الورقة الأخيرة من مذكرات المتنبي

( كان لا بد كي يدخل النهر في الشعر…أن يفقد النهر)

(شوقي بزيع)

لقد آن

أن أُحصي رمادَ معاركي

وأُحصي شياطيني

وأُحصي ملائكي

أناخت على وجهي النهاياتُ

فلتقمْ

مراثيَّ

ولتأمنْ ذئابُ المهالكِ

أدرتُ بيمنايَ الكواكبَ علّني

أُديمُ على الدنيا بريقَ نيازكي

وحاولتُ أن أُعطي الخلودَ

خلودَه

وما الناسُ إلا هالكٌ وابنُ هالكِ ‘

خسرتُ رهاني

غيرَ شعرٍ مجلجلٍ

فرشتُ به فوقَ السماءِ أرائكي

لخولةَ أطلالٌ…’

فيا نهرُ لا تسرْ

سأخلعُ في هذا المكانِ تماسكي

ففي النارِ تحنانٌ

وفي السيفِ وردةٌ

وفي كلِ شيطانٍ بقيةُ ناسكِ

جمعتُ لعينيها النذورَ ولم أبحْ

وصليتُ في ليلِ الجفونِ

الفواتكِ

أنا الشمسُ في الأسماءِ

والصوتُ في الصدى

فيا صوتُ عمّدني…ويا شمسُ باركي

تحارُ المرايا الواثقاتُ بنفسها

إذا عكستني بين باكٍ وضاحكِ

حججتُ إلى نفسي

وبعضُ قصائدي

ستكفي إذا ساءلتني عن مناسكي

عبدتُ انفرادي…وانتميتُ لوحدتي

فلو قيل لي: شاركْ

قتلتُ مُشارِكي

تخيرتُ من جنّ الكلامِ بعيدَه

وقلّمتُ من أشجارِه كل شائكِ

وقلتُ لشلالِ النبوةِ :

هُزني

بُعثتُ إلى ليلٍ من الناسِ حالكِ

دخلتُ لتيجانِ الملوك

وعندها

رأيتُ مماليكاً بغير ممالكِ !

رأيتُ منايا عبد شمسٍ وهاشمٍ

تبايعُ حجاماً

وتعنو لحائكِ !

رأيتُ عماماتِ الغزاةِ تلفُنا

وتنشرُنا تحتَ السيوفِ السوافكِ

ونحنُ نَعدُ الأربعينَ

مضلةً

وتسلبنا الصحراءُ كلَ المسالكِ

ألا أيهذا الموت

إن كنتَ حكمتي

تعالَ…وخذني من غبارِ السنابكِ

طُعنتُ ولا أحصي الرياحَ

كأنما

لأهونُ ما في العمرِ طعنةُ ( فاتكِ )