جدول المحتويات
يُنظر لأبي الفوارس عنترة بن شداد بأنه أشهر فرسان العرب، وأفضل شعرائهم، نظرًا لبراعة نظمه لمعلقته الشهيرة، فضلًا عن جمال وسهولة شعره، ولا نغفل قصة حبه الأسطورية لابنة عمه عبلة، التي يتحاكى بها اللسان الشعبي حتى الآن، وقد نسجت حولها القصص والأفلام، حيث ضرب بقصتهما المثل في الحب، إليك سيرة شاعر الحرب والحب عنترة ابن شداد.
اسم عنترة بن شداد
هو عنترة بن عمرو بن شداد بن عمرو بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن عوف بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر.
يذهب البعض إلى أن شداد جده لأبيه، ولكن غلب اسمه على اسم أبيه، بينما يرى البعض أن شداد عمه، وقد تربى عنترة في كنفه؛ فنسب إليه، ويأتي هذا الاختلاف في النسب لأن أباه اعترف به وهو كبير.
ام عنترة بن شداد
تُعرف ام عنترة بن شداد باسم زبيبة، وكانت أمة حبشية، وقعت في السبي من قبل والده خلال أحد المعارك، وأنجبت له عنترة، وقد صنف من ضمن الأغربة الجاهليين وفقًا لقول صاحب الأغاني أبي فرج الأصفهاني.
وقد ذكرها في قصيدته ما زلت مرتقياَ إلى العلياء قائلًا:
ما ساءَني لَوني وَإِسمُ زَبيبَةٍ
إِذ قَصَّرَت عَن هِمَّتي أَعدائي
فَلَئِن بَقيتُ لَأَصنَعَنَّ عَجائِباً
وَلَأُبكِمَنَّ بَلاغَةَ الفُصَحاءِ
عاير العرب عنترة لسواده وسواد أمه، فانعكست معاناته على تجربته الشعرية، حيث عبر عما يشعر برقة، فنجده يقول:
سَيَذكُرُني قَومي إِذا الخَيلُ أَقبَلَت
وَفي اللَيلَةِ الظَلماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ
يَعيبونَ لَوني بِالسَوادِ جَهالَةً
وَلَولا سَوادُ اللَيلِ ما طَلَعَ الفَجرُ
وَإِن كانَ لَوني أَسوَداً فَخَصائِلي
بَياضٌ وَمِن كَفَّيَّ يُستَنزَلُ القَطرُ
اقرأ قصيدة: دهتني صروف الدهر وانتشب الغدر كاملة
سيرة حياة عنترة بن شداد
يعد أبو الفوارس عنترة ابن شداد أشهر فرسان العرب وشعرائهم، فقد صُنف كأبرز شعراء الطبقة الأولى، وقد لاقى معاناة نفسية من قومه، فقد شعر بالاغتراب للونه، حيث لاقى الرفض من أبيه الذي استبعده سيرًا على سنة العرب مع أبناء الإماء.
كما نظر له قومه ووالده على أنه مجرد عبد، فعاش غريبًا بين قومه راعيًا للإبل رفقة العبيد، كما واجه عنترة غضبة والده أيضًا بتحريض من زوجة أبيه وكان اسمها سمية، التي أدعت أن عنترة راودها عن نفسها، فجن جنون والده، وأبرحه ضربًا شديدًا، ورغب في قتله.
وقد عبر عنترة عن موقف سمية منه من خلال قصيدة تعرف بالفائية، يقول فيها:
أمن سمية دمع العين مذروف
لو أن ذا منك قبل اليوم معروف
بذل عنترة عمره وجهده في حروبه وشعره، وكأنهما ملخص حياته، وهذا الوفاء للحرب والشعر خلد ذكراه في التاريخ وعلى ألسنة العرب، فصار من أشعر شعراء العرب، ورويت قصائده، كما تحاكى الناس بشجاعته ونوادره، وخلقت الروايات والقصص حوله.
قصة حبّ عنترة بن شدّاد وعبله
اشتهر أبو الفوارس عنترة فوق شهرته بقصة حبه لابنة عمه عبلة بنت مالك بن قراد، والتي قامت على ذكرها أغلب قصائده، فانظر لقصائده؛ لا تجد واحدة تخلو من عبلة.
عانى عنترة من آلام الحب والفراق، حيث رفض عمه أن يزوجه عبلة؛ فزاد حبه، واشتد به الهيام، وكتب فيها الشعر، ومر بما مر في حياته من مصاعب حتى نزل عمه لرغبته بعد أن نال حريته، وتزوج عبلة، وعاش مع حبيبته ما تبقى من عمره حتى وفاته.
فروسية عنترة بن شداد
يدين عنترة بن شداد بالكثير من الامتنان لفروسيته، حيث استطاع من خلالها انتزاع وجوده واعتراف أبيه به، فقد لاقى الرفض طوال عمره من أبيه وقبيلته، ونُظر له كعبد، وذات يوم أغارت بعض أحياء طيء على عبس بأرض الشربة والعلم السعدي، وكانت منازلهم بأطراف نجد على الحدود بين مكة ويثرب، وقد قتلوا رجالهم، وسبوا نسائهم، وأخذوا الغنائم وساقوا الإبل، وحين لجأ أبوه إليه ليحارب مع قبيلته، مرددًا: “ويك يا عنترة كر “، رفض عنترة حينها الإستجابة لأمر والده، وقال: “العبد لا يحسن الكر، إنما يحسن الحلاب والصر”
وما كان من والده حينها إلا أن ساومه على حريته، فقال حينها: “كر وأنت حر”، وحينها لمعت الحرية في عينيه، وهب ليحارب منشدًا شعره:
إِنّي أَنا عَنتَرَةَ الهَجينُ
فَجُّ الأَتانِ قَد عَلا الأَنينُ
يمكنك قراءة قصيدة: إني أنا عنترة الهجين
ويقال حول قصة تحرره من العبودية، أن عبسًا أغارت على طيء، وغنموا منهم الكثير، وكان عنترة يحارب معهم، وحين جاء وقت القسمة، قالوا لعنترة إنك عبد، ليس لك نصيبًا مثلنا، ثم أغارت عليهم طيء فيما بعد، وقرر عنترة أن يعتزلهم لأنه عبد، وحينها طلب أبوه منه القتال مقابل الاعتراف بحريته.
ظهرت قوة عنترة حينها وواجه السرية؛ فهزمها واستطاع رد ما غنموه من سبايا وغنائم، وعُرف بين العرب بشجاعته، وحينها فقط اعترف به والده، ونسبه إليه.
شجاعة عنترة بن شداد
ضرب بعنترة ابن شداد المثل في الشجاعة والجسارة والإقدام، وهذا ما يظهر من أقوال العرب عنه، فنجد عمرو بن معدي كرب الذي كان معاصرًا لعنترة يقول: “لو سرت بظعينة وحدي على مياه معد كلها ما خفت أن أغلب عليها ما لم يلقني حراها أو عبداها، فأما الحران فعامر بن الطفيل وعتيبة بن الحارث بن شهاب، وأما العبدان فأسود بني عبس (أي عنترة) والسليك بن السلكة، وكلهم قد لقيت… وأما عنترة فقليل الكبوة شديد الجلب…”
بينما ورد ذكر عنترة ابن شداد داخل حوار دار بين سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- والحطيئة، حيث سأل سيدنا عمر الحطيئة قائلًا: “كيف كنتم في حربكم، قال كنا ألف فارس حازم، قال: وكيف يكون ذلك؟ قال: كان فينا قيس بن زهير وكان حازمًا، فكنا لا نعصيه، وكان فارسنا عنترة، فكنا نحمل إذا حمل، ونحجم إذا حجم…”.
وقد كان لعنترة منهجية في القتال أشار إليها بقوله:
“كنت أقدم إذا رأيت الأقدام عزمًا، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزمًا، ولا أدخل موضعًا إلا أرى لي منه مخرجا، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فاضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع، فأثني عليه فأقتله”.
وقد أبلى عنترة بلاء حسنًا نم عن شجاعة لا تقارن خلال حرب داحس والغبراء. نستشف من تلك الأقوال مدى القوة و الشجاعة التي اتسم بها أبو الفوارس عنترة ابن شداد للحد الذي يوجه الحروب، فضلًا عن منهجيته في الحرب، من خلال الهزيمة النفسية للخصم.
صفات وأخلاق عنترة بن شدّاد
عرف عنترة ابن ﺷﺪاد بأخلاقه، فكان من أحسن العرب خلقًا، كما عرف عنه العزم والهمة، وبالرغم من شجاعته وشدته في الحروب، لكنه كان حليمًا، لطيفًا، لينًا، وهذا ما انعكس على شعره من رقة، فعرف بلطف المعاني، والبعد عن الغلظة ، وكأن تجربته النفسية القاسية ومعاناته، ومشاعر غربته بين قومه خلقت منه نفسًا رقيقة، عبرت عما تشعر داخل شعرها. كما اتصف عنترة بالسماحة وعزة النفس
ماذا قال الرسول عن عنترة بن شداد
رُوي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سمع أبيات شعر لعنترة، يقول فيها:
وَلَقَد أَبيتُ عَلى الطَوى وَأَظَلُّهُ
حَتّى أَنالَ بِهِ كَريمَ المَأكَلِ
فقال النبي: “ما وصف لي أعرابي فأحببت أن أراه إلا عنترة”، ولكن يذكر البعض أنه لم يرد حديث ثابت للنبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر فيه عنترة بن شداد العبسي.
شعر عنترة بن شداد
يتربع عنترة ابن شداد على رأس قائمة أشهر شعراء الجاهلية، فهو من أصحاب المعلقات، وقد أحب العرب معلقته، وتناقلوها، حتى قيل عنها المعلقة المذهبة لجمال أشعارها، فضلًا عما ترويه من أيام العرب المتعلقة بحروب عبس وذبيان.
عنترة بن شداد في حب عبلة
ما إن يرد على مسامعك ذكر الشاعر عنترة ابن شداد، حتى يلحق به اسم عبلة، فقد اشتهرا ببعضهما البعض، للحد الذي جعل من قصتهما مثلًا في الحب، فيقال مثل عنترة وعبله، وقد نسجت حول قصتهما أفلامًا وروايات شهيرة.
عبر عنترة ابن شداد عن حبه لابنة عمه عبلة بنت مالك بن قراد العبسي، قائلًا:
رَمَتِ الفُؤَادَ مَليحَةٌ عَذراءُ
بِسِهامِ لَحظٍ ما لَهُنَّ دَواءُ
مَرَّت أَوانَ العيدِ بَينَ نَواهِدٍ
مِثلِ الشُموسِ لِحاظُهُنَّ ظُباءُ
يمكنك قراءة قصيدة: رمت الفؤاد مليحة عذراء كاملة
أمضى عنتره بن ﺷﺪاد صباه في وصف حبيبته عبلة، فيقول في ابيات أخرى:
ما زِلتُ مُرتَقِياً إِلى العَلياءِ
حَتّى بَلَغتُ إِلى ذُرى الجَوزاءِ
فَهُناكَ لا أَلوي عَلى مَن لامَني
خَوفَ المَماتِ وَفُرقَةِ الأَحياءِ
فَلَأُغضِبَنَّ عَواذِلي وَحَواسِدي
وَلِأَصبِرَنَّ عَلى قِلىً وَجَواءِ
يمكنك الاطلاع على قصيدة: ما زلت مرتقياَ إلى العلياء الآن
وصف عنترة أثر شوقه لحبيبته حين مر بأرض الشربة التي كانت بها عبلة، إثر خروجه من حيه لمساعدة صديقه حصن بن عوف، فقال:
تُرى هَذِهِ ريحُ أَرضِ الشَرَبَّه
أَمِ المِسكُ هَبَّ مَعَ الريحِ هَبَّه
وَمِن دارِ عَبلَةَ نارٌ بَدَت
أَمِ البَرقُ سَلَّ مِنَ الغَيمِ عَضبَه
أَعَبلَةُ قَد زادَ شَوقي وَما
أَرى الدَهرَ يُدني إِلَيَّ الأَحِبَّه
وَكَم جَهدِ نائِبَةٍ قَد لَقيتُ
لِأَجلِكِ يا بِنتَ عَمّي وَنَكبَه
اقرأ قصيدة: ترى هذه ريح أرض الشربه كاملة
نظم عنترة أبيات توحي بعاطفته حين بارز روضة بن منيع السعدي، الذي جاء يخطب عبلة، فقال:
كَم يُبعِدُ الدَهرُ مَن أَرجو أُقارِبُهُ
عَنّي وَيَبعَثُ شَيطاناً أُحارِبُهُ
فَيا لَهُ مِن زَمانٍ كُلَّما اِنصَرَفَت
صُروفُهُ فَتَكَت فينا عَواقِبُهُ
دَهرٌ يَرى الغَدرَ مِن إِحدى طَبائِعِهِ
فَكَيفَ يَهنا بِهِ حُرٌّ يُصاحِبُهُ
اطلع على قصيدة: كم يبعد الدهر من أرجو أقاربه كاملة
عاتب عنترة حبيبته عبلة في قصيدة له، حيث عبر عن غضبه منها قائلًا:
سَلا القَلبُ عَمّا كانَ يَهوى وَيَطلُبُ
وَأَصبَحَ لا يَشكو وَلا يَتَعَتَّبُ
صَحا بَعدَ سُكرٍ وَاِنتَخى بَعدَ ذِلَّةٍ
وَقَلبُ الَّذي يَهوى العُلا يَتَقَلَّبُ
إِلى كَم أُداري مَن تُريدُ مَذَلَّتي
وَأَبذُلُ جُهدي في رِضاها وَتَغضَبُ
عُبَيلَةُ أَيّامُ الجَمالِ قَليلَةٌ
لَها دَولَةٌ مَعلَومَةٌ ثُمَّ تَذهَبُ
يمكنك قراءة قصيدة: سلا القلب عما كان يهوى
شعر عنترة بن شداد في عزة النفس
عانى عنترة بن شداد من معايرة العرب له بسبب لونه، ولكنه لم يجد في ذلك عيبًا، فقد كان يعرف مقدار قوته وشجاعته، وصفاته الحسنة، والتي لا يحجمها لونه، فنجده يقول:
لَئِن أَكُ أَسوَداً فَالمِسكُ لَوني
وَما لِسَوادِ جِلدي مِن دَواءِ
اقرأ قصيدة: لئن أك أسودا فالمسك لوني الآن
كما قال عنترة مفتخرًا بنسبه وإن لم يعترفوا به:
إِنّي اِمرُؤٌ مِن خَيرِ عَبسٍ مَنصِباً
شَطرِي وَأَحمي سائِري بِالمُنصُلِ
وَإِذا الكَتيبَةُ أَحجَمَت وَتَلاحَظَت
أُلفيتُ خَيراً مِن مُعَمٍّ مُخوَلِ
اقرأ قصيدة: طال الثواء على رسوم المنزل
قصائد عنترة بن شداد في التهديد
كان لعنترة بن شداد عددًا من قصائد التهديد التي نظمها في مواقف دارت بينه وبين أشخاص من قبيلته أو من أعدائه، حيث يتوعدهم فيها، كما يبرز في بعضها مدى ظلم قومه وتعسفهم ضده.
شعر عنترة في الملك النعمان بن المنذر
نظم عنترة قصيدة يتوعد في أبياتها ملك العرب النعمان ﺑﻦ المنذر، حيث يفتخر بقومه بني عبس، ويقول في مطلعها بيت الشعر الشهير:
لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ الرُتَبُ
وَلا يَنالُ العُلا مَن طَبعُهُ الغَضَبُ
ثم يكمل واصفًا نفسه وعبس:
لِلَّهِ دَرُّ بَني عَبسٍ لَقَد نَسَلوا
مِنَ الأَكارِمِ ما قَد تَنسُلُ العَرَبُ
لَئِن يَعيبوا سَوادي فَهوَ لي نَسَبٌ
يَومَ النِزالِ إِذا ما فاتَني النَسَبُ
ثم يبدأ في توجيه كلماته إلى الملك النعمان مهددًا:
إِن كُنتَ تَعلَمُ يا نُعمانُ أَنَّ يَدي
قَصيرَةٌ عَنكَ فَالأَيّامُ تَنقَلِبُ
اليَومَ تَعلَمُ يا نُعمانُ أَيَّ فَتىً
يَلقى أَخاكَ الَّذي قَد غَرَّهُ العُصَبُ
إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها
عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُ
فَتىً يَخوضُ غِمارَ الحَربِ مُبتَسِماً
وَيَنثَني وَسِنانُ الرُمحِ مُختَضِبُ
يمكنك قراءة قصيدة: لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب الآن
تهديد عنترة لعمارة والربيع
وجه عنترة بن شداد تهديدًا لأهله من عبس، وهما عمارة والربيع، حيث قال فيهما:
لِغَيرِ العُلا مِنّي القِلى وَالتَجَنُّبِ
وَلَولا العُلا ما كُنتُ في العَيشِ أَرغَبُ
فَيا اِبنَ زِيادٍ لا تَرُم لي عَداوَةً
فَإِنَّ اللَيالي في الوَرى تَتَقَلَّبُ
وَيالِزِيادٍ إِنزَعوا الظُلمَ مِنكُمُ
فَلا الماءُ مَورودٌ وَلا العَيشُ طَيِّبُ
لَقَد كُنتُمُ في آلِ عَبسٍ كَواكِباً
إِذا غابَ مِنها كَوكَبٌ لاحَ كَوكَبُ
خُسِفتُم جَميعاً في بُروجِ هُبوطِكُم
جَهاراً كَما كُلُّ الكَواكِبُ تُنكَبُ
يمكنك قراءة قصيدة: لغير العلا مني القلى والتجنب
معلقة عنترة بن شداد
تعد معلقة عنترة بن شداد من أجمل المعلقات، حتى سميت بالمذهبة لقيمتها، وقد عكست المعلقة تجربة عنترة الإنسانية والشعرية بدقة، فعبرت عن بطولاته ومشاعره، ورسمت صورة حية لبطل عربي جسور يجمع بين القوة والرقة، بين السطوة والحلم، ويبذل عمره فداء لكرامته.
كما تميزت بسهولة ألفاظها ومعانيها، بالإضافة إلى رقتها، وجمال أسلوبها، وروعة وابتكار تصويراتها،وهذا ما ينطبق على غالب شعره. ينأى عنترة في شعره عن الغلظة والتعقيد المتعارف عليه في الشعر النجدي القديم، وقد وصفها ابن سلام بأنها نادرة، فتظهر بها وحدة القصيدة العربية.
أما عن سبب نظمها، فيروى أن عنترة جلس في مجلس القوم يوما بعدما اعترف به والده، وكان قد أبلى حسنًا في الحرب، وإذ برجل من عبس يعيره بسواده وسواد أمه، وعبودية أخوته، كما اتهمه أنه لا يقول الشعر، حيث كان يقول من الشعر بيتين أو ثلاثة، وحينها ألقى عنترة معلقته الشهيرة، فقال في مطلعها مغازلًا عبله، مخاطبًا دارها:
هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ
أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ
يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي
وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي
ثم يظهر وصف عنترة لناقته، والتي يطغى عليها قدر من الغرابة يوازي غرابة أبيات طرفة، فيقول:
هَل تُبلِغَنّي دارَها شَدَنِيَّةٌ
لُعِنَت بِمَحرومِ الشَرابِ مُصَرَّمِ
شعر الفخر في معلقة عنترة بن شداد
تظهر في معلقة عنترة ابن شداد أبيات تعكس مدى فخره بنفسه، واعتزازه بشجاعته، فنجده يقول:
أَثني عَلَيَّ بِما عَلِمتِ فَإِنَّني
سَمحٌ مُخالَقَتي إِذا لَم أُظلَمِ
وَإِذا ظُلِمتُ فَإِنَّ ظُلمِيَ باسِلٌ
مُرٌّ مَذاقَتَهُ كَطَعمِ العَلقَمِ
ثم أكمل:
يَدعونَ عَنتَرَ وَالرِماحُ كَأَنَّها
أَشطانُ بِئرٍ في لَبانِ الأَدهَمِ
ما زِلتُ أَرميهِم بِثُغرَةِ نَحرِهِ
وَلَبانِهِ حَتّى تَسَربَلَ بِالدَمِ
وَلَقَد شَفى نَفسي وَأَذهَبَ سُقمَها
قيلُ الفَوارِسِ وَيكَ عَنتَرَ أَقدِمِ
يمكنك الاطلاع على معلقة عنترة بن شداد: هل غادر الشعراء من متردم
إقتباسات عنترة بن شداد
يتحاكى الناس بأقوال وإقتباسات عنترة بن شداد، فتتناقل عبر الألسن، فمن بين أجمل اقتباساته التي تحظى على الإعجاب:
وأنا المنية في المواطن كلها
والطعن مني سابق الآجال
كما يقول أيضًا متباهيًا بأخلاقه:
ولقد أبيت على الطوى وأظله
حتى أنال به كريم المأكل
ومما نقل عنه أيضًا:
وأغض طرفي ما بدت لي جارتي
حتى توارى جارتي مأواها
وفاة عنترة بن شدّاد
مات عنترة بن شداد بعدما جاوز التسعين عامًا سنة 615م على الأرجح، وقد مات قبل الإسلام، حيث يذهب الظن أنه مات قبل بعثة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بسبع سنوات.
وعلى الرغم من سنه الكبير لكن عنترة مات قتيلًا، وقد اختلف العلماء والباحثون في شخصية قاتله، لكن يذهب الظن أن وزر بن جابر النبهاني هو قاتل عنترة، حيث أغار عنترة على بني نبهان، فرماه وزر بسهم مرددًا: خذها وانا ابن سلمى.
استجمع عنترة قوته وتحامل على جرحه، وعاد إلى قومه منشدًا:
إِنَّ اِبنَ سَلمى فَاِعلَموا عِندَهُ دَمي
وَهَيهاتَ لا يُرجى اِبنُ سَلمى وَلا دَمي
اقرأ قصيدة: إن ابن سلمى فاعلموا عنده دمي
مثلما كان الشعر سبيل عنترة للتعبير عما يجوله في نفسه، وثق عنترة اسم قاتله في شعره ، وخلدت سيرة قاتل عنترة بن شداد بفعل قتله لفارس العرب وشاعرها البليغ.
الأسئلة الشائعة
من هو عنتر بن شداد باختصار؟
هو عنترة ﺑﻦ عمرو بن شداد بن عمرو بن معاوية العبسي، أشهر فرسان العرب وشعرائهم، وهو من أصحاب المعلقات، فعرفت أشعار عنترة بالرقة وسهولة المعاني، فضلًا عن جمال الأسلوب والتصوير، وقد اشتهر بقصة حبه لابنة عمه عبلة، والتي طغت سيرتها على شعره.
هل تزوج عنترة بن شداد من عبلة؟
تزوج عنترة ابن شداد من عبله بعد أن اعترف به والده، وقد استمرا معًا حتى وفاته بعمر التسعين.
من أشهر قصائد عنترة بن شداد؟
تعد معلقة الشاعر عنترة ابن شداد أشهر قصائده، حيث كان ينظم في البداية الأبيات القصيرة حتى عايره أحد رجال عبس بأنه لا يكتب شعرًا، وحينها نظم معلقته المميزة التي تعكس تجربة نفسية وشعرية فريدة، فقد نأى فيها عن غلظة الألفاظ السائدة في العصر الجاهلية.
ما سر الخلاف بين عنترة بن شداد وقبيلته؟
دار الخلاف بين عنترة ابن شداد وعبس بسبب رفض والده الاعتراف به، فكانوا ينظرون له كعبد، ويعايرونه بسواده وسواد أمه، وعبودية أخوته من الأم، ولكن حين يتعرضون لحرب يلجأون له، حتى رفض المحاربة إلى جوارهم يومًا حين أغارت عليهم قبيلة طيء، وحينها ساومه والده على حريته مقابل إنقاذ القبيلة.
المراجع
ديوان عنترة بن شداد: شرح وتحقيق محمد معروف الساعدي.
ديوان عنترة بن شداد: المطبعة الأدبية، بيروت، 1891.
ابن قتيبة: الشعر والشعراء.
الأعلم الشنتمري: أشعار الشعراء الستة الجاهليين، المكتبة الشاملة.
الزوزني: شرح المعلقات السبع.
عنترة بن شداد في الحديث النبوي: إسلام ويب