جرت لها ببابلٍ يمينا

جرَتْ لها ببابلٍ يمينا

سوانحٌ غرّاً لها وعينا

لا يتوقَّى عُورَها وعُضْبها

مَن عيَّف الأعيُنَ والقُرونا

فأبصرتْ حقًّا مُناها في الحمى

وظنَّها بحاجرٍ يقينا

وأصبحتْ ترعَى الخصيبَ قبلَ أن

تبلغَه وتنهَلُ المَعينا

عازفةً رافعةً رؤوسَها

على الظَّما أن ترِد الأَجونا

نرجو بترك رزقِها الناحِل أن

تأكلَ من رزقِ غدٍ سمينا

موائرا تخلَع من مراحِها

على الرُّبَى الأرسانَ والعُهونا

خابطةً أشناقَها بسُوقِها

تحسَبُ فَرطَ حرصها جُنونا

كأنَّ خرقاءَ الرياحِ شرَّعتْ

في لُجَّةِ الآلِ بها سفينا

فَبلَغتْ أدعو لها وَبلَّغتْ

وخانني من لم يقل آمينا

وأنتَ إن كنتَ رفيقا فأعِدْ

ذكرَ الحمى أطيبَ ما غُنّينا

أعِدْ فمن آيةِ سكّان الحمى

وذكرِهم أن تُطرِبَ الحزينا

يا جمَعَ اللهُ قلوبا باللّوى

بدَّدها اتِّباعُها العيونا

وسَرَّ حيّاً بالشُّريْفِ أقسموا

لا فَكَّ فادٍ عندهم رهينا

أمنتُهم على الهوى فلم يكن

مودَعُ قلبي منهُمُ أمينا

يا حبّذا لحيِّهم باديةٌ

وهَبْتُ فيها للجفاءِ اللينا

وحَبَّ بعدَ الظلِّ في أن أصطلي

هاجرةً وأُصُلا دَخينا

والأرضُ مسّت تربَها رِيَاطُهم

حتى ظننتُ رامةً دارينا

جلَوا دجاها ومشَوا صباحَها

يطارحون الهَيَفَ الغصونا

هم قوَّدوني وبرأسي نخوة

أن أستميح اللَّحزَ الضنينا

وهم أذالوا الشيبَ في مفارقي

بالصدِّ لاعدِّي له الخمسينا

ما أجلبَ الدهرُ عليَّ بالأذى

إلاّ أصابَ منهُمُ مُعينا

أَعْدايَ أهوَى قُربَهم كأنَّهم

عُضْوٌ دَوٍ أكرَهُ أن يَبينا

لا يُبعد اللهُ الوفاءَ صاحباً

كان ولا أطمعُ أن يكونا

أعيت يدي حبالُ كلّ ناكثٍ

أفتُلُ وهو يقطعُ القرينا

ولو سبرتُ الناسَ أو أعلقتُها

مُزرّعيّاً عَلِقتْ مَتينا

إذاً لقامَ من عليٍّ دونها

خِرقٌ يرى كلَّ عليٍّ دُونا

غضبانُ أن يأكلَ ضيمٌ جارَهُ

أو أن يبيتَ زادُه ممنونا

إذا دعاه المجدُ قام ناهضا

فحمَل الألوفَ والمئينا

جرى على واشجةٍ من عِرقِه

لغايةٍ أتعبتِ الساعينا

وبلَغ الكمالَ نفسا وعُلاً

من قبل أن يبلُغَه سِنينا

مبارَكٌ عِمّتُه ولُثْمُهُ

تَلوثُ خدَّ البدرِ والجبينا

تحسبُ من حيائه ورفدِه

وجهاً مُميها ويداً لَبونا

تلقَى السعودَ حيثما لقِيتَه

تزجُرُ منها طيرَها الميمونا

أوفَى على مَرقبةٍ من عزمهِ

مَرقَى النسورِ تطلُب الوُكونا

وهبّ من لسانه بصعدةٍ

تَغْدِر كلّ خَصِمٍ طعينا

مَن حاملُ الحاجةِ عنّي راكبا

إلى العلا طريقَها المسنونا

يقطَعُ ما بيني وبين أرَبِي

على دنوِّ الدار هذا البِينا

يطوي السرى نهارَه بليلهِ

جَلْدَ المَطَا والعيسُ قد وَنِينا

حُرّاً إذا استودعتُه وصيّةً

كان عليها الحازمَ المأمونا

قلْ للعميد مُبلغا وإنما

تُسمِعُ منه السامعَ الأذينا

قد أخذ الشوقُ إليك جهدَهُ

من قلبيَ النزاعَ والحنينَا

ومَلَكَتْني قبلَ أن تبتاعَني

منك صفاتٌ طُفنَ بي عِزينا

وجاءت الأنباءُ عنك فنشت

أنفاسُنا أعطرَ ما يأتينا

في كلّ يومٍ خبرٌ أنك مَن

لا تلدُ الأرضُ له قرينا

وأنَّ للفضل ومن مَتَّ به

منك مكانَ شعفٍ مكينَا

محاسنٌ آثارُها شاهدةٌ

أنّ الرُّواةَ عنك يَصدُقونا

ونحن في دارٍ يُرى المجدُ بها

أعمَى وحظُّ أهلها مجنونا

إما لئيما يرتقي بشرِّه

فيها وإما فاضلا مسكينا

ولا صديقَ غيرُ ذي صنائع

أحسنُ ما يُحسِنُ أن يخونا

فلا تسلْ عن نزَواتِ كبِدي

إلى علاك كلّما سُمِّينا

وعن طِماحِ مقلتي لنظرٍ

إليك لا شَزْرا ولا مشفونا

فأقتضى من قربكم لُبانةً

ما طلني الدهرُ بها الديونا

فهل لذا الخاطب أن تُنكِحَه

مودةً حنَّ إليها حِينا

يُمهِرُها الصونَ فإن أولدها

أولدَها بمدحك البنينا

يُعجبُك اليومَ صديقا وغداً

ما عاش في الدهر أخاً خَدينا

وجاليا وصفَك في معَارضٍ

يَبقَيْن والأيامُ قد فَنينا

كلّ مُوشّىً حَوكُها موشَّع

تشرِي رخيصا بُرْدَها الثمينا

لو جُدتَ بالشباب في ثوابها

كان سواك الخاسرَ المغبونا

وإن لوَيتَ عُنُقاً عن مثلها

جاءتك تسترفد آخرينا

كان عليك نصرُها حقًّا بما

كنتَ بحاجات الندى ضمينا

تركتُها ساعيةً بنفسها

وراءَ قومٍ غيرِ عاطفينا

رِشتُ لهم منها سهاما فضَلوا

بحدِّها قومَهُمُ الماضينا

فملأتْ عرضَ الفلا بذكرهم

ونبذوا حقوقَها ناسينا

فهل رضيتَ لَهُمُ ما أصبحوا

به من الحرمان لي راضينا

وإن أبيتَ فانتصر مستقبلا

لأخواتٍ حادثاتٍ حِينا

اِقضِ بحكم المجد لي عليهمُ

واظهِرْ لها سرَّ الندى المكنونا

لم نعصِ أسبابَ الندى في مدحكم

فكيف تعصون السماحَ فينا