هي النفس أغشى في رضاها المعاطبا

هي النفس أغشى في رضاها المعاطبا

وأحمل منها بين جنبَيّ قاضِبا

تكلّفني أن أخبط الليل بالسُرى

وأن أمتطي فيه من الهَول غاربا

وتُنهضني للمجد بالعزم ماضياً

وبالهمّ مقلاقاً وبالرأي صائبا

ولم ترضَ إلاّ كالجبال مَعزّةً

ولم تهوَ إلاّ كالشموس مناقباً

إذا أنا أنزلت النجوم لأرضها

أبَتهنّ إلاّ أن يكنّ ثواقبا

وترفُض مني كل عيش منعَّم

إذا ازوَرّ ذاك العيش بالذلّ جانبا

ولم تَبغ لي إلاّ الحقيقة بُغيةً

ولم ترض لي إلاّ الكريم مصاحبا

تقول إذا أوردتها ماء مِذنَب

رد البحر بي غَمراً وخلّ المذانبا

وإني لأشكوها إليها تظلُّماً

فأرجع عنها بعد شكواي خائباً

على أن لي منها حصاةً رَزينة

قتلت بها كل الأمور تجاربا

لقد تِعبَت فيما تروم من العلا

كذلك نفس الحرّ تلقى المتاعبا

ألم تر ما لاقى ابن لبنان في العلا

من الأْين لما ساح في الأرض ضاربا

تيمَّم من بعد الحجاز تهامة

وراح إلى صنعاء يُزجي الركائبا

وجاء إلى أرض العراقين مُبحراً

وكرّ إلى مجد يجوب السَباسبا

ليجمع من أبناء يعرب شملهم

ويَقضي حقاً للمَواطن واجبا

أخو هِمّة لو مدّ باعاً إلى العُلا

لأوشك منها أن ينال الكواكبا

له قلم عزّ القرائح شاعراً

كما ابتزّ فُرسان البلاغة كاتبا

لقد زُرت نجداً يا أمين فقل لنا

أتذكر من أخبار نجد جوائبا

فما حالة الإخوان فيها فإننا

نرى الناس عنهم يذكرون الغرائبا

فهل كفَّروا من ليس يُرسل لحية

وهل فَسّقوا من ليس يحفي الشواربا

وما أنا من قوم يدينون باللحى

ولم يقبلوا إلاّ من الحَلْق تائبا

ودع عنك أخبار العراق فإنني

لأعلم منها ما يَفُوق العجائبا

فويحاً لأهل الرافدين إذ انطووا

على اليأس من نور يشُق الغياهبا

لهم ملك تأبى عِصابة رأسه

لها غير سيف التيمسيين عاصبا

لقد عاش في عزّ بحيث أذلّهم

وقد ساءهم من حيث سرّ الأجانبا

وليس له من أمرهم غير أنه

يُعَدّد أياماً ويأخذُ راتبا

تبوَّأ عرش الملك لا بحُسامه

ولا كان في يوم له الشعب ناخبا

ولكن بطيّارات قوم تطايرت

فكانت من شُواظٍ سحائبا

ألا عَدّ عمّا في العراق فإنني

أراه بأخلاق الزمان مَعايبا

معايب لو أني هتكت ستارها

لأرسلت منها للمُعاند حاصبا

فلا تحسبنْه أنه ذو حكومة

ولو ضرّبوا ظلماً عليه الضرائبا

لئن ألَّفُوا بالكذب فيه وِزارة

فإنّ بها للكاذبين مآربا

وإنيّ لأهوى الفجر إن كان صادقاً

وتُنكر عيني الفجر إن كان ماذبا

تبسّم لبنان بعَوْد أمينه

وأضحى لأذيال المسرَّة ساحبا

أخا الفضل قد آنَست لبنان حاضراً

كما كنت قد أوحشت لبنان غائبا

وما أنت إلاّ يُبهج طالعاً

ويُحزن آفاق المواطن غاربا

محّييك في بغداد إذ جئت قادماً

يحييك في بيروت إذ جئت آيبا