العاصفة

هَبَّتِ الريحُ والفضاءُ اكْفَهَرَّا

وَتَوَارَى الهِلَالُ يَنْظُرُ شَزَرا

طَمس النُّور غير بعض سطورٍ

خطَّها الفجر فامَّحتْ ليس تُقْرا

فَانْتَضَى البرق سيف نور ضئيل

شقَّ مسح الدجن شقًّا وَفَرَّا

وَانْبَرَى الرعدُ مُنْذِرًا بالبَلَايَا

وَاسْتَشَاطَ الخضمُّ مَدًّا وَجَزَرا

وَتَنَادَتْ عناصرُ الكونِ للثورة

فانقضَّتِ الصواعقُ جَمْرَا

وَتَبَارَتْ فِي حلبةِ الأُفْقِ الريحُ

فَأَمْسَى الرَّقيع يزأر زأرا

علمونا أنَّ الطبيعةَ أمٌّ

وَيْحَ أُمٍّ مِنَ الشَّوَاعِرِ تَبْرَا

يَا لَأُمٍّ خَرْسَاء إِنْ حَدَّثَتْنَا

فَحَدِيثٌ يفِيضُ خَوْفًا وَذُعْرَا

هَمْسُهَا الرَّعْدُ، وَالصَّوَاعِقُ نَجْوَى

وَالْبَرَاكِينُ زَفرة تُوجَد حرى

وَيْكِ أُمًّا منحتِ أَلْفَ لِسَانٍ

وَتَكَتَّمْتِ لَسْتِ تُفْشِينَ سِرا

أَيُّها الْأُمُّ كَيْفَ تُخْفِينَ عَنَّا

في ثناياكِ جَاعل البَحْرِ بَرا

كَيْفَ تُخْفِينَ وَالِدًا عَنْ بَنِيه

وظهورُ الآباءِ بِالعطفِ أَحْرَى

أَصَحِيحٌ يَا أُمُّ أَنَّ أَبِي مثلي

شَكْلًا، وَيَمْلَأُ الْكَوْنَ بِرَّا!

فَأَجِيبِي فَوَاجِبُ الْأُمِّ تَعْرِيفُ

بَنِيهَا بِوَالِدٍ عَزَّ قَدْرَا

خَبِّرِينِي: أحلَّ في بيتك الله

خفيًّا؟ فصاحب البيت أدرى

آهِ ضيَّعتُهُ فَضَاعَ رَجَائِي

فَأَرْشِدِينِي إِلَيْهِ يكسبك أَجْرَا

فَأَجَابَتْ إِنِّي أُفَتِّشُ عَنْهُ

لَا أَرَاهُ، سُبْحَانَهُ، أَيْنَ قَرَّا

قُلْتُ: هَلَّا، فَقَطَّبَتْ حَاجِبَيْهَا

فَأَرَتْنِي فِي وَجْهِهَا الْجهمِ شَرَّا

وَأَشَارَتْ إِلَى الْعَوَاصِفِ أَنْ سِيرِي

وَهدِّي مِن أَرْضِهِ مَا اشْمَخَرَّا

فَاسْتَجَرْنَا مِنْهَا بِهَا وَهيَ غَضْبَى

وَاعْتَصَمْنَا بِصَخْرَةٍ نَتَذَرَّى

فَرَأَيْنَا الْأَمْوَاجَ تَقْتَحِمُ الشَّطَّ

جُيُوشًا عَمْيَاءَ كَرًّا وَفَرَّا

كَمْ بُيُوتٍ تَهَدَّمَتْ وَقُصُورٍ

صَيَّرَتْهَا الْعَوَاصِفُ الْهوجُ قَبْرا

فمن الدوح أسجدتْ كلَّ عاتٍ

لم يعفِّرْ وجهًا ولم يحنُ صدرا

وإذا بالأشجارِ تمشي الهوينا

ثم تكبو، سيَّان صغرى وكبرى

ثورةٌ في الطبيعة اجتاحتِ الأر

ضَ كما اجتاحَ يعربٌ ملكَ كِسْرى

لمْ أجد منجدًا، فناديت ربًّا

عَبدُوهُ في الأرض عصرًا فعصرا

من تراني دعوتُ لولا سماعي

باسمِهِ في الوجود سرًّا وجهرا

هدأتْ ثورةُ الطبيعةِ والريح

تهادتْ في الجوِّ تمشي السبطرى

فرأينا أنَّ الذي هدمته

كان بالهدم والتجدُّد أحرى

إنَّمَا هذهِ العواصفُ أيدٍ

ما تُهَدِّم يمنى تشيِّدْهُ يسرى

رسلُ النشءِ والتجدُّد بل زند

متى شاءتِ الطبيعةُ يورى

فَهْيَ كفُّ الوجود تهدم ما لا

يستطيع البقاء برًّا وبحرا

ليت من هذه «العواصف» أصنا

فًا تثير الأكوان طيًّا ونشرا

لنرى كلَّ هائرٍ وعقيمٍ

ليس يجدي نفعًا تداعى وخرَّا

من تقاليدِنَا ومن كل عُرْفٍ

صيَّرته الآراءُ دينًا وكفرا

إِنَّما هذهِ العواصفُ فأسٌ

تقصمُ الشامخاتِ ظهرًا فظهرا

من قديمٍ والمرءُ نضوُ افتكارٍ

أشغلتهُ «الأشياءُ» دهرًا فدهرا

ما رآه بالأمسِ علمًا يراهُ

اليومَ جهلًا، وهكذا العمر مرَّا

إنَّ آراءَهُ لأشبَهُ بالموج

توالى، تمحو الجديدةُ أُخرى

أوغلَ الفكر في التأمُّل حتى

لاحَ وجهُ النهار يفترُّ بشرا

فبدا لي أنَّ الطبيعة فرحى

بالذي قلَّبتهُ حتى استقرَّا

إيهِ يَا أُم إن أردتِ صلاحًا

فاكنسي بالعواصف الكون طرَّا