لمن طالعات في السراب أفول

لَمِنْ طالعاتٌ في السراب أُفُولُ

يقوِّمها الحادونَ وهي تميلُ

نواصلُ من جَوٍّ خوائضُ مثلِهِ

صُعودٌ على حكم الزمان نُزُولُ

هواها وراءٌ والسُرى من أمامها

فهنَّ صحيحاتُ النواظر حُولُ

تضاغَى وفي فرط التضاغي صَبابةٌ

وترغو وفي طول الرُّغاء غليلُ

تُرادُ على نجدٍ ويجذِبُ شوقَها

مَظَلٌّ عِراقيُّ الثرى ومَقيلُ

وما جَهِلتْ أنّ الحِجاز معيشةٌ

وروضٌ يربّيه الحيا وقَبولُ

ولكن سحراً بابِلِيّاً عقودُه

تُحلَّلُ ألبابٌ بها وعقول

نجائبُ إن ضلَّ الحِمامُ طريقَه

إلى أنفسِ العشّاقِ فهي دليلُ

حَملنَ وجوهاً في الخدورِ أعزّةً

وكلُّ عزيز يومَ رُحْنَ ذليلُ

قسمنَ العقولَ في الستور بأعينٍ

قواتلَ لا يُودَى لهنّ قتيلُ

وفيهنّ حاجاتٌ ودَيْنٌ غريمُهُ

مليٌّ ولكنَّ الملِيَّ مَطُولُ

يخفّ على أهل القِباب قضاؤها

لنا وهْي مَنٌّ في الرقابِ ثقيلُ

أبَى الربعُ بالبيضاء إلا تنكُّراً

وقد تُعرَفُ الآثارُ وهي محُولُ

ولمّا وقفنا بالديار تشابهتْ

جسومٌ براهنَّ البِلى وطلولُ

فباكٍ بداءٍ بين جنبيه عارفٌ

وباكٍ بما جرّ الفراقُ جهولُ

ونسأل عن ظمياء إلا يراعةً

تميلُ مع الأرواح حيث تميلُ

ويُعجِبُنا منها بزُخْرفَة الكرى

دنوٌّ إلى طولِ البعاد يؤولُ

فإن كان سُؤلاً للنفوس بلاؤها

فإنكِ للبلوى وإنكِ سُولُ

تهجَّر واشٍ فيكِ عندي فساءني

فقلتُ عدوٌّ أنتَ قال عذولُ

وسفّهني في أن تعلّقتُ مانعاً

فقلت وهل في الغانيات منيلُ

إذا لم تكن حسناءُ إلا بخيلةً

فلا عجبٌ في أن يُحَبَّ بخيلُ

وقبلكِ رضتُ الودَّ وهو مماكسٌ

وصافحتُ بالأبصار وهو جزيلُ

وأتعبني المحفوظُ وهو مضيِّعٌ

لعهدِيَ والمألوفُ وهو ملولُ

وقلَّبتُ أبناءَ الزمان مجرِّباً

فكانوا كثيراً والصديقُ قليلُ

ولم أرَ كالأقسامِ أفسقَ سيرةً

وأجورَ بين الناس وهي عدُولُ

ولا كاتّباع الحِرصِ للمرء خَلَّةً

يدِقُّ عليها العِرضُ وهو جليلُ

وقد زعموا أنّ العفافَ غميزةٌ

وأن التراخي في الطِّلابِ نُكولُ

وأنّ السؤال يسرةٌ ونباهةٌ

وكلُّ انتباهٍ بالسؤال خُمولُ

إذا كفَّك الميسورُ والعِرضُ وافرٌ

فكلّ الذي فوق الكَفافِ فُضولُ

ولكنَّ مجداً فضلُ سعيك للعلا

تَطوَّفُ في إحرازها وتجولُ

وأن تخبط الغبراءَ ضرباً وراءها

فتُعرِضُ في آفاقها وتُطيلُ

بغَى شرفُ الدين السماءَ فنالها

بعزمٍ على سقف السماء يطولُ

وخُوِّل أعناقَ المطيّ فَساقَها

وراءَ التي يسمو بها ويصولُ

له كلَّ يومٍ والرياحُ ظوالعٌ

مُناخٌ إلى أمرِ العلا ورحيلُ

نفى الضيمَ عنه أنفُ غضبانَ ثائرٍ

يخِفُّ وقَسْطُ الحادثات ثقيلُ

ورأيٌ يودّ السيفُ لو شافَه الطُّلى

به وهو مطرور الغرار صقيلُ

إذا همَّ فالبحرُ العميقُ مَخاضةٌ

تَوَشَّلُ والأرضُ العريضةُ ميلُ

تحمَّلَ عِبءَ المجد فاشتدَّ كاهلٌ

قويُّ على عضِّ الرحال حَمولُ

وأنصفَ أحكام السيادةِ ناشئاً

وقد غدرتْ شِيبٌ بها وكهولُ

فتًى صُحْفُه في النازلاتِ دُروعُهُ

وأقلامُه فيها قناً ونُصولُ

تَشُلُّ العدا حتى يقالَ كتائبٌ

وتحوِي المدى حتى يقال خُيولُ

وإن شهِدَ اليومَ القَطوبَ تهلَّلتْ

قسائمُ وجهٍ كلُّهن قَبولُ

يَضِحْنَ إذا الأوضاحُ بالنقع أَبْهمَتْ

ويبسِمنَ أمْناً والنفوسُ تسيلُ

وفارقها صُلْبُ العصا لم يُرَعْ له

جَنانٌ ولم تُرعَدْ إليها خَصيلُ

من القوم لم يُخزِ القديمُ حديثَهم

ولم تتخذَّل بالفروع أصولُ

إذا الأبُ منهم قَصَّ مجداً على ابنه

تقَبَّل آثارَ الأسود شُبولُ

تودّ النجومُ السائراتُ بأنهم

إذا ما انتمت آلٌ لها وقبيلُ

ويَكرُمُ صَوبُ المُزن لو أنّ ماءَه

يُنبَّط من أيمانهم فيسيلُ

لهم من عميد الدولة اليوم ذروةٌ

معاليهُمُ وُسطٌ لها وذيولُ

أريتَ عِياناً مجدَهم وهُمُ لنا

أحاديثُ مظنونٌ بها ونُقُولُ

كَرُمتَ فلم تُجحَدْ لديك وسيلةٌ

وطُلتَ فلم يُملَكْ إليك وصُولُ

وما ارتابَ هذا الملكُ أنك شمسُه

تعُمُّ فتضفُو تارةً وتزولُ

إذا غَرَبت أبقتْ فوائدَ نُورِها

وإن صَبَغَتْ يوما فليس يحولُ

وما شكَ فيك الناسُ أنك مُزنَةٌ

تلاقحَ فيها العامُ وهو مُحولُ

أحبّوك حب العين مستَرَق الكرى

وللعين عهدٌ بالرقاد طويل

إذا كانت الشُّورىَ فأنتَ وما لهم

إذا خُيِّرَ الإجماعُ عنك عُدولُ

فإن وجدوا الأبدال لم يتعرضوا

فكيف وما في الناس منك بديلُ

وقد عَلِمتْ أُمُّ الوزارة أنها

إذا غبتَ شمطاءُ القرونِ ثَكولُ

تفارقها مستصلحاً فهي فاقدٌ

مولَّهةٌ حتى يكونَ قُفولُ

وتَبذُلها حتى تغارَ فترعوي

بُعولٌ تَعاطَى بُضعَها وبُعولُ

وإعضالُها خيرٌ لها من رجالها

سواك وما كلُّ الرجالِ فحولُ

لها غِبطَةٌ يوماً ويوماً فجيعةٌ

كذلك دولاتُ الزمان تدولُ

وأبقَى ذَماها علمُها أنَّ أمرَها

إليك وإن طال البعادُ يؤولُ

أنا المطلَقُ المأسورُ بالقرب والنوى

فيوماً ويوماً مَظْعَنٌ ونُزُولُ

تَجيشُ الليالي ثم يخمُدُ صَرفُها

فتنقُص فيما بيننا وتُطيلُ

تغيبُ فلا فرطُ الأسى بمقَبَّحٍ

عليّ ولا الصبرُ الجميلُ جميلُ

فظاهرُ حالي مثلُ دمعِيَ لائحٌ

وباطنُها مثلُ الغرام دخيلُ

ويأكلني فيك العدا وتعودُ لي

فَيُنشَرُ مرمومُ العظامِ أكيلُ

وقد أجدبتْ أرضي فلا يُغفِلَنَّها

مع القرب فيضٌ في يديك بليلُ

أرِدْني لأمرٍ غيظُه حظُّ حاسدي

وحظِّيَ منه في العَلاء جزيلُ

وشافِهْ بحالي ما يكافي كفايتي

فأنت بفضلي شاهدٌ وكفيلُ

ولا تخش من سيفٍ خَبَرتَ مضاءَه

وإن كان فَلّاً أن يكون نُكولُ

فقد يُغدق الوادي وأُولاهُ قطرةٌ

ويَجسُمُ فعلُ الرمح وهو نحيلُ

وكيف حِذَاري من جفائك دانياً

وأنت على بُعد الديار وَصولُ

أتُعتاضُ بالزوراء عنك سحابةٌ

حياها بحُلوانٍ عليّ هطولُ

معاذُ علاك وارتياحُك للندى

وحقٌّ قديمُ العهدِ ليس يحولُ

ومبرَمةٌ الأسبابِ شائعُ ذكرِها

رقيبٌ على نعماك لي ووكيلُ

وأنك لا يحلو على يدك الغِنى

ولا منك حتى تُعتَفَى وتُنيلُ

إذا قلَّ نفعُ المال أو قلَّ ربُّه

فمالُك فرضٌ في السؤال يعولُ

دعوتَ القلوبَ فاستجابت كأنما

هواك إلى حبّ القلوب رسولُ

وكنتَ بما تُولي على المدح حاجراً

وكلُّ مديح في سواكَ غُلولُ

فلا يسرِ في ذا البدر نقصٌ ولا يَطِرْ

بذا الغُصُنِ الريّانِ منك ذبولُ

ولا تنبسطْ كفُّ الزمان بنبوةٍ

تُريدك إلا رُدَّ وهو شليلُ

وزارك بالنَّيروز وفدُ سعادةٍ

له لَبَثٌ لا ينْتَوِي وحُلولُ

يكون نذيراً بالخلود بشيرُهُ

وأنك تبقَى والزمان يزولُ

فلو أمهل المقدارُ يومَك ما جرى

مدارُ الدراري قلتُ أَنتَ عَجُولُ

وجاءتك عنّي كلّ عذراءَ مهرُها

خفيفٌ بحكم الجودِ وهو ثقيلُ

تحنُّ إلى أترابها في بيوتكم

كما حنَّ للضَّرع الدَّرورِ فَصيلُ

لها أخواتٌ مثُلها أو فوَيقَها

جُثُومٌ على أعراضكم ومُثولُ

حظوظُهُمُ منها سِمانٌ جسائمٌ

وحظُّ رجالٍ آخرين هزيلُ

وأنصفتموها إذ ظفرتم برِقِّها

فمالكُها منكم أخٌ وخليلُ

فلو أن إفصاحي بها كان لُكنةً

لعلَّمني المعروفُ كيف أقولُ