قائمة المحتويات
يقال إن الإنسان سيرة، يفنى ويبقى أثره، ولا يرتبط عمق الأثر بطول عمر المرء، وإنما بما يخلفه من إرث، وقد ترك الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد إرث شعري مميز بالرغم من أنه لم يعش أكثر من عقدين، لكن شعره جعل الشعراء والعلماء يضعونه على رأس قائمة أشعر شعراء العرب، نظرًا لما عكسته أشعاره ومعلقته من معان عميقة وتصويرات مميزة، إليك سيرة أبرز شعراء المعلقات الذي قتله شعره، طرفه بن العبد.
نسب طرفة بن العبد
هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، وينتهي نسبه إلى معد بن عدنان.
قيل إن اسمه الحقيقي عمرو، أما عن تسمية طرفة، فربما تعود إلى حدث معين أو بيت شعر.
أسرة طرفة بن العبد
ولد طرفة فيما يقرب من سنة(86 ق.هـ – 538م) في بادية البحرين شرق الجزيرة العربية، والممتدة من عمان وحتى حدود العراق، والتي كانت خاضعة لحكم ملوك الحيرة.
كانت أسرة طرفة غنية عريقة، عُرف عنها العزة والقوة والشرف، كما حازت على مكانة عالية بين العرب، وقد كان جده سفيان من كبار العرب، لكنه عاش مرارة الفراق صغيرًا، حيث مات والده وهو ما يزال طفلًا، وبالتالي لم تجمعه رابطة بالعائلة حيث نشأ في كنف أعمامه؛ فلم يجد أب يوجه حياته، فانصرف إلى اللهو والإنفاق، وهذا ما لم يعجب أعمامه، فضيقوا عليه وسلبوه حقه، وظلموا أمه، وكان اسمها وردة، وقد وجد طرفة في الشعر وسيلته للتعبير عما يجول
في نفسه وخاطره من غضب، حيث عبر عن مقدار الظلم الواقع عليهما في شعره، فقال:
ما تَنظُرونَ بِحَقِّ وَردَةَ فيكُمُ
صَغُرَ البَنونَ وَرَهطُ وَردَةَ غُيَّبُ
قَد يَبعَثُ الأَمرَ العَظيمَ صَغيرُهُ
حَتّى تَظَلَّ لَهُ الدِماءُ تَصَبَّبُ
وَالظُلمُ فَرَّقَ بَينَ حَيَّي وائِلٍ
بَكرٌ تُساقيها المَنايا تَغلِبُ
لقراءة القصيدة كاملة: ما تنظرون بحق وردة فيكم
ظهرت أمارات الشعر في عائلة طرفة، فكان خاله الشاعر جرير بن عبد المسيح المعروف بالمتلمس، والذي اعتبره النقاد من شعراء الطبقة الثانية، بينما كان عمه الشاعر المرقش الأصغر كما كان الشاعر المرقش الأكبر من عائلته، فتأثر من كلا العائلتين، ونشأ محبًا للشعر، بليغًا في كتابته، جريئًا في الهجاء، ولكن لم يُعرف عن نشأة طرفة الكثير للحد الذي يجعلنا نفهم مدى عمق هذا التأثير بشعره.
لكن فيما يبدو أن ظلم العشيرة خلق داخله روح متمرد، فلم يخضع لأوامرهم، وبدأ في التمرد على كل أعراف القبيلة، فانصرف بكل قوته نحو الملذات.
وقد استشعر طرفة وحدته بين أهله، وحينها دون بيت شعر بليغ يحمل تشبيهًا مؤلمًا لترك أهله له، حيث يصور نفسه بالبعير الأجرب، فيقول:
إلى أن تحامتني العشيرة كلها
وأفردت إفراد البعير المعبد
حياة طرفة بن العبد
عُرف عن طرفة اعتداده بنفسه وكبريائه، وكان ذكيًا، يحب الشعر ويعتز به، فاتسم شعره بالجرأة، كما حركه جنون الشباب، فكان يحب اللهو والخمر، ولا يسلم من لسانه أحد، وقد صدق قول خاله به حيث قال يومًا: “ويل لهذا الفتى من لسانه”.
بدأ طرفة يتنقل بين بقاع الأرض بعدما ضاق به أهله لشدة لهوه وإسرافه، فسئم العتاب وتنقل بين القبائل، فوصل إلى اليمامة ومدح قتادة بن سلمة الحنفي، ثم اتجه إلى اليمن، ومن بعدها إلى الحبشة، ومن ثم داعبه الحنين إلى وطنه، فعاد، ومنحه أخوه معبد مالًا، ثم أنفقه على ملذاته.
التقى بملك الحيرة عمرو بن هند، الذي كان يحب الشعر، ويقرب إليه الشعراء، ويغدق عليهم الأموال، فصار طرفة من ندمائه، وحاشية ولي عهده قابوس، وعاش في بلاطه واستقرت به الأمور.
ولسوء حظ طرفة أنه شرب يومًا في مجلس عمرو بن هند، ومن ثم ظهرت أخت عمرو، فتغزل بها بن العبد، مما أثار غضب عمرو، وقيل إنه وضعه تحت إقامة جبرية، يحرسه قابوس، وكان بيت الشعر الذي أودى به يقول:
ألا يَا ثاني الظَبْيِ
الّذي يَبْرقُ شَنَفاهُ
وَلَوْلا المَلِك القَاعِد
قَدْ إِلثمني فَاهُ
لم يكن طرفة راضيًا عن استبداد عمرو وقابوس وتجبرهم، فنظم قصيدة هجاء في كليهما، وهي ما أدت إلى قتله.
خصائص شعر طرفة بن العبد
بالرغم من صغر سن طرفة، لكنه كان شاعرًا بارعًا يطغى على شعره الحكمة والرزانة، ثم يخلطها بالطيش واللهو في مزيج غريب، حتى في هجائه، كان كثير الهجاء لكنه لم يكن فاحشًا.
وُصف طرفة بأنه أشعر الشعراء بعد امرئ القيس، حيث قال عنه ابن قتيبة: “هو أجود الشعراء قصيدة، وله بعد المعلقة شعر حسن، وليس عند الرواة من شعره وشعر عبيد إلا القليل…”
بينما قال عنه ابن سلام الجمحي إنه في الطبقة الرابعة من رهط فحول الشعراء، وموضعه مع الأوائل، ثم قال عنه ابن رشيق: “طرفة أفضل الناس واحدة عند العلماء وهي المعلقة”.
وقد ذكره لبيد بن ربيعة حين سُئل عن أشعر العرب، حيث قال: “الملك الضليل -امرؤ القيس- فسأله ثم من؟ فقال: الغلام القتيل – طرفة- …”.
كما قال فيه صاحب الجمهرة: “هو أشعرهم إذ بلغ بحداثة سنه ما بلغ القوم في طوال أعمارهم، فجب وركض معهم”، وحين سُئل جرير عن أشعر الناس قال الذي يقول: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلًا.
تأثر شعر طرفة بالبيئة الصحراوية من حوله، حيث تثري الصحراء خيال الكُتاب، كما كان موطنه قريبًا من تأثيرات الحيرة والفرس، فتعرف على مذاهب مختلفة في الحياة.
يمكننا القول أنه ورث الشعر أيضًا، حيث ولد في أسرة من الشعراء، كما أن وفاة والده ورعاية أعمامه له أثرت في نفسيته وتجربته الشعرية، فاعتلى شعره نبرة التمرد، والإعجاب بالذات، كما كان سريع الغضب والتأثر.
هذا بالإضافة إلى تنقله بين البلدان وتأثره بمختلف التجارب والأفكار، بالإضافة إلى طبيعة عصره القائمة على الخصومات والتناحر والهجاء، وخصومته مع ابن عمه عبد عمرو بالإضافة إلى عمرو بن هند، وهذا أيضًا كان له وقع عظيم في إثراء شعره.
لذا نجد أن ظروف حياته ونشاته جعلته يخطو خطى مختلفة في شعره، فمال إلى الإسراف في اللهو والعبث، ولم يسلم من هجائه حتى قومه، ولكن لا ينفي تضافر كل تلك العوامل موهبته الكبرى، فلو لم يكن صاحب موهبة فذة لما أثرت به تلك العوامل.
وبالنظر إلى خصائص شعره، يمكننا أن نتناولها من عدة جوانب، حيث نجده يميل في الألفاظ إلى الكلمات العذبة السلسة لكنه لا يغفل أيضًا غرائب الكلمات، فقد جمع بين الاتجاهين، ولعل ذلك الاختلاف والتناقض يأتي من طبيعة حياته المتفاوتة ما بين البداوة والتحضر، بالإضافة إلى شخصيته.
يمتاز شاعر المعلقات طرفة أيضًا بالأسلوب القوي الفخم بالإضافة إلى قوة القافية، أما معانيه فكانت تعكس حياته في الصحراء، وفخره بنفسه وقومه ونسبه، وقد جمعت المعاني بين الوضوح والتعقيد أيضًا.
كان طرفة صاحب خيال خصب حيث يعتمد في أسلوبه على الاستعارات والتشبيهات ولكن باعتدال، كما كان صاحب تجربة شعرية صادقة عبرت عن نفسه ومشاعره دون ابتذال.
أجاد طرفة مختلف أغراض الشعر، فقد برع في الهجاء سواء لأهله أم لأعدائه وهذا ما أزهق عمره، بالإضافة إلى شعر الفخر والحكمة والغزل.
شعر طرفة بن العبد في الفخر
برع طرفة في الفخر، فكان يعتز بقيم ونسب وكرم قومه، علاوة على كثرة عددهم وبأسهم، ومن بين أبيات الفخر التي دونها طرفة:
يزعون الجهل من مجلسهم
وهم أنطاري ذي الحلم الصمد
سماء الفقر أجواد الغنى
سادة الشيب، مخاريق المرد
كما قال أيضًا:
وهم ما هم إذا ما لبسوا
نسج داود لبأس محتضر
ولقد تعلم بكر أننا
آفة الجزر مساميح يسر
ولقد تعلم بكر أننا
فاضلوا الرأي وفي الروع وقر
يمكنك قراءة قصيدة: أصحوت اليوم أم شاقتك هر الآن
كما قال فيهم أيضًا بعدما داعبه الحنين إلى قومه بعد طول تنقل، فعاد واحتضنته قبيلته:
ولقد كنت عليكم عاتبا
فعقبتم بذنوب غير مر
كنت فيكم كالمغطى رأسه
فانجلى اليوم قناعي وخمر
سادرا أحسب غي رشدا
فتناهيت وقد صابت بقر
ثم نجده في قصيدة أخرى يمدح أبيه وقومه بقوله:
وأنمي إلى مجد تليد وسورة
تكون تراثًا عند حي لهالك
أبي أنزل الجبار عامل رمحه
عن السرج حتى خر بين السنابك
أقرأ قصيدة: قفي ودعينا اليوم يا ابنة مالك
طرفة بن العبد شعر غزل
كان الغزل من بين أغراض الشعر التي برع فيها طرفة، حيث يقف على أطلال ديار محبوبته ثم يصف تأثيرها وجمالها، فنجده في معلقته يتغزل بخولة الحنظلية فيقول:
فقل لخيال الحنظلية ينقلب
إليها فإني واصل حبل من وصل
اطلع على القصيدة كاملة: لخولة بالأجزاع من إضم طلل
كما يتغزل بسلمى، ويذكرها في شعره قائلًا:
ديار لسلمى إذ تصيدك بالمنى
وإذ حبل سلمى منك دان تواصله
وإذ هي مثل الرئم صيد غزالها
لها نظر ساج إليك تواغله
ثم يكمل في وصف خيال محبوبته، فيقول:
وقد ذهبت سلمى بعقلك كله
فهل غير صيد أحرزته حبائله
كما أحرزت أسماء مرقش
بحب كلمع البرق لاحت مخايله
ثم يشير إلى قصة المرقش وأسماء، ويستشهد بحبه، فيقول:
فوجدي بسلمى مثل وجد مرقش
بأسماء إذ لا تستفيق عواذله
قضى نحبه وجدا عليها مرقش
وعلقت من سلمى خبالا أماطله
لقراءة القصيدة كاملة: أتعرف رسم الدار قفرا منازله
شعر طرفة بن العبد في الحكمة
برع طرفة في شعر الحكمة على الرغم من قلة سنين عمره، ولعل السبب وراء حكمته هو كثرة أسفاره، فقد جاب العديد من البلاد، بالإضافة إلى ما عرف عنه من ذكاء وفراسة منذ صغره، فنجده يقول في معلقته:
والأثم داء ليس يرجى برؤه
والبر برء ليس فيه معطب
والصدق يألفه اللبيب المرتجى
والكذب يألفه الدني الأخيب
كما نجده يقول أيضًا:
وليس امرؤ أفنى الشباب مجاورا
سوى حيه إلا كآخر هالك
لقراءة القصيدة كاملة: قفي ودعينا اليوم يا ابنة مالك
ويزيد من شعر الحكمة قائلًا:
للفتى عقل يعيش به
حيث تهدى ساقه قدمه
معلقة طرفة بن العبد
يعد طرفة بن العبد من أصحاب المعلقات، حيث كتب معلقته في 105 بيتًا تضمنت عدد من موضوعات الشعر الجاهلي الشهيرة، حيث بدأ معلقته واقفًا على الأطلال، ثم وصف المحبوبة والناقة، ثم أظهر شعر الفخر، ثم تناولت معلقته بعض الأشعار في الموت والأيام، وما واجه من ظلم قبيلته.
تزخر معلقة طرفة بالمعاني العميقة المميزة والأسلوب الرصين، بالإضافة إلى وحدتها، فتشعر وكأنها نسيج واحد، نسجه طرفة من قلبه معبرًا عن تجربته العاطفية.
كما يظهر في المعلقة تنوع أغراضها، فيظهر بها العتاب والغزل والحكمة، فضلًا على جمعها بين السهولة والوضوح، وبين الغرابة والعمق.
سبب نظم طرفة لمعلقته
يقال أن طرفة نظم معلقته بعد عودته إلى موطنه بعد انقضاء أسفاره بين القبائل والأحياء، وفي الفترة التي تسبق مصاحبته لعمرو بن هند ملك الحيرة.
يذهب البعض أن سبب نظم طرفه لمعلقته هو رغبته في عتاب ابن عمه، الذي وضعه في موقف لوم من قبل أخيه معبد، حيث كان له إبل يرعاها هو وطرفة، فدخلت الإبل مرعى ابن عمه، فرفض أن يعيدها إليه، وحينها ألقى معبد كافة اللوم على أخيه وطالبه باستعادتها، وحين ذهب طرفة إلى ابن عمه؛ لم يجد الكلام نفعا معه، فاستشاط غضبًا، وكان سريع التأثر، فكتب المعلقة في ابن عمه معاتبًا، فيقول:
فَما لي أَراني وَاِبنَ عَمِّيَ مالِكاً
مَتى أَدنُ مِنهُ يَنأَ عَنّي وَيَبعُدِ
يَلومُ وَما أَدري عَلامَ يَلومُني
كَما لامَني في الحَيِّ قُرطُ بنُ مَعبَدِ
وَأَيأَسَني مِن كُلِّ خَيرٍ طَلَبتُهُ
كَأَنّا وَضَعناهُ إِلى رَمسِ مُلحَدِ
عَلى غَيرِ ذَنبٍ قُلتُهُ غَيرَ أَنَّني
نَشَدتُ فَلَم أُغفِل حَمولَةَ مَعبَدِ
ثم يكمل في وصف علاقته بأهله، فيصف ظلمهم له ، فيقول:
وَظُلمُ ذَوي القُربى أَشَدُّ مَضاضَةً
عَلى المَرءِ مِن وَقعِ الحُسامِ المُهَنَّدِ
لخولة أطلال ببرقة ثهمد
بدأ طرفة معلقته الشهيرة بالوقوف على الأطلال كعادة شعراء العصر الجاهلي، فقال بيته الشهير:
لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ
تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ
ثم بدأ في وصف جمال حبيبته معبرًا عن حبه الشديد لها، فقال:
وَفي الحَيِّ أَحوى يَنفُضُ المَردَ شادِنٌ
مُظاهِرُ سِمطَي لُؤلُؤٍ وَزَبَرجَدِ
خَذولٌ تُراعي رَبرَباً بِخَميلَةٍ
تَناوَلُ أَطرافَ البَريرِ وَتَرتَدي
وَتَبسِمُ عَن أَلمى كَأَنَّ مُنَوِّراً
تَخَلَّلَ حُرَّ الرَملِ دِعصٌ لَهُ نَدي
سَقَتهُ إِياةُ الشَمسِ إِلّا لِثاتِهِ
أُسِفَّ وَلَم تَكدِم عَلَيهِ بِإِثمِدِ
وَوَجهٌ كَأَنَّ الشَمسَ حَلَّت رِدائَها
عَلَيهِ نَقِيُّ اللَونِ لَم يَتَخَدَّدِ
يمكنك قراءة المعلقة كاملة: لخولة أطلال ببرقة ثهمد
موت طرفة بن العبد
صدق قول المتلمس في ابن أخته طرفة، حيث قُتل الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد شاباً في العشرين من عمره، وقيل قد بلغ ستة وعشرين عام، ربما في سنة 564 م، حيث رثته أخته الخرنق قائلة عن عمره:
عددنا له ستًّا وعشرين حجَّةً
فلمَّا توافاها استوى سيِّدًا ضخما
فُجعنا به لمَّا رجونا إيابَه
على خير حال لا وليدًا ولا قحما
وقد اختلف الباحثون حول السبب الذي أدى به للقتل، لكن الأرجح أن عبد عمرو ظلم أخت طرفة، فشكت زوجها إلى أخيها ، وحينها هجاه طرفة في قصيدة، ووصفه بوصف النساء حيث كان خصره نحيف وكان من أجمل العرب ، وهذا الهجاء كان أسوأ أنواع الهجاء لدى العرب، فقال:
ولا خير فيه غير أن له غنى
وإن له كشحًا إذا قام اهضما
يمكنك قراءة قصيدة: يا عجبا من عبد عمرو وبغيه كاملة
ثم يُحكى أن عمرو بن هند خرج للصيد، وكان معه جماعة من أصحابه ومنهم عبد عمرو بن بشر صهر طرفة، فردد بن هند -لواقعة ما- بيت هجاء طرفة الذي وصف فيه نحافة خصر عبد عمرو، وهذا ما أثار غيظ عبد عمرو، فأخبره أنه هجاه هو الآخر، ولم يكن أحد بقادر أن يُبلغ عمرًا بهجائه لشدة بأسه وظلمه، فطلب منه الملك أن يخبره بما قال، لكنه لم يوافق حتى آمنه الملك على طرفة، وحينها قال له قصيدة الهجاء التي يقول فيها:
فليت لنا مكان الملك عمرو
رغوشًا حول قبتنا تخور
لعمرك أن قابوس بن هند
ليخلط ملكه نوك كثير
يمكنك الاطلاع على باقي القصيدة: فليت لنا مكان الملك عمرو
كتم عمرو بن هند غضبه ولم يبده، حتى ظن طرفة أنه عفا عنه، وكان المتلمس قد هجاه من قبل أيضًا، فذهبا كلاهما إلى عمرو، فعاملهما بود، ثم طلب منهما أن يذهبا إلى ربيعة بن الحارث العبدي المعروف بالمكعبر، والذي كان عامله في البحرين وهجر؛ لينالوا عطاء قد منحهم إياه عمرو.
وحين ذهبا برسالتهما، أدرك المتلمس أن ما في رسالته ليس بخير، حيث عُرف عن عمرو الحقد والغدر، ثم فتحها وطلب من أحد الغلمان من أهل الحيرة أن يقرأ الرسالة، فقرأ عليه أمر قتله حيث أمر عمرو بن هند عامله أن يقطع يديه ورجليه ومن ثم يدفنه حيًا؛ فرماها في نهر يسمى الكافر، ثم اتجه لينصح طرفة بقراءة رسالته حيث إن مصيرهما واحد، فرفض طرفة أن يفتح الرسالة وقال إنه لن يتجرأ علي مثلما تجرأ عليك.
هرب المتلمس إلى الشام بينما ذهب طرفة إلى البحرين وأوصل الرسالة إلى عامل عمرو، فقرأ فيها أمر قتل طرفة، وكان يظن أن الرسالة فيها أمرًا بالإحسان له، وحينها أمره أن يختار القتلة التي يريدها، فطلب منه طرفة حينها أن يسقيه الخمر أولا ثم يقتله.
وقد دفن الشاعر الذي قتله لسانه في البحرين، وبعد موته ألقى خاله قصيدة يحث بكرًا على أخذ ثأر طرفة من عمرو بن هند، حيث قال:
يا آل بكر ألا لله أمكمو
طال الثواء وثوب العجز ملبوس
الأسئلة الشائعة
كيف كان موت طرفة بن العبد؟
مات طرفة بأمر من ملك الحيرة عمرو بن هند، حيث سمع هجاء طرفة له، فعزم على قتله ولكن بمكيدة، فأرسله برسالة إلى عامله على البحرين ليأخذ عطاء ما، وكان في الرسالة أمر قتله، فقُتل قبل أن يتجاوز عقده الثالث.
ماذا قال الرسول عن طرفة بن العبد؟
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يردد بيتًا لطرفة بن العبد، فكان يردد: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ماذا تعرف عن طرفة بن العبد وبم اشتهر؟
هو من أشعر شعراء العصر الجاهلي، كما أنه من أصحاب المعلقات، حيث اشتهر بمعلقته التي يقول في مطلعها:
لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ
فكان من الشعراء المميزين، حيث يجمع بين الحكمة والطيش، وقد اشتهر بهجائه، فلم يسلم منه حتى قومه، وقد هجا عمرو بن هند، وهذا ما تسبب في قتله.
من هو طرفة بن العبد؟
هو طرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك البكري الوائلي، وقد ولد ببادية البحرين داخل عائلة عربية عريقة، كما نشأ في بيئة شعرية مميزة، فكان خاله وعمه وأخته شعراء، وقد اشتهر بمعلقته، فهو من أصحاب المعلقات، وقد أقر الشعراء نبوغه وتميزه.
المراجع
أحمد الأمين الشنقيطي: المعلقات العشر وأخبار شعرائها.
مصطفى صادق الرافعي: تاريخ آداب العرب، الجزء 3.
مصطفى الغلاييني: رجال المعلقات العشر.
حسن جعفر نور الدين: طرفة بن العبد، سيرته وشعره.
ديوان طرفة بن العبد: شرح وتقديم مهدي محمد ناصر الدين.
كتاب الأعلام للزركلي، الجزء الثالث، المكتبة الشاملة.
علي الجندي: في تاريخ الأدب الجاهلي.
الزوزني: شرح المعلقات للزوزني، المكتبة الشاملة.
الأعلم الشنتمري: أشعار الشعراء الستة الجاهليين.