مراوغة الغراب

وجه الضحى ذهب

تعلو من الأفق الأقصى مراياه

والطير بعض شظايا ظلمة‮ ‬تركتْ‮ ‬أظفارها

فيِ‮ ‬أديم الضوء رفرفة‮ ‬تعلو وتهبط

والغربان‮ ‬غَوْغَقَة ترتجّ‮ ‬منها

رؤوس النخل والشجرِ

والشمس تنفخ من أنفاسها صخبا‮ ‬ملءَ‮ ‬السماء

وملءَ‮ ‬السمع والبصرِ

أمي،‮ ‬وقد سمعَتْ،‮ ‬تومي وتكشف ما

يطوي عليه كلام الله فيِ‮ ‬السورِ‮:‬

هذا ابن آدمَ‮ ‬يغْلي في خوالجه

كِبْر الصغيرِ‮ ‬وطغيان الغرائز والأهواءِ‮ ‬من

حسدي‮ ‬يمور مَوْرَ‮ ‬دمي‮ ‬فيِ‮ ‬عاصف الشررِ

مدّ‮ ‬القتيل يديه قبل مقْتله

بالخبز فوق إناء الماء

فاندلعتْ من ومْضَةِ‮ ‬الغدر سكين

مشَطّبَة‮ ‬على الضغينة،

والغربان شاهدة

ترى القتيلَ‮ ‬علي أكتاف قاتله،

تصغي لغرغرة الحصْباء تَشْرَق من هواطله‮.‬

قالت‮: ‬فكلّ‮ ‬دمٍ‮ ‬من يومها نطَف

تسري مواريثَ‮ ‬فيِ‮ ‬الأَصلاب

تَدْفق ما بين الترائبِ،

ما من جمرةٍ‮ ‬وَقَضَتْ‮ ‬فيِ‮ ‬دمع ثاكلةٍ ‬مدى الدهور

سوى أطيافِ‮ ‬ذاكرةٍ‮ ‬من دمع حواءَ

فيِ‮ ‬الآماق ترتحل

جيلا‮ ‬فجيلا،‮ ‬وفي الثّارات تشتعل

قلت‮: ‬الضحى ذهب‮ ‬قد شقّقَتْه‮ ‬غرابيب الشهودِ

وشقّتْ‮ ‬غاق مرثيةٍ ‬عمقَ‮ ‬الفضا

والصدى ترتجّ‮ ‬منه رؤوس النخل والشجرِ

ظلي على الأرض ممدود‮.. ‬يروّعني‮:‬

هذا أنا‮.. ‬فمن انْحلّتْ‮ ‬مفاصله،

أَرْخى يديه،‮ ‬على كتفيّ‮ ‬ينهدل؟‮!‬

هل كنت أحمله حتي أفرّ‮ ‬به عبر التواريخ

والغربان شاهدة‮ ‬أن التواريخَ

مَجْلى القتل مجزرة‮ ‬في إثر مجزرةٍ؟‮!‬

قلت احتمله على الأكتاف واصطبرِ

ما ثَمّ‮ ‬من سوأة تعلو معّرتها

عن سوأة الدفنِ‮ ‬في النسيان والحفرِ