يصعدون بلا خيوط واضحة

ناران، واحدة تمد لسانَها للموتِ

والأُخرى، تمد يداً مقطعة الأصابع للحياة

ناران لي، لست المجوسيُ المعمدُ بالدخان

أُلاعب اللهبَ الجميل ضحى

وأقطف برتقال سحابة خضراء

قبل تفتح الأشجار في شجر الخليقة

هابطٌ، ظلي وحيدٌ كالحقيقة

لا أرى أحداً، وتعبرني الضفاف وتكتملْ

كوصية الموتى الذين تجمهروا ليروا وصاياهم

لمن وصل الترابَ معفراً بخصوبة الشهداء

أعرفهم هنا، وهناك بين وريدها

ونشيد من عبروا سراط المذبحة

هذي البقية بدء من ولدوا

وخروا شاهرين قماطهم وعلى أصابعهم

بقايا من حليب الأمهات ودمعهن المشتعلْ

هذا انحناء النائمين على وسائد ماء بهجتنا المثلثْ:

لونه العدمي والطعم المعذب في سياط الرائحة

هذا هبوطي، يصعدون

كقطة عمياء تقفز في فراغ انتباهي

ليس إلا الملح يحفر في الجراح ويستقر على شفاهي

كم سيبقى الوحش في البستان يلهث

لست انكيدو لأُتقن مهنة الترويض

ليس هو الغزالة ثديها المكتظ يقطر في فمي

بين الكهولة والفطام

ولست من نسل الظباء الشاردة

فالأرض أصغر من قفصْ

والأرض أوسع من فضاء خطى المهاجر

في المنافي الباردة

والصوت أعرفه

وأعرف من يجدف في مياهي

أرتدُ ثانية وأصعد، يهبطون كقطة ملكت عماها

كي ترى شجراً على الطرقات يمشي، ليس من أحد سواها

سوف يشهد في الهزيع هبوطهم

وسيصعدون بلا خيوط واضحة

هذا الوضوح بكف من ولدوا

على حجرين في الواد المقدس

اخلعوا النعلين كي تصلوا

خذوا العتبات للبيت اصعدوا

السفحين فوق خيوطكم

وإذا سقطتم قبل أن تصلوا الجبل

سنعيد تشييد الذي نسفته أيديكم هنا

وكفى البلاد سقوطكم

ناران تتحدان، فيها الموت أصغر من يد مرفوعة

ويد تشير على طريق، والصدى

“من هاهنا خرج الغزاة

وقفوا على أطرافها

لا شيء فيها من ملامحهم الغريبة

لا التراب ولا الجبال ولا الشجر

قدمان من خشب تنجر في خريف الغزو

من مدن بعيده

خذوا قدمي وارتحلوا، فضائي ضيق

ودمي يعود من الرصاصة للوريدِ

وأعود أجمل للحياة

خذوا جسدي وعودا مثلما جئتم من البلد البعيدِ

عودا كما جئتم غزاة

ودعوا على عشب السياجِ

براءة التين والزيتون،

لا ورق يغطي سوءة الحكماء في ليل الجريمة

وخذوا من الماء المقدس

حاجة التيه المخلّدْ

ودّعوا عسل البلاد وسمنها

في طاسة امرأة

تلملم طفلها من شارع القتل المهوّدْ

وادخلوا سينا الجديدة

دون منِّ دون سلوى

أول الطوفان يبدأ من دم الأطفال

لا بحر سيحمل مركب الأزواج

لا نوح يبارك من نجى

سيعود ثانية، تباركه الأساطير القديمة

أعمى، أصم، أخرس، لا يرتجى

سيعود ثانية

ويخرج من عباءة آخر الكهان

مستعر الهياج.