من حاكم وخصومي الأقدار

مَنْ حاكمٌ وخصومِيَ الأقدارُ

كثُر العدوُّ وقلَّت الأنصارُ

أشْجَى من الدنيا بحبِّ مقلِّبٍ

وجهين عُرفُ وفائه إِنكارُ

سوْمَ الدعيِّ إذا تضرَّع ردَّه

للُّؤم عرقُ الهُجنةِ النَّعَّارُ

وإذا وَفَى لمنايَ يومٌ حاضرٌ

فأجارَ أسلمني غَدٌ غدَّارُ

أفصخرةٌ يا دهرُ هذا القلبُ أم

هو للهموم الساريات قرارُ

في كلِّ يومٍ للنوائبِ شَلَّةٌ

من جانبيَّ وللهمومِ غِوارُ

ومصائبٌ متحكِّماتٌ ليس لي

مَعهنَّ في بيع النفوس خِيارُ

تُنحي فأحملُها ثِقالاً مُكرهَاً

وكأنني بتجلُّدي مختارُ

جُرْحٌ على جُرْحٍ ولكن جائفٌ

ضلَّ الفتائلُ فيه والمِسبارُ

فَجَرَتْ عمائقُهُ العروقَ وغادرتْ

قَصَبَ العظامِ وهنَّ مُخٌّ رارُ

فاغمزْ قناتي يا زمانُ فإنّه

ذاك المماكسُ طائحٌ خوَّارُ

كُشِفَتْ لنَبْلِكَ غامضاتُ مَقاتلي

وترفَّعتْ عن صَفحتي الأستارُ

وأكلتُ لا خَلَفٌ يردُّ سلامتي

ذلّاً ولا يحمي حمايَ جِوارُ

ذهب الذي كانت تجاملني له ال

دنيا وتسقُطُ دونِيَ الأخطارُ

ويُردُّ فارسةَ الخطوبِ نواصلاً

منِّي مخالبُهنَّ والأظفارُ

من يشتريني بالنفائسِ مُغلياً

بعدَ الحسينِ ومَنْ عليَّ يغارُ

ويُظِلُّني واليومُ أغبرُ مشمسٌ

أتجلَّلُ النكباتِ وهي أُوارُ

أم من يضُمُّ بدائدَ الآمال لي

ويُفَلُّ عني باسمه الإقتارُ

وإذا اقشعرَّتْ أرضِيَ استصرختهُ

فإذا لجينٌ تُربُها ونُضارُ

المِخذَمُ البَتّارُ أُسقِطَ من يدي

والغيثُ أقلَعَ عنِّيَ المِدرارُ

والصاحب انتُزِعتْ قوادمُ أسرتي

منهُ وهِيضَ جَناحُها الطيَّارُ

فاليوم لا أبتِ الصَّغارَ ولا اعتزتْ

إلا عبيداً فارسُ الأحرارُ

وتطأطأتْ ذلّاً فطالت ما اشتهتْ

شرفاً عليها يَعرُبٌ ونِزارُ

كنَّا وإن كَرُمتْ نفاخرُها به

فالآنَ ما بعدَ الحسين فخارُ

لا خفتُ بعدُ ولا رجوتُ وقد ثوى

في التُّرب منه النافعُ الضَّرارُ

سائلْ بهذا الذَّودِ يرغو بَكرُهُ

في الحيّ أين المُقرَمُ الهدَّارُ

ومتى أخلَّ أبو الشبول بغيلهِ

فتناهقتْ من حوله الأعيارُ

يا مُدْرَجاً فرداً تُسَدَّى فوقه

بالقاع أرديةُ الثرى وتُنارُ

مُلقىً وراءَ نسيَّةٍ ومَضلّةٍ

تُخفِي ضريحَك والقبورُ تُزارُ

أذللتَ قلبي للأسى وتركتني

أتبرَّدُ الزفراتِ وهي حِرارُ

وحطمتَ آمالي فهنّ ضعائفٌ

وقَصَرتَ من هممي فهنّ صِغارُ

أنا من شِفار القاتليك متى التقتْ

من مقلَتيَّ مع الكرى الأشفارُ

أو قلتُ معتاضاً بجارٍ مثله

جارٌ ولا بالدار بعدك دارُ

ومتى صحبتُ العيشَ بعدك بارداً

والناسُ صاروا بي إلى ما صاروا

نبذوا عهودَك آنفاً وتقسَّموا

رُمَماً بحبل الخُلف وهو مُغارُ

ظنُّوا بفقدِك أن يَلُمُّوا شَعثَها

يا رُبَّ نقضٍ جَرَّه الإمرارُ

ورجَوْا بهُلكك أن يخلّد ملكُهم

فإذا سلامتُهم بذاك بَوارُ

فعلامَ لم تُشْكَمْ وقد فغرتْ لهم

فلجاءُ يُنكرنا بها الفرَّارُ

وتفجَّرتْ بالشرّ بعدك والأذى

جنباتُها وتداعت الأقطارُ

حذِروا السجالَ يخابطون قَليبَها

والحبلُ واهٍ والجَبَا منهارُ

وَدّوا لو انك حاضرٌ فكفيتَها

لما تولَّى أمرَها الأغمارُ

ورعَى الندامةَ حيث لم يشبع بها

غاوٍ رماك وآخرون أشاروا

ولَّى يفِرُّ ولم يعفْها سُبَّةً

تَسرِي وليس من الحِمامِ فرارُ

سرعانَ ما استعروا بجمرةِ بغيهم

ولربَّ باغٍ غرَّه الأنصارُ

طرحوا الفراتَ إلى الفراتِ فما درى

مُلقوك أيُّهما له التيَّارُ

وتعاظموا أن يَقبُروك ومن رأى

ليثاً يخُطُّ له الثرى مِحفارُ

وأبي العلا ما كنتُ أعلم قبلَها

أنّ البحورَ قبورُهنَّ بحارُ

ذلّاً لبيض الهند بعدك شدّ ما

غَدرتْ ولا سَلِمَ القنا الخطَّارُ

ما كان أنكلهنَّ عنك لوَ اَنّهُ

عند السلاح حفيظةٌ وذِمارُ

قتلوك محصوراً غريباً لا تَرَى

مولىً يُعِزُّ ولا بجنبك جارُ

من خلْفِ ضيِّقةِ السماء بهيمةٍ

ينزو بقلبك بابُها الصَّرَّارُ

حفروا الزبى لك فارتديت وإنما

سلطانُ ليث الغابة الإصحارُ

هلا وفيك إلى وثوبٍ نهضةٌ

ولديك مُنتفَدٌ وعندك زارُ

وخطاك واسعةُ المَدى تحت الظُّبا

لا الخيطُ يحبسها ولا المِسمارُ

أعزِزْ عليَّ بأن تصابَ غنيمةً

في القِدِّ يجمعُ ساعديك إسارُ

في حيث لا يُروَى على عاداته

بيديك نَصلٌ حائمٌ وغِرارُ

وبمصرعٍ لك لم تثابر دونه

فوق الأكفِّ صوارمٌ وشِفارُ

والخيل صايمة على أشطانها

قَرْحَى تَقامَصُ خلفَها الأمهارُ

بشياتِها لم يُختضَبْ بدمٍ لها

عُرفٌ ولم يُبلَلْ عليك عِذارُ

أو أن يكون الجوُّ بعدك ساكناً

واليومُ أبيضُ ما عليه غبارُ

ووراء ثأرك غِلمةٌ لسيوفهم

في الرَّوع من مهج العدا ما اختاروا

يتهافتون على المنون كأنَّهم

حِرصاً فَراشٌ والمنيَّةُ نارُ

حلماءُ في الجُلَّى فإن هم أُغضِبوا

طاشوا فحَنّت فيهم الأوتارُ

لو صحتَ تُسمعهم وصوتُك في الثرى

فحصوا عليك وفي السماء لطاروا

خذلوك مضْطَرّين فيك وجمجموا

من بعد ما فَصُحت بك الأخبارُ

وتناذروا أن يندبوك تقيَّةً

فالحزنُ بينهُمُ عليك سِرارُ

إن يُمسكوا فيضَ الدموع فربّما

فاضت عيونٌ في الصدور غِزارُ

أو يجلسوا نظراً ليوم تشاورٍ

فالريثُ أحزمُ ما أرابَ بِدارُ

ولربَّما نام الطَّلوبُ بثأره

لغدٍ ولكن لا ينام الثارُ

وقد اشتفى بعد البسوس مهلهل

زمناً وما نَسِيَ الدَّمَ المَرّارُ

وعلى الطّفوف دمٌ أطيلَ مِطالهُ

حتى تقاضَى دَيْنه المختارُ

لابدّ من يومٍ مريضٍ جوُّه

للخيلِ فيه بالرءوس عِثارُ

متورِّدِ الطرفين يكفُرُ شمسَهُ

دَجْنٌ له عَلَقُ الكماةِ قِطارُ

تَصلاه باسمك آخذين بحقّهم

عُصَبٌ لهم عبدُ الرحيم شِعارُ

فهناك يعلم قاتلوك بأنه

ما عُقَّ مَن أبناؤه أبرارُ

ويرى عدوُّك والبقاءُ لغيره

أنّ البقاءَ وإن أطيلَ مُعارُ

وإن اشتفى وحَلاَ بفيه غدرُهُ

أنَّ اعتقابَ حلاوتيه مُرارُ

ولقد يُشاك المجتني بمكان ما

عجِلتْ يداه ويُلدغُ المشتارُ

ولَّى بها شنعاء تَذهبُ نفسُهُ

فيها ويَبقَى لومُها والعارُ

درستْ بك السننُ الحميدةُ واغتدى

نقْدُ المكارم وهو منك ضِمارُ

هل سائلٌ بك بعدها أو قائلٌ

هيهات لا خبرٌ ولا استخبارُ

حتى كأنك لم تقُدْ ملمومةً

يُومَى إليك أمامَها ويُشارُ

خرساءَ إلا ما تكلَّم صارمٌ

في قَوْنَسٍ أو طنَّ عنه فَقَارُ

تهفو عليك عُقابها ويضمُّها

منشورةً لفنائك التَّكرارُ

وكأنَّ رأيك لم يلُحْ قَبَساً إذا

عَمِيتْ عشايا الرأي والأسحارُ

وإذا خِلاط الأمرِ سُدَّ طريقُه

فلديك واضحةٌ له وقرارُ

وكأنّ بابَك لم يكن لعُفاته

حَرَماً يُجير ولا حمىً يُمتارُ

يأوي إليه المسنتون ويلتقي

بِفنائه السُّفَّارُ والحُضَّارُ

وتبيت تَلْغَطُ من وصائلِ ناقةٍ

عُشَرَاءَ عندك بُرمةٌ أعشارُ

تُصفِي كرائمَها الضيوفَ وتكتفي

فيما يليك بما انتقَى الجزَّارُ

وكأنّ كفّك لم تَبِنْ في ظهرها

قُبَلُ الملوكِ وتشهدُ الآثارُ

ويخفُّ بين بنانها إن حُمِّلَتْ

ضبطُ الحسامِ ويثقلُ الدينارُ

بالكره منك وبالمَساءة رَوَّحت

لسوى العُقور على البيوتِ عِشارُ

وتراجعتْ وخدودُها ملطومةٌ

بُزْلٌ لقصدك وُجِّهَتْ وبِكارُ

وغفلتَ لم تسأل ولستَ بغافلٍ

أنَّى تنكَّب بابَك الزُّوَّارُ

وتسلَّبتْ من فارسٍ أو راكبٍ

تلك السروجُ إليك والأكوارُ

ومتى أرمَّ المادحون وأكسدتْ

من بعد ما نفقتْ بك الأشعارُ

أو أن أقولَ فلا تصيخ لقولتي

لو كنتَ متروكاً وما تختارُ

وترى الزمانَ يَضيمني فيفوتني

من راحتيك حميَّةٌ وغِيارُ

قد كنتَ حصناً من وَرايَ وكان لي

بك من أمامي جُنَّةٌ وصِدارُ

أيامَ شيبي تحت ظلِّك نضرةٌ

وصِباً وليلي في ذَراك نهارُ

وعليَّ من نُعمَى يديك طلاوةٌ

أمشي وتتبعني لها الأبصارُ

قد كنتُ أحسبُ أن بأسَك هضبةٌ

لا يستطيع رُقِيَّها المِقدارُ

وأقولُ أنّ لسقف بيتك في العلا

عَمَداً حبالُ الموت عنه قصارُ

وإخالُ جودَك نَثْلةً دون الردى

حصداءَ تمنع فَرْجَها الأزرارُ

فإذا الشجاعةُ والسماحةُ مَتجَرٌ

تزكو به الأعمالُ والأعمارُ

غدراً من الأيّام تُفْتِقُ شمسُها

والأرضِ تورقُ فوقَها الأشجارُ

ومذلَّة في السُّحبِ وهي صواحب

ليديك تَنزِل بعدك الأمطارُ

كم قد تعلَّلَتِ المنى بك تارةً

أمنٌ وطوراً خِيفةٌ وحِذارُ

وتخالفتْ فيك الرُّواةُ فسرّني

وتلوّنت بحديثك الأخبارُ

ولقد ظننتُ بها وراءَ لثامها

خيراً فكشَّفَ قُبحَها الإسفارُ

إن تفتقدْ عيني مِثالَك في العلا

فبنوك من عين العلا آثارُ

سدُّوا مكانَك والشموسُ إذا هوتْ

ملأت مَطارحَ نورِها الأقمارُ

طِبْ في الثرى نفساً فكلٌّ منهُمُ

ثَمَّ اقتراحُك فيه والإيثارُ

هم أنفساً تُدوِي عداك وألسناً

من جمرتيك سلائطٌ وشَرارُ

كانوا السَّراةَ وقد عدِمتَ وبعضُهم

لأبيه إن طرَقَ الحِمامُ عَوارُ

متلاحقين إلى العلاء كأنهّهم

مُجرَوْنَ يجمعُ بينهم مِضمارُ

الوفدُ وفدُك طائفٌ ببيوتهم

والحاملُ العبقاتِ والسُّمَّارُ

تُتلَى عليهم فيك كلُّ فضيلةٍ

للميْتِ فيها النشرُ والتَّذكارُ

أيدٍ طُبعنَ على السماح وأوجهٌ

في عتقها من دوحتيك نِجارُ

هم ما هُم ويزينُ مجدَ أبيهِمُ

خالٌ لزَندِ المجدِ منه سِوارُ

ما غِبتَ عنهم وهو شاهدُ أمرهم

لك منه فيهم كافلٌ وطَوارُ

فليبقَ وليبقوا له ما طبّق ال

آفاق طِيبُ ثنائك السيَّارُ

وإذا العزاءُ أتى فذَلَّ لهم به

فيك العزيزُ وأسهلَ المِعسارُ

ولقد أُسلِّيهم وفي عِظتي لهم

جَزَعٌ ورَجْع كلامِيَ استعبارُ

ساهمتُهم عِبءَ المصابِ وكلُّنا

تحت التجمُّل حاملٌ صبَّارُ

لا تبعُدنّ بلىً فقد فات البلى

بك أن يُظَنَّ تقاربٌ ومَزارُ

وسقاك إن عطِش القليبُ وماؤه

متبجِّسٌ وقَرارُهُ خَرَّارُ

متهدِّلُ الأطرافِ يَمَسحُ بالثرى

مما تراكَمَ ذيلُهُ الجَرَّارُ

صَخِبُ الرُّعودِ تَهيجُ في جَنباتِهِ

للعاصفاتِ جَراجِرٌ وخُوارُ

فجرى يجلِّلُ بالحيا حِيطانَهُ

حتى الجداولُ تحتها أنهارُ

يَسقِي بأعذب ما سَقَى حيث التقتْ

فِلقُ الصفيحِ عليكَ والأحجارُ

حتى يُظنَّ ثراك نَشواناً به

دارت عليه من السحابِ عُقارُ

ويضوعَ منك بطيبِ ما في ضمنه

فكأنّ ضارجَ تُربه عطَّارُ

ونزلتَ حيث تُحَطُّ أملاكُ العلا

شوقاً إليك وتُرفَعُ الأوزارُ