من أنت يا نفسي

إن رأيتِ البحرَ يطغى الموج فيه و يثورْ،

أو سمعتِ البحرَ يبكي عند أقدام الصخور،

فارقبي الموجَ إلى أن يحبسَ الموجُ هديرَهْ

وتناجي البحر حتى يسمع البحر زفيره

راجعاُ منكِ إليهِ.

هل من الأمواجِ جئتِ؟

إن سمعتِ الرعدَ يدوي بين طيّات الغمامْ

أو رأيتِ البرقَ يفري سيفُه جيشَ الظلام،

فارصدي البرقَ إلى أن تخطفي منه لظاهْ،

و يكفُّ الرعدُ لكن تاركاً فيك صداه.

هل من البرقِ انفصلتِ؟

أم مع الرعدِ انحدرتِ؟

إن رأيتِ الريح تذري الثلجَ عن روس الجبالْ،

أو سمعت الريح تعوي في الدجى بين التلال،

تسكن الريح و تبقَيْ باشتياق صاغيهْ

و أناديك و لكن أنتِ عني قاصيه

في محيطٍ لا أراه.

هل من الريحِ وُلدتِ؟

إن رأيتِ الفجرَ يمشي خلسةً بين النجومْ

ويُوشّي جُبّة الليل المولّي بالرسوم،

يسمع الفجر ابتهالاً صاعداً منكِ إليهْ

وتخرّي كنبيٍّ هبط الوحيُ عليه

بخشوعٍ جاثيه.

هل من الفجرِ انبثقتِ؟

إن رأيتِ الشمسَ في حضن المياه الزاخرهْ

ترمُق الأرضَ وما فيها بعينٍ ساحره،

تهجع الشمسُ وقلبي يشتهي لو تهجعينْ،

وتنام الأرضُ لكن أنت يقظى ترقبين

مضجعَ الشمس البعيدْ.

هل من الشمسِ هبطتِ؟

إن سمعتِ البلبلَ الصدّاحَ بين الياسَمينْ

يسكب الألحانَ ناراً في قلوب العاشقين،

تلتظِي حزناً وشوقاً والهوى عنك بعيدْ

فاخبريني، هل غِنا البلبل في اليل يُعيد

ذكرَ ماضيكِ إليكِ؟

هل من الألحانِ أنتِ؟

إيهِ نفسي! أنت لحنٌ فيَّ قد رنَّ صداه

وقَّعته يدُ فنّانٍ خفيٍّ لا أراه.

أنتِ ريحٌ ونسيمٌ، أنتِ موجٌ، أنت بحرُ،

أنت برقٌ، أنت رعدٌ، أنت ليلٌ، أنت فجرُ

أنتِ فيضٌ من إله!