إذا ما الفتى في دهره أحسن الظنا

إذا ما الفتى في دهره أحسن الظنّا

فما أدرك المغزى ولا فهم المعنى

وما الحزم إلا أن نرى الدهر هاجماً

فنبنيَ من تدبيرنا دونه حصنا

وما الدهر إلا مبهرِ في طباعه

يغرّر بالأقوام يفتنهم فَتنا

يروع بنيه صائلاً بنباته

فقد ضلّ مَن من دهره يطلب الأمنا

يذفّ عليهم بالظبي من خطوبه

فكم جدعت أنفاً وكم صلمت أذنا

وما شهبه إلا مخالب كيده

تمدّ بجوف الليل دامية حجنا

إذا ما تشممت الزمان وطبعه

تشمّمت من أعماق طينته نتنا

إليك فتى السعدون جئت مهنّئاً

بما نلته عند الإله من الحسنى

إذا ما دممنا الدهر يوماً وأهله

فإنك من تلك المذمّات مستثنى

أتى يومك الدامي بذكراك حافلا

فجدّد في كل البلاد لنا حزنا

ففي مثل هذا اليوم بتّ مضرّجاً

وبتنا نحاكي في مداعمنا المزنا

وفي مثل هذا اليوم في حفرة البلى

جعلنا بك الآمال مدفونة هنّا

عشيّةً أطلقت المسدّس ناره

على قلبك الخفّاق من يدك اليمنى

فللّه نار قد بردت بحرّها

وإن سال منها دمعنا بالجوي سخنا

لئن أفقدت بالموت قلبك نبضه

فكم أنبضت بالحزن أفئدةً منّا

وكم أنطقت دمع المحاجر بالأسى

على أنها بالهول أخرست اللسنا

فيا طلقةً ريع العراق بصوتها

فبانت به الآفاق عابسةً دكنا

وردّد مجرى الرافدين لصوتها

صدى الحزن من أقصى العراق إلى الأدنى

لقد جمع الأموال باسمك معشر

لتخليدهم ذكراك في معهد يبنى

وما علموا أن المباني كلّها

وإن قويت تفنى وذكرك لا يفنى

وأعظم تخليداً لذكراك منهم

فعائلك الغرّاء والخلق الأسنى

سعيت إلى استقلال قومك مخلطصاً

وما كنت في يوم على القوم ممتنّا

وقعت بأعباء السياسة ناهضاً

يهمّة لاوانٍ ولا ناكصٍ جبنا

وأبديت في تلك المواقف كلّها

أصالة رأيٍ قط لم يعرف الأفنا

فإن كنت لم تنجح فليس لعلّةٍ

سوى أن خصم القوم في كيده افتنّا

زكت لك نفس بين جنبيك حرّة

فلا أظهرت كبراً ولا أضمرت ضغنا

لنا المثل الأعلى بحلمك والنّدى

فكم بهما أثنى عليك الذي أثنى

فأحنف ربّ الحلم بالحلم فقته

وفي الجود قد فقت ابن زائدة معنا

ألست الذي قدم رام قتلك قاتل

فأطلقته عفواً وأوسعته مَنّا

سيبقى على الأيام ذكرك خالداً

به صحف التأريخ قاطبةً تعنى

فيا بطلاً بالنفس ضحّى وإنما

بذلك لاستقلالنا سنّةً سنّا

فعلّمنا أنّ التفادي واجب

على كل قوم حاولوا شرف المغنى

سنسعى إلى ما قد سعيت من العلا

بصادق عزم ينكر الضعف والوهنا

وإنا لقوم مستقلّون فطرةً

إذا أنكر استقلالنا منكر ثرنا

فلو جعلت تبراً سبيكاً بيوتنا

ولسنا بحكام أبينا بها السكنى

يهون علينا في السياسة أننا

نصلّب في الأعواد أو ندخل السجنا

ولسنا نبالي دون أحياء مجدنا

أعشنا على وجه البسيطة أم مُتنا

إذا أدرك المجد المؤثّل معشر

أُحاد فأنّا نحن ندركه مثنى

نفوساً ورثناها كباراً أبيةً

أبت في الدنى أن تحمل الضيم والغبنا