جدول المحتويات
يُنظر إلى زهير بن أبي سلمى أنه أشعر الشعراء، حيث نبغ في الشعر وتميز أسلوبه بالحكمة والدعوة إلى السلم والأخلاق والقيم، كما ظهرت في القصائد النزعة الإيمانية رغم عدم إدراكه للبعثة، كما خلت من مظاهر التعصب المنتشرة في الشعر الجاهلي. إليك سيرة حكيم الشعراء زهير بن أبي سلمى وما قاله عنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب.
نسب زهير بن أبي سُلمى
هو زهير بن ربيعة بن رباح بن قرة بن الحارث بن مازن بن ثعلبة بن هرمة الأصم بن عثمان بن عمرو بن أد، من مزينة، ولقبه أبي سُلْمى، ويعود نسبه إلى مضر بن نزار بن معد بن عدنان، ودليلنا على نسبه ما قاله ولده كعب:
هم الأصل مني حيث كنت وإنني
من المزنّيين المصفّيين بالكرم
لكن على الرغم من أصله المزني؛ عاش زهير بعيدًا عن موطنه في قبيلة غطفان تحت رعاية أخواله، حيث كانت أمه غطفانية، ولربما أثرت تلك الغربة النفسية والمكانية على نشأته وشخصيته، فقد أكسبته جانبًا إنسانيًا، وسمت بنفسه وأخلاقه، وهذا ما انعكس على شعره وقصائده، وقد شهدت منازل بني غطفان تدوين المعلقة الشهيرة، معلقة زهير بن أبي سلمى.
أثر نشأة زُهير بن أبي سُلمى في نفسه وشعره
إن مشاعر الاغتراب وافتقاد دفء العشيرة أثرت في نفس ابن أبي سلمى ، فعانى الغربة والقسوة، ولكن هذا ما خلق نزعته الإنسانية في شعره، والتي ظهرت في دعوته للسلم ورفضه للحرب، فقد سمت تلك النشأة بإنسانية زهير وانعكست على ألفاظه، ومنهجه.
كما ساهم هذا الاغتراب عن القبيلة في تحرر زهير من اتجاهات المجتمع القبلي والحياة العربية آنذاك، فكان حرًا لا يوجه شعره رابطة دم أو عصبية قبلية، فلا يطغى ولا يتعصب ولا يفخر، مما خلق تجربة شعرية إنسانية مميزة.
نشأ زهير في بيت محب للشعر، وهذا ما أثر في شخصيته، وخلق داخله حب الشعر، حيث كان أبيه شاعرًا، وزوج أمه أوس بن حجر التميمي شاعرًا مميزًا هو الآخر، وقد تأثر به زهير، كما روى شعره.
قال ابن الأعرابي عن ظاهرة وراثة الشعر في عائلته: “كان لزهير في الشعر ما لم يكن لغيره؛ كان أبوه شاعرًا، وخاله شاعرًا، وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة، وابن ابنه المضرب بن كعب شاعرًا”.
تأثر زهير بخاله الشاعر بشامة بن الغدير، والذي حاز على مكانة مميزة في قومه في غطفان، حيث كان أشعر غطفان في عصره، وكان صاحب رأي وحكمه، بالإضافة إلى ثرائه، فكانوا يأخذون برأيه حتى في غزواتهم، ويقاسمونه الغنائم عند عودتهم، فنشأ في كنف بشامة، وتأثر بشعره وحكمته، وبالكثير من صفاته.
ورث زهير شعر خاله لا ماله، فيحكى أنه حين حضر بشامة الموت وبدأ في تقسيم أمواله بين أهله، جاء زهير وقال له: “يا خالاه، لو قسمت لي من مالك؟ قال: قد والله، يا ابن أخت، قسمت لك أفضل من ذلك وأجزله. قال: ما هو؟ قال: شعري ورثنيه…”
وبالنظر إلى تأثر زهير بعائلته، نجد أنه كان متلقيًا جيدًا حيث تعلم من بشامة بن الغدير وأوس بن حجر، فوضع يده على مكامن الإبداع والبراعة لديهم، ومن ثم وظفها وفقًا لتجربته وشخصه؛ فصار صاحب مدرسة شعرية مميزة، وتتلمذ على يده عدد من الشعراء.
حياة زهير بن أبي سلمى
ينادي زهير في شعره مرددًا اسم “أم أوفى” وهي زوجته الأولى، والتي مات جميع أولادها، فتزوج زهير من أم ولده كبشة بنت عمار بن عدي بن سحيم الغطفانية، وعلى الرغم من محبته لأم أوفى ولكن غيرتها من زواجه جعلته يطلقها مكرهًا، فقال حينها:
لقد باليت مظعن أم أوفى
ولكن أم أوفى ما تبالي
يمكنك الاطلاع على قصيدة: لعمرك والخطوب مغيرات
وعلى الرغم من الطلاق لم تستقم علاقته بكبشة لأن حب أم أوفى لم يتركه، وهذا ما أزعج زوجته الثانية التي عاتبته، فعبر عن ذلك العتاب في شعره قائلًا:
رَأَيتُكَ عِبتَني وَصَدَدتَ عَنّي
وَكَيفَ عَلَيكَ صَبري وَاِصطِباري
فَلَم أُفسِد بَنيكَ وَلَم أُقَرِّب
إِلَيكَ مِنَ المُلِمّاتِ الكِبارِ
فرد زهير مدافعًا عن نفسه بقوله:
أَقيمي أُمَّ كَعبٍ وَاِطمَئِنّي
فَإِنَّكِ ما أَقَمتِ بِخَيرِ دارِ
يمكنك أن تقرأ القصيدة: وقالت أم كعب لا تزرني كاملة
ابناء زهير بن ابي سلمى
أنجبت كبشة الغطفانية كعب وبجير وسالم، وكان كعب قد اشتهر بقصيدة البردة في مدح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينما مات سالم في حياة أبيه، وقد أثر ذلك الحادث في نفس زهير، فعبر عن حزنه وفقدانه لأبنه من خلال شعره، حيث كان الشعر هو وسيلته للتعبير عما يكمن في صدره من مشاعر، فقال:
لَعَلَّكِ يَوماً أَن تُراعي بِفاجِعٍ
كَما راعَني يَومَ النُتاءَةِ سالِمُ
يُديرونَني عَن سالِمٍ وَأُديرُهُم
وَجِلدَةُ بَينَ العَينِ وَالأَنفِ سالِمُ
أخلاق زُهير بن أبي سُلمى
عُرف عن الشاعر الجاهلي زهير قيمه وتمسكه بالأخلاق في عصر مظلم، فكان يتجنب وحشي الكلام، ويبتعد عن السخف والغي، كما عرف عنه الورع والحكمة، كما كان من أميز الشعراء.
روي عنه إنه كان محبًا للجميع، يرحب بالسائل حتى إن الناس يجتمعون حول داره، ولا يرد منهم أحد.
الأدب في العصر الجاهلي
مثل الشعر الجاهلي الينبوع الأول الذي يعتمد عليه الشعراء والدارسون والباحثون، حيث يمثل الصورة الأولى الكاملة والناضجة للشعر العربي، كما يعكس سمات القصيدة العربية النموذجية متكاملة العناصر والأركان، ولعل من أفضل آثار هذا العصر هي المعلقات السبع التي أوضحت ما توصل إليه شعراء العصر الجاهلي من إبداع وبلاغة وفصاحة، ومن بين تلك المعلقات معلقة زهير بن أبي سلمى التي تجلت فيها معاني الحكمة والفكر الرصين.
تأثر الأدب في العصر الجاهلي بالأحداث السائدة فيه من حروب وقتال، والسعي إلى الأخذ بالثأر، وهذا ما أثرى الشعر، حيث بدأ الشعراء يتبارون بأشعار الفخر بأمجاد القبيلة، أو هجاء القبيلة المعادية، كما تواجد شعر التحريض على الحرب.
وقد عاش زهير بن ابي سلمى في بلاد غطفان والتي شهدت حالة من العداء الشديد والحرب بين قبيلتي عبس وذبيان.
وقد أثرت هذه الحروب في شعر زهير، الذي دعا فيه إلى السلم بين كلا القبيلتين المتناحرتين، فظهرت حكمة زهير، وميله للسلم ووقف الحرب.
خصائص شعر زهير بن أبي سُلمى
عُرف عن شعر زهير تميزه وفصاحته ووضوحه، وهذا ما تناقله العرب عنه حين قالوا: “وهو أحد الثلاثة المتقدمين على سائر الشعراء… فأما الثلاثة فلا اختلاف فيهم، وهم: امرؤ القيس، وزهير، والنابغة الذبياني”، كما قدم أهل البادية والحجاز زهير عن كافة شعراء عصره، فقالوا إن زهير هو أشعر الشعراء.
كان زهير متبعًا للمدرسة الأوسية ومتأثرًا بها، ومن بعدها صار له مذهب ومدرسة، ألا وهي المدرسة الزهيرية، ومن تلاميذها: كعب والحطيئة.
عُرف عن شعره حسن انتقاء الكلمات والألفاظ، بالإضافة إلى تنقيحه للعبارات، حيث كان فصيحًا ينتقي ألفاظه، فضلًا عن ظهور رأيه واضحًا في أشعاره، كما عُرف عنه أيضًا ميله نحو المعاني اللطيفة والمثل، وطغيان الحكمة على شعره، مما أنتج شعرًا فخمًا مهيبًا هادئًا ، كأنه ينسج الأشعار من قلبه.
كتب زهير شعرًا موزونًا سلسًا وكأنه نسيج واحد لا غرائب به، حيث نأى في شعره عن التعقيد والاعتماد على الألفاظ الغريبة، كما أن شعره كان صادقًا، فلم يغال في المدح، ولم يمدح أحد إلا بما فيه، هذا بالإضافة إلى عدم المغالاة في الهجاء أيضًا.
كان يهتم زهير بالمعنى والصورة واختيار الألفاظ المناسبة، فكان يسمي قصائده الكبرى بالحوليات، فيقضي حولًا (عامًا) يكتب قصائده، فيكتب القصيدة خلال أربعة أشهر، ثم يهذبها في أربعة أشهر أخرى، ثم يعرضها على رفاقه من الشعراء في أربعة أشهر، وهذا وفقًا لما قاله الأصمعي:
“زهير والحطيئة وأشباههما عبيد الشعر، لأنهم نقحوه، ولم يذهبوا مذهب المطبوعين، وكان زهير يسمي كبرى قصائده الحوليات”.
لم يظهر في شعر زُهير التعصب القبلي، فضلًا على خلو شعره من الخمر، فقد حرمها على نفسه في الجاهلية، وهناك من شعره ما يثبت إيمانه بالبعث، حيث يقول:
يؤخر فيوضع في كتاب فيُدخَّر
ليوم الحساب أو يعجَّل فينقم
كان زهير صاحب شعر متزن غير مفتعل، يتسم بالحكمة وصدق الشعور، بالإضافة إلى البلاغة والإيجاز، الممزوج بقوة التعبير وسهولة المعاني، لذا كان زهير صاحب اتجاه مميز منفرد غني بالقيم ، فحق له أن يكون شاعر السلام وحكيم الشعراء.
أقوال الشعراء في زهير بن أبي سلمى
إن زهير بن أبي سلمى من الكتاب الذين أجمع على إبداعهم الكثير من الشعراء في مختلف العصور، حيث نجد الأصمعى يقول عنه: “كفاك من الشعراء أربعة، زهير إذا طرب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا غضب وعنترة إذا كلب”.
بينما قال عكرمة بن جرير: “قلت لأبي: يا أبتي، من أشعر الناس؟. قال أعن الجاهلية تسألني أم عن الإسلام؟، قلت: ما أردت إلا الإسلام، فإذا ذكرت الجاهلية، فأخبرني عن أهلها، قال: زهير أشعر أهلها…”، أما حين سُئل العباس بن الأحنف بن قيس عن أشعر الشعراء، أجاب زهير.
معلقة زهير بن أبي سلمى
تعد معلقة زهير بن أبي سلمى من أهم وأميز المعلقات، نظرًا لما تنص عليه من نصوص الحكمة، والموعظة والأخلاق والقيم التي تتشابه مع أقوال الحكماء وكلام الأنبياء، فحق له أن يُعرف بحكيم العرب.
ونجد وراء تلك المعلقة حكاية نرويها، حيث عاصر زهير حرب داحس والغبراء ما بين قبيلتي عبس وذبيان، وقد شهد آثار الحرب وما أراقته من دماء، وما خلفته من فقر ودمار وفراق، لذا دعم محاولات الصلح التي تزعمها الحارث بن عوف وهرم بن سنان، فكتب زهير معلقته مادحًا إياهما نظرًا لرغبتهما في الصلح بين عبس وذبيان، وسعيهما نحو إيقاف الحرب، كما أنهما تحملا الدية من مالهما الخاص، وهذا ما تماشى مع قيم زهير، فكتب معلقته.
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
أثر شعور زهير بالاغتراب في تجربته الشعرية، حيث اختلطت لديه العديد من المشاعر الإنسانية التي هذبت شعره ونفسه، فنشأ محبًا للسلم تظهر عليه علامات الاتزان والوقار، باغضًا للحرب وما تسببه في النفس من أحزان، وكان يعبر عن مدى ارتباطه بالأماكن وشوقه إليها من خلال شعره، فنجده يقول في مطلع معلقته واقفًا على الأطلال
كعادة شعراء العصر الجاهلي:
أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِ
بِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ
وَدارٌ لَها بِالرَقمَتَينِ كَأَنَّها
مَراجِعُ وَشمٍ في نَواشِرِ مِعصَمِ
فنجده يذكر العديد من أسماء الأماكن ومنها جومانة الدراج والرقمتين، كما يذكر ما آلت إليه ديار الحبيبة التي هُجرت منذ سنوات.
كما أشار في معلقته أيضًا إلى معان السلام والأمن التي يسعى إليها، كما مدح موقف رجلين أوقفا الحرب الضروس بين عبس وذبيان، فقال:
يمينًا لنعم السيدان وجدتما
على كل حال من سحيل ومبرم
تداركتما عبسًا وذبيان بعدما
تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
وقد قلتما إن ندرك السلم واسعًا
بمال ومعروف من القول نسلم
فأصبحتما منها على خير موطن
بعيدين فيها من عقوق ومأثم
الحكمة في شعر زهير بن ابي سلمى
يتخلل المعلقة شعر الحكمة التي اشتهر به زهير، فيقول:
ومن هاب أسباب المنية يلقها
ولو رام أسباب السماء بسلم
ومن يغترب يحسب عدوًا صديقه
ومن لا يكرم نفسه لم يكرم
يذكر زهير بمعلقته خلاصة حياته، وما ناله من خبرة من طول عمره، وهو من عاش الغربة والحروب ومصاعب الحياة، فيقول:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولا لا أبا لك يسأم
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب
تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
يمكنك الآن قراءة المعلقة كاملة: أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
غزل زهير بن ابي سلمى
يميل الباحثون لاعتبار أن زهير لم يكن من ضمن طائفة الشعراء العشاق الذين أنهكهم الحب، وإنما كتب في
الغزل موضحًا قدرته على الوصف والتصوير، حيث كان الغزل ووصف الحبيب والوقوف على الأطلال من سمات شعراء عصره، حيث صف زهير أثر الحب على النفس والتحرر منه، قائلًا:
صَحا القَلبُ عَن سَلمى وَقَد كادَ لا يَسلو
وَأَقفَرَ مِن سَلمى التَعانيقُ فَالثِقلُ
أقرأ القصيدة كاملة من هنا: صحا القلب عن سلمى
ثم يقول زهير واصفًا شعوره بعد فراق الأحبة والدموع تتساقط مثل تساقط اللؤلؤ المعقود :
كَأَنَّ عَيني وَقَد سالَ السَليلُ بِهِم
وَعَبرَةٌ ما هُمُ لَو أَنَّهُم أَمَمُ
غَربٌ عَلى بَكرَةٍ أَو لُؤلُؤٌ قَلِقٌ
في السِلكِ خانَ بِهِ رَبّاتُهُ النُظُمُ
يصف زهير بن ربيعة أثر ظهور محبوبته التي تزيد الشوق داخله، كما يشبهها بالظبية، فيقول:
قامَت تَراءى بِذي ضالٍ لِتَحزُنَني
وَلا مَحالَةَ أَن يَشتاقَ مَن عَشِقا
بِجيدِ مُغزِلَةٍ أَدماءَ خاذِلَةٍ
مِنَ الظِباءِ تُراعي شادِناً خَرِقا
ثم يكمل زهير في وصف المرأة بمعان بديعة مقتبسة من جمال مظاهر الطبيعة، حيث يشبه جمال عيونها بعيون
المها، فيقول:
تَنازَعَها المَها شَبَهاً وَدُرُّ
النُحورِ وَشاكَهَت فيها الظِباءُ
فَأَمّا ما فُوَيقَ العِقدِ مِنها
فَمِن أَدماءَ مَرتَعُها الخَلاءُ
وَأَمّا المُقلَتانِ فَمِن مَهاةٍ
وَلِلدُرِّ المَلاحَةُ وَالصَفاءُ
أقرأ قصيدة: عفا من آل فاطمة الجواء كاملة
شعر زهير بن أبي سلمى في البعث
تحلى الشاعر الجاهلي زهير بن ابي سلمى بعدد من الصفات غير المنتشرة قبل الإسلام، ويظهر ذلك من خلال تمسكه بالقيم، وإيمانه بالبعث والحساب، وظهور النزعة الإيمانية والتوجه الديني في شعره، وهذا ما عكسته أشعاره، فيقول:
فلا تكتمن الله مافي نفوسكم
ليخفى ومهما يُكتم الله يعلم
كما يقول أيضًا معبرًا عن تفهمه لحقيقة الدنيا ومآلها:
بَدا لِيَ أَنَّ اللَهَ حَقٌّ فَزادَني
إِلى الحَقِّ تَقوى اللَهِ ما كانَ بادِيا
بَدا لِيَ أَنَّ الناسَ تَفنى نُفوسُهُم
وَأَموالُهُم وَلا أَرى الدَهرَ فانِيا
أَلا لا أَرى عَلى الحَوادِثِ باقِيا
وَلا خالِداً إِلّا الجِبالَ الرَواسِيا
وَإِلّا السَماءَ وَالبِلادَ وَرَبَّنا
وَأَيّامَنا مَعدودَةً وَاللَيالِيا
أَلَم تَرَ أَنَّ اللَهَ أَهلَكَ تُبَّعاً
وَأَهلَكَ لُقمانَ بنَ عادٍ وَعادِيا
وَأَهلَكَ ذا القَرنَينِ مِن قَبلِ ما تَرى
وَفِرعَونَ جَبّاراً طَغى وَالنَجاشِيا
يمكنك قراءة قصيدة: ألا ليت شعري هل يرى الناس ما أرى كاملة
هل أسلم زهير بن أبي سلمى؟
لم يعش زهير بن أبى سلمى بعثة الرسول – صلى الله عليه وسلم- إذا مات قبل البعثة بعام، ويروى أنه رأى في منامه أن آتيا حمله إلى السماء، وقد اقترب حتى كاد أن يلمسها، ثم تركه؛ فسقط على الأرض، وحين حضره الموت حكى تلك الرؤية لولده كعب، فأخبره حينها: “إني أشك أنه كائن من خبر السماء بعدي، فإن كان فتمسكوا به وسارعوا إليه”.
وبالنظر إلى شعر زهير وما عكسه من قيم وأخلاق وحكمة وإيمان بالبعث والحساب؛ رأى البعض أنه تأثر بالنصرانية والتي كانت منتشرة في جزيرة العرب، بينما يقول عنه ابن قتيبة: “كان زهير يتأله ويتعفف في شعره”.
كما رأى البعض أنه ممن اتبعوا الحنيفية في قبل بعثة النبي وتخلوا عن عبادات الآباء.
زهير بن أبى سلمى وعمر بن الخطاب
مدح سيدنا عمر بن الخطاب شعر زهير، فقال في وصفه: إنه أشعر الشعراء؛ لأنه كان لا يعاظل بين القول، ولا يتبع وحشي الكلام، ولا يمدح الرجل إلا بما هو فيه”.
كما أعجب أمير المؤمنين عمر ببيت شعر لزهير يقول فيه:
فإن الحق مقطعه ثلاث
يمين أو نفار أو جلاء
فقاله عنه عمر بن الخطاب حينها: “لو أدركته لوليته القضاء لحسن معرفته ودقة حكمه”
وفاة زهير بن أبي سُلمى
توفي زهير بن أبي سلمى عام 609م تقريبا قبل بعثة النبي محمد-صلى الله عليه وسلم- بعام، فكان من المعمرين، وقد رثته أخته الخنساء قائلة:
وما يغني توقي المرء شيئا
وعلا عقد التميم ولا الغضار
إذا لاقى منيته فأمسى
يساق به وقد حق الحذار
ولاقاه من الأيام يوم
كما من قبل لم يخلد قدار
الأسئلة الشائعة
بماذا لقب زهير بن أبي سلمى؟
لقب زهير المازني بحكيم الشعراء، كما وصفه الكثيرون بأنه أشعر شعراء العصر الجاهلي.
ماذا قال النبي عن زهير بن أبي سلمى؟
رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- زهير وقد جاوز مائة سنة، وحينها قال جملته الشهيرة: “اللهم أعذني من شيطانه”.
من هو زهير بن أبي سلمى؟
هو أحد أهم شعراء العصر الجاهلي، وهو صاحب المعلقة الشهيرة، معلقة زهير بن أبى سلمى، وقد أشتهر بأسلوبه المميز وخصائص شعره، واتباعه منهجية مختلفة في عصره، حيث تقوم القصائد على التوازن والوضوح وعدم المغالاة، ونبذ التعصب.
المراجع
الأعلم الشنتمري: أشعار الشعراء الستة الجاهليين، الجزء الأول، شرح وتعليق محمد عبد المنعم خفاقي.
مصطفى صادق الرافعي: تاريخ آداب العرب، الجزء الثالث، دار الكتب العلمية، بيروت.
عصام لطفي صباح: التلقي والتأويل في شعر زهير بن أبي سلمى.
الزوزني: شرح المعلقات السبع للزوزني، المكتبة الشاملة.
ديوان زهير بن أبي سلمى: شرح وتقديم علي حسن فاعور.
ديوان زهير بن أبي سلمى: شرح وتقديم عمر فاروق الطباع.
مصطفى الغلاييني: رجال المعلقات العشر، المكتبة الشاملة.
خير الدين الزركلي: الأعلام، الجزء 3.
علي الجندي: في تاريخ الأدب الجاهلي.