الحجازي

كنتُ ماءً

وكنتُ فيه الدوارا

قبل أن تصبحَ البحارُ بحارا

إنني صاحبُ المنازلِ

وحدي مَن بأسمائيَ الغريبُ استجارا

حيثُ لا ريبَ في المطالعِ

زارتْ صرختي الأرضَ

حين لا شيء زارا

يومَ أُهبطتُ

لم يلحْ لي طريقٌ

فتجذّرتُ في مكاني انتظارا

ثمّ لما سألتُ ما لا يُسمّى: أين معنايَ ؟

للجبالِ أشارا

قلتُ فلأرتفع إليها

غموضاً وصلاةً وحكمةً واسمرارا

قمتُ في أول الكؤوسِ

صغيراً كان لا يستطيعُ فهمَ السكارى

يشهدُ البرقُ في البداياتِ

أنّي

حين حاولتُ لم يكنْ قد أنارا

فكرةً..فكرتين

جرّبتُ ألا أتوانى مع الدخانِ ادخارا

أن ألمّ الشموسَ

من كلِ أفقٍ مستحيلٍ

و أرتديها سوارا

أن أرى الماوراء يبرزُ

حتى يتناهى غرابةً واستتارا

غير أني فشلتُ

مثل ترابٍ غادر الأرض

ثم صار غبارا

قال لي حارسُ الفتوحاتِ

لمّا كدتُ أن أُحرجَ الحضيضَ

انهيارا :

كم على الطين أن يدور

إذا ما شاء أن يمسكَ المياه

جرارا ؟

درتُ

حتى لم يبق في الأرض شيءٌ يشتهي أن يكونَ

إلا ودارا

بعدها

وانشققتُ عن كل بيتٍ

ثم أصبحتُ للألوهةِ جارا

وتدرجتُ في المصابيح حتى

رشحتني لكي أكونَ النهارا

***

إنني الأوّلُ

الذي ما تأنّى في مكانٍ

إلا استحال مزارا

السلالاتُ كلُها فيّ

حتى شاعَ عنّي أني ولدتُ مرارا

يومَ تاب (اللاويُّ)

أوقدتُ نفسي

وتصاعدتُ في القرابينِ نارا

في (العشاء الأخيرِ)

كان بكائي جالساً

والمسيحُ يوصي النصارى

ثم دوّيتُ في الحجاز

إلى أن قيل :

يا مستحيلُ سرْ حيث سارا

يومها قامت الرياحُ برأسيَ

و تشظيتُ في الجهاتِ

انتشارا

والذي جرّب الوقوف أمامي قال:

من حاورَ الأعاصير

طارا

لكَ

يا مطلقي الذي لا يُدانى

بكِ

يا آيتي التي لا تُجارى

عنكَ

يا خارجاً من الظلِ تشكو ما تعاني

تمددا وانحسارا

منكِ يا يثربَ البدايات حتى

غربِ غرناطةٍ وشرقِ بخارى

بصلاةِ النخيلِ

واللهُ عالٍ

كدتُ أن أدهنَ السماءَ اخضرارا

***

يا خروجي عن التشابهِ

يكفي

ما أحسّت به رمالُ الصحارى

حين ضاقت بيَ الحقيقةُ جداً

قلتُ: فلأدخل المجاز اضطرارا

أخذتني المعلّقاتُ

إلى ما شبّه اللهُ

والنبيُّ استعارا

وترعرعتُ في الهوامش

وعياً لا يزورُ النصوصَ إلا شجارا

لغتي

كانت الوجود تماماً

استدارت حيث الوجودُ استدارا

لم أقل مرةً هو “الغيمُ”

إلا

فتحت نفسَها السماءُ انهمارا

لغةٌ عبرها

رأيتُ الليالي

نفخت في الهلالِ حتى استنارا

ورأيتُ الهواءَ يَشخصُ

فيما كلُ شيء عن كل شيء

توارى

ورأيتُ الحجارةَ السود وافى بعضُها البعضَ

ثم قامت جدارا

***

أنتَ يا آخر العرار بنجدٍ

عن قليلٍ

لن أستطيعَ العرارا

في دمي وردةٌ تئنُّ

ووجهي كاد أن يسرقَ المغيبَ

احمرارا

البكاءُ المعادُ حانَ

فخذني ريثما يصبحُ البكاءُ

ابتكارا

إن لي موعداً

و ليس بوسعي أبداً أن أُطيل هذا الحوارا

إنني ذاهبٌ لأنّي آتٍ

مثلما ينتهي العلوُّ

انحدارا

لا تعلّقْ لي المفاتيح

تنسى نفسَها الريح حين تملكُ دارا

خذ (حواميميَ)

التي كلُ موتٍ قبلها لا يُعدُّ

إلا انتحارا:

لستَ عشقي

إن كان ثمّ سماءٌ

عنك لم تلتفت

لكي لا تغارا

لستِ كينونتي

إذا لم تزيحي عن عيوني

فردوسيَ المستعارا

لستَ كشفي

من دون كشفٍ مضادٍ

يوقفُ الروحَ في صلاة الحيارى

لستَ حدسي

ما لم تكن كوصولٍ

كاد أن يلغي الطريق اختصارا

لستِ تغريبتي

لو الفجرُ وافى قبل أن تكسري الوجودَ

فرارا

لستَ صوتي

إذا تأخرت عنّي

وأنا أرفضُ الطغاة الكبارا

لستِ حريّتي

إذا لم تكوني ضدّ أن تألفَ النجومُ المدارا