عهد الصبا سقيا لأيام الصبا

عهد الصبا سقياً لأيام الصبا

أشبه شئ بأزاهير الربا

إن الصبا كالورد في نضرته

وعمره واللون منه والشذا

واهاً على شرخ الشباب المشتهى

خلّف ذاكره بقلبي ومضى

لقد ذوى غصن حياتي بعده

وكان ريّان التصابي والمنى

أطيب عيش المرء في شبابه

فإن تولّى فهو عيش مزدرى

أن حياة المرء ما عاش ترى

أحوالها مختلفات في الرؤى

كالنهر الجاري الذي تغيّرت

أوضاعه في الأرض كلما جرى

فهو لدى المنبع ضحضاح وفي

مصّبه تلقاه بحراً قد طما

بيناه يجري في الثرى منعطفاً

إذا بواديه تمطّى واستوى

طوراً كأسياف الوغى منحنياً

في الأرض ينساب وطوراً كالقنا

وربما عادت مجاريه به

راجعةً من حيث جاء القهقرى

وربما صادف غوطاً فانهوى

فيه وقد خرّ خريراً ورغا

والماء فيه قد يرى منبسطاً

وتارةً منزوياً فوق الثرى

وتارة تلقاه في مشجرة

يجري واخرى بين اصلاد الصفا

حتى إذا أبحر مجراه به

كان إلى الد أماء منه المنتهى

وهكذا أنهار أعمار الورى

تجري فتنصبّ إلى بحر الردى

وإنما العمر شباب فإذا

زال فحزن وشقاء وضنى

ما كان أحلى العيش لو أن الفتى

لم يجد الشيب إليه مختطى

ليت الفتى كالبدر في النشأة إذ

عاد هلالاً كل شهر فنما

أوليته كالشجر النابت إذ

يورق في الصيف ويعرى في الشتا

أوليت هذا الشيب أن كان ولا

بدَّ من الشيب أتى قبل الصبا

شبيبة الإنسان مرآة المنى

بدائع الآمال فيها تجتلى

والمرء فيها أن تمرأى راجياً

أبدت له مبتسماً ثغر الرجا

ويح شباب فتك الشيب به

إذ لاح كالسيف عليه منتضى

بردان هذا من وقار ونهى

حيك وهذا من تصابٍ وهوى

لكن وقار الشيب لا يعدل ما

في طيّه من لوثة ومن ونى

يا مسلياً ذا الشيب عن شبابه

بأن وخط الشيب أزهار النهى

أقصر هذا ذيك عن القول فلا

يقاس ذيّاك تاللّه بذا

وما الصبا بمانعٍ من الحجا

بل هو في الشيخ يكون والفتى

وليس من أصبح يمشي الخيزلى

في معرض السبق كما شي الهيذبي

وما إياة الشمس في تطفيلها

مثل إياة الشمس في رأد الضحا

وهل يطيب العيش للهمّ الذي

أن همّ بالنهضة خانته القوى

يبيت طول الليل في مضجعه

مستأنس السلعة وحشيّ الكرى

وإن ظهر الأرض يستثقل مَن

قام يدبّ فوقها على العصا