جدول المحتويات
خلدت معلقة الشاعر الجاهلي الحارث بن حلزة ذكراه في التاريخ، ومنحته مكانته بين جموع الشعراء، فنجد أن شعره عَرف الناس به، وقد تميز بن حلزة في شعره بالرزانة والدهاء، إضافة إلى الإلمام بأيام العرب وتاريخهم، وهذا ما ساعده على استمالة الملك عمرو بن هند لقومه، إليك سيرة الشاعر الحارث بن حلزة اليشكري.
نسب الحارث بن حلزة
هو الحارث بن ظليم بن حلزة بن مكروه بن يزيد بن عبد الله بن مالك بن عبيد بن سعد بن عاصم بن ذبيان بن كنانة، ويعود نسبة إلي يشكر بن وائل، وينتهي إلى أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. يُكنيه البعض بأبي ظليم، بينما يكنيه آخرون بأبي عبيدة.
كان الحارث من سادات قبيلة بكر، والتي حازت على مكانة عظيمة بين قبائل ربيعة قبل الإسلام، كما شهد حرب البسوس الشهيرة.
اشتهرت قبيلة بكر بشعرائها فنجد منها إلى جانب الحارث بن حلزة؛ طرفة بن العبد، والأعشى والمرقش الأصغر والمرقش الأكبر، بالإضافة إلى جساس بن مرة، والخرنق بنت بدر.
حياة الحارث بن حلزة
لم يذكر العلماء القدامى الكثير عن سيرة الحارث سواء المتعلقة بميلاده أو حياته أو وفاته، فقد دارت كافة المعلومات حول المعلقة التي ارتجلها بين يدي الملك عمرو بن هند، ولكن بما أنه عاش عصر عمرو بن كلثوم والملك عمرو بن هند؛ فإنه من شعراء القرن السادس الميلادي.
نعرف عن عائلة الحارث أخاه عمرو، والذي كان شاعرًا هو الآخر، وقد رثى أخاه الحارث بأبيات شعر قائلة:
يأمن الأيام مغتر بها
ما رأينا قط دهراً لا يخون
والملمات فيما أعجبها
للملمات ظهور وبطون
هون الأمر تعش في راحة
قلما هونت الا سيهون
ربما قرت عيون بشجى
مرمض قد سخنت منه عيون
وذكر أن له ابن يسمى مذعور، بالإضافة إلى ابنه عمرو.
أما فيما يتعلق بديانة ابن حلزة، فلم يرد في شعره ما يشير إلى عقيدته وديانته، ولكن رجح البعض إنه ربما كان نصرانيًا بما إن قبيلة بكر كانت نصرانية.
صفات الشاعر الحارث بن حلزة اليشكري
كان البرص من أبرز الصفات الجسمانية التي عُرفت عن الحارث، حيث أجمع عليها كافة الرواة، وهذا ما أشارت إليه قصته مع عمرو بن هند.
أما فيما يتعلق بالصفات الشخصية، فيتضح من شعره ومعلقته أنه كان حكيمًا رزينًا في حديثه، ذا شخصية قوية، يعرف كيف يراوغ وكيف يؤثر بمن أمامه، هذا بالإضافة إلى قدرته على الحديث مع الملوك للحد الذي جعله يستميل الملك عمرو بن هند، المعروف بالبطش.
كان يميز بن حلزه أيضًا إلمامه بالتاريخ والأحداث التي وقعت، هذا ما جعله يستشهد بها في شعره وحديثه، فضلًا عن اشتهاره بالفخر، حيث ضرب المثل ب الحارث بن حلزة في فخره بأهله، إذ قيل: أفخر من الحارث بن حلزة.
خصائص شعر الحارث بن حلزة
امتاز الشاعر الجاهلي بن حلزة في شعره بصفة مميزة ألا وهي سرعة البديهة، حيث كان من الشعراء القادرين على الارتجال بقوة، فكتب شعرًا قويًا مميزًا، نُظم بإحكام.
تعددت أغراض شعره، كما كان بارعًا في ذكر الأحداث التاريخية والسياسية التي مر بها العرب، وقد ذكره أبو عبيدة في قوله: “أجود الشعراء قصيدة واحدة جيدة طويلة ثلاثة نفر: عمرو بن كلثوم، والحارث بن حلزه، وطرفة بن العبد”
معلقة الحارث بن حلزة
تعد معلقة الشاعر الجاهلي ابن حلزة من أبلغ وأجود أشعار العرب، حيث انقسمت أهميتها بين الجانب الأدبي الشعري والجانب التاريخي، فيراها علماء التاريخ تحكي الكثير عن أيام العرب بلسان قريب العهد بالأحداث، فتحدث شاعرها عن حروب العرب في العصر الجاهلي، كما أشار إلى انتصار بكر على تغلب، وأيامهم مع المناذرة ملوك الحيرة.
أما فيما يتعلق بقيمتها الأدبية، فنجدها تمثل نموذجًا دقيقًا لبنية القصيدة العربية خلال العصر الجاهلي، فتحافظ على عناصرها، فيستهل الشاعر قصيدته بالغزل، ومن ثم يعقبها بوصف ناقته، كما يظهر بها الفخر بالقبيلة وانتصاراتها، ورده على إدعاءات تغلب.
كما انتقل بن حلزة إلى مدح الملك، وتذكيره بصلة القرابة مع قبيلته، وقد تمثلت فيها الكثير من صفات الحكمة، فقد عرض فيها أشعاره بالمنطق، ووجه دفة الحديث إليه بدبلوماسية وبلاغة وإيجاز، ومن ثم نجح في مهمته واستطاع استمالة عمرو بن هند لقومه، ويرى الأصمعي أن الحارث قال معلقته بعد أن تجاوز المائة وثلاثين عامًا، وربما هذا ما أكسبها تأثيرها.
ونظرًا لما تمثله المعلقة من أهمية أدبية قيمة، أهتم العديد من العلماء القدماء والمحدثين بشرحها، ومن بينهم:
- أبو بكر محمد بن قاسم الأنباري.
- ابن النحاس.
- الخطيب التبريزي.
- الحسين بن أحمد الزوزني.
- أحمد بن الأمين الشنقيطي.
سبب كتابة الحارث لشعر المعلقات
قال ابن حلزة معلقته ارتجالًا بين يدي الملك عمرو بن هند ردًا على عمرو بن كلثوم الذي بالغ في مدح قومه وفخره بهم أمام الملك، ويُروى أن عمرو بن هند قد حاول أن يصلح بين بكر وتغلب، ثم أخذ من كل حي مائة غلام للغزو معه، فمات الكثير من غلمان تغلب وسلم غلمان بكر، فأرادت تغلب أن تأخذ الدية من بكر، فرفضت بكر.
اتجهت تغلب إلى عمرو بن كلثوم الذي كان سيد قومه، واتجهت بكر إلى النعمان بن هرم اليشكري، ثم اتجه الجمعان نحو الملك عمرو بن هند، وكان في عمرو ميل نحو تغلب، فسلط غضبه نحو بكر، وحينها ارتجل الحارث القصيدة متكئًا على قوسه غاضبًا فقيل أن القوس خرق كفه دون أن يشعر.
اجتمعت في قصيدته أنماط من الحكمة والاتزان والنضج حيث يقال إن عمره حينها كان يفوق المائة، وبسحر شعر بن حلزة مال عمرو بن هند إلى بكر، وقضى لهم على تغلب، كما أدنى ابن حلزة منه، وكان به وضح أي برص.
ولكن هناك رواية أخرى تقول إنه لم يرتجل القصيدة وإنما قد نظمها من قبل، لكون القصيدة مرتبة تنم عن تفكير وترتيب، وهذا ما يذهب إليه عميد الأدب العربي طه حسين.
لذا فتشير الآراء أنه كتبها ثم رواها أناس من بعده، لكنه كره أن ينشدها للملك هو وراء سبعة ستور ثم يُغسل أثره بالماء لما به من برص، ويبدو أن ذلك كان نهجهم في التعامل مع أصحاب البرص، لكن حين طرد الملك شاعر بكر، لم يجد الحارث بدًا من إلقاء قصيدته خوفًا على قومه، وحينها أعجب بها عمرو بن هند، ثم رفع الستور بينهما وقربه منه دون أن يغسل أثره بالماء.
كما رأى بعض العلماء أن الإشارة إلى ارتجال بن حلزة لقصيدته بمثابة الرد على المزاعم التي تشير إلى ارتجال عمرو بن كلثوم لجزء من معلقته، وبالتالي يتساوى الشاعران، فيرون أن هذا لا يتماشى مع المنطق حيث أن معلقة ابن حلزة مرسومة بدقة وكأنها لوحة فنية تحكي حوادث التاريخ، وتُظهر دهاء شاعرها وتنسيقه لأفكارها، لهذا لا تبدو وليدة ساعتها كما يقولون.
مطلع معلقة الحارث بن حلزة
يقول ابن حلزة في مطلع معلقته الشهيرة متحدثًا عن فراق حبيبته أسماء، التي أعلنت فراقها أو عزمها على الفراق بعد طول عهده بها، ثم يكمل مشيرًا بأن هناك أناس تمل مقامهم، لكن أسماء ليست منهم، فهو لا يمل بقائها أبدا، حيث كتب:
آذنتنا ببينها أسماء
رب ثاو يمل منه الثواء
بعد عهد لنا ببرقة شماء
فأدنى ديارها الخلصاء
عتاب الحارث بن حلزة بني تغلب
يقول الشاعر الجاهلي بن حلزة معاتبًا تغلب بأنهم يخلطون بين البريء والمذنب:
إن إخواننا الأراقم يغلون
علينا في قيلهم إحفاء
يخلطون البريء منا بذي
الذنب ولا ينفع الخلي الخلاء
أجمعوا أمرهم بليل فلما
أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
من مناد ومن مجيب ومن
تصهال خيل خلال ذاك رغاء
مدح الحارث بن حلزة لعمرو بن هند
مدح الحارث الملك عمرو في معلقته، حيث ألقاها بين يديه حين اختصمت القبيلتان، فنجده يقول:
فملكنا بذلك الناس حتى
ملك المنذر بن ماء السماء
ملك أضلع البرية لا يوجد
فيها لما لديه كفاء
أشار الحارث في معلقته إلى عدد من الأحداث التاريخية المتعلقة بالصلح بين بكر وتغلب، حيث يقول:
واذكروا حلف ذي المجاز
وما قدم فيه العهود والكفلاء
شعر الفخر في معلقة الحارث بن حلزة
احتوت معلقة الحارث على مظاهر فخره بقومه، وتغنيه بأمجادهم في الحرب والسلم على السواء، حتى ضُرب به المثل في الفخر، فيقول:
هل علمتم أيام ينتهب الناس
غوارًا لكل حي عواء
إذ رفعنا الجمال من سعف البحرين
سيرًا حتى نهاها الحساء
لقراءة المعلقة كاملة: آذنتنا ببينها أسماء
خصائص معلقة الحارث بن حلزة
تناولت معلقة بن حلزة اليشكري عدد من الأغراض، وقد اتبع النهج السائد في الشعر الجاهلي حيث تناول الغزل، وبعض أوصاف الناقة، ثم أتى إلى الغرض الأساسي وهو ما دار بين بكر وتغلب من خصومة.
لذا تعتبر معلقته نوعًا من الشعر الخطابي المميز الذي يجعل منها مثالًا قويًا للشعر السياسي الذي يتخلله الدهاء خلال العصر الجاهلي.
بحر معلقة الحارث بن حلزة
كتب الحارث معلقته في أربعة وثمانين بيتا على بحر الخفيف، وكانت قافيتها الهمزة المضمومة، وقد امتازت بالجانب الخطابي، حيث كُتبت ارتجالًا.
ديوان الحارث بن حلزة
للحارث بن حلزة عدد من القصائد بخلاف معلقته الشهيرة، وقد جُمعت في ديوان، ومن بين إقتباسات الحارث بن حلزة الآتي:
من حاكم بيني وبين
الدهر مال علي عمدا
أودى بسادتنا وقد
تركوا لنا حلقا وجردا
ولقد رأيت معاشرا
قد جمعوا مالا وولدا
وهم زباب حائر
لا يسمع الآذان رعدا
فانعم بجد لا يضرك
النوك ما أعطيت جدا
يمكنك قراءة القصيدة كاملة: ولو ان ما يأوي إليي
وفاة الحارث بن حلزة
كان ابن حلزة من المعمرين، حيث قيل إنه مات عن عمر يناهز مائة وخمسين عامًا، كما كان ملمًا بأخبار العرب وأيامهم، وما شهدوه من أحداث وحروب وصلح.
وقد اختلف العلماء حول تاريخ وفاته حيث لم يُذكر عن تفاصيل حياته الكثير، ولكن بما أنه حضر التحكيم بين قبيلتي بكر وتغلب لدى عمرو بن هند، والذي كان ما بين عام 566 إلى 568 م، وبإضافة عشر سنوات قد عاشها بعد المعلقة؛ فربما يكون قد مات عام 580م، بينما يذهب البعض أنه توفي 570م.
الأسئلة الشائعة
لماذا ارتجل الحارث بن حلزة معلقته؟
حاول الملك عمرو بن هند إبرام الصلح بين بكر وتغلب، وقد حضر ابن حلزة هذا المجلس، ثم وجد ميلًا من الملك نحو تغلب، فتدخل وارتجل معلقته لينقذ قومه، وبالفعل تمكن بحكمته ودهائه من استمالة عمرو بن هند.
ما العلاقة بين معلقة الحارث بن حلزة ومعلقه عمرو بن كلثوم؟
يقال إن الحارث بن حلزة ارتجل معلقته ردًا على معلقة عمرو بن كلثوم، فقد أُلقيتا في حضرة عمرو بن هند، كُل لنصرة قبيلته.
ما هو مرض الحارث بن حلزة؟
كان الحارث بن حلزة أبرص، وقد مثل له هذا المرض صعوبة خاصة في حضور المناظرات الشعرية أمام الملوك.
من هو الحارث بن حلزة؟
هو الحارث بن حلزة البكري الوائلي، والذي يعد من أشهر أصحاب المعلقات، كما كان من سادة بكر، وقد كان شاعرًا مميزًا حكيمًا، لديه من صفات الدهاء والرزانة الكثير، كما كان ملمًا بأيام العرب والأحداث التاريخية، وقد شهد حرب البسوس.
المراجع
الأعلم الشنتمري: أشعار الشعراء الستة الجاهليين.
الزوزني: شرح المعلقات السبع.
أحمد الأمين الشنقيطي: المعلقات العشر وأخبار شعرائها.
الحارث بن حلزة: المكتبة الشاملة
ديوان الحارث بن حلزة: شرح وتحقيق جان عبد الله توما.
ابن قتيبة: الشعر والشعراء، المكتبة الشاملة.