَّةً

تَفُلُّ شَبَا الأَرْمَاحِ وَهْيَ شَوَارِعُ

تَسِيرُ بِهَا الرُّكْبَانُ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ

وَتَلْتَفُّ مِنْ شَوْقٍ إِلَيْهَا الْمَجَامِعُ

فَمِنْهَا لِقَوْمٍ أَوْشُحٌ وَقَلائِدٌ

وَمِنْهَا لِقَوْمٍ آخَرِينَ جَوَامِعُ

أَلا إِنَّها تِلْكَ الَّتِي لَوْ تَنَزَّلَتْ

عَلَى جَبَلٍ أَهْوَتْ بِهِ فَهْوَ خَاشِعُ