أطوار

تخَيَّلْتُ أَنَّي عِشْتُ مِن قَبلُ حِقْبَةً

وأَنَّ حَياتي واقِعٌ يَتَكَرَّرُ!

فقد كُنْتُ طَيْراً في الفضاءِ مُحَلَّقاً

يَفِىءُ إلى إِلْفٍ به العُشُّ أَخْضَرُ!

حَنُون. فما تَلْقاه إلاَّ مُغَرِّداً

ومِن حَوْلِهِ الأَّشجارُ تُشْذِي وتُثْمرُ!

ولكنَّه يَخْشى الجوارحَ تَرتَمي..

عليه . وتَنْقَضُّ انْقِضاضاً يُدَمِّرُ!

ومَرَّتْ سنُونٌ أو قُرونٌ تَصَرَّمَتْ

عَلَيَّ. وما أّدرِي. فَإِنِّي مُسَيَّرُ!

فإِذْ أنا صَقْرٌ في الفضاءِ مُحَوِّمٌ

له صَوْلَةٌ مُخْتالَهٌ تَتَبَخْتَرُ!

يُفَتَّشُ في أَجْوائِهِ عن فَرِيسَةٍ

بلاَ رَحْمَةٍ يَنْقَضُّ ثم يُسَيْطِرُ!

يُصيدُ.. ويَطْوى جُوعَهُ غَيْرَ آبِةٍ

بِشيءٍ. فإَنَّ الصَّيْدَ رِزْقٌ مُقَدَّرُ!

ويأْوي إلى عُشَّ مُرِيحٍ مُنَعَّم

بأفراخِهِ . وهو الحَصِينُ المُسَوَّرُ!

وضِقْتُ بهذا العَيْشِ ذَرْعاَ فَرَدَّني

قَضائِي إلى ما كنْتُ أَخشى وأَحذَرُ!

غَدَوْتُ هِزَبْراً يسْتبِيحُ بِحَوْلهِ

وقُوَّته ما شاءَ .. يَنْهى وَيأْمُرُ!

كما المَلِك الجَبَّار تَعْنو لِحُكْمِهِ

رَعِيَّتُهُ. لو غاصَ في الصَّدْرِ خَنْجَرُ!

له مَأْكَلٌ منهم. لهُ خَيْرُ مَشْرَبٍ

وهم طَوْعُ ما يُملي وما يَتَخَيَّرُ!

وقد يَسْتوي ما بَيْنَهُم فَتَرُوهُمْ

بَراثِنُ حُمْرٌ تَسْتذِلُّ وتُنْذَرُ!

شَقِتُ فَناداني غَدٌ مُتَذَمِّرٌ

خَسئْتَ فَبِئْسَ الظَّالِمُ المُتَجَبِّرُ!

فقُلْتُ له مَهْلاَ فإِنِّي لَكارِهٌ

حَياتي فإِني الخاسِرُ المُتَبَطَّرُ..!

وأَسْدُرُ في غَيِّ الحياة وأَرْعَوي

فَاَبْكِي.. وتَطْوِيني رُؤاها وتَنْشُرُ!

وإنِّي على ما كانَ مِنِّي لَنادِمٌ

فهل ندمِي يُجْدي.ويُجْدي التَّدَبُّرُ؟!

فقال .. بَلى . إنَّ التَّدَبُّرَ نِعْمَةٌ

عَلَيْكَ. وقد يَتْلُو.. فَيَهْدِي التَبصُّرُ!

وأَغْضَيْتُ لا أّدْرِي أَقَرْناً صَرَمْتُهُ

وإلاَّ قُروناً .. ثم كانَ التَّغَيُّرُ..!

فَألْفَيْتُنِيِ ظَبْياً غريراً .. وظَئْرُهُ

بِجانِبي . فارتْاحَ مِنَّي التَّصَوُّرُ!

ولكِنَّني أَحْسَسْتُ خَوْفاً مُمَزَّقاً

حَشاي . ولَوْلا الله ما كنْتُ أَصْبِرُ!

فَلِلًّهِ ذِئْبٌ مُشْرَئِبٌ لِصَيْدِهِ

ولّلِه ما يَلقى من الذَّئْبِ جُؤْذَرُ!

ولكِنَّني رَغْمَ الرَّدى كنْتُ راضِياَ

بضَعْفي. فَكَمْ أَشقى ودَمَّرَ عَنْتَرُ!

وشاءَتْ مقاديري نَجاتي. ورُبَّما

نجا الضَّعْفُ مِن كِسْرى. وحاباهُ قَيْصرُ!

قُرُونٌ مَضَتْ ثم انْتَهَتْ بي لِصَحْوَةٍ

مُغاضِبَةٍ.. تُبْدِي الأُمورَ وتَسْتُرُ!

تراءى بها رُوحي العَجيبُ وهَيْكَلي

كما كانَ إنساناً بَراهُ التَّطَوُّرُ!

فَأَطْرَقْتُ ما أَدرِي. أَأَرْبِحُ بالَّذِي

رَجَعْتُ إليه اليَوْمَ؟أَو سوْف أَخْسَرُ!

أَرى في حَناياي الضَّلالةَ والهُدى

خَصِيمَيْنِ من سَيْفَيْهما أَتَقَطَّرُ..!

تَحَيَّرتُ ..أَطْواري العَدِيدَةْ كُلُّها

سلامٌ وحَرْبٌ. نَعَجَةٌ وغَضَنْفَرُ!

وأَنْكِرُ مِنْها حَالَتَيْها.. وأَنْثْني

وقد مَسَّ أَعْصابِي الوَنى والتَّوَتُّرُ!

فأَيُّ سَبِيلَهْا أَنُوءُ بِكَلْكَلٍ

إذا سرْتُ فِيه . شَدَّ ما أَتَحَسَّرُ..!

لقد كانَ يَلْوي من خُطاي تَرَدّدِي

وعادَ فألوى من خُطايَ التَّهَوُّرُ!

وأَتْخَمنَي مِن بَعْد مَخْمَصتي الغِنى

ومِن بَعْد فَقْرِي نالَ مِنِّي التَّضَوُّرُ!

كفَانيِ من العَيْش الرَّضِيَّ. وَضِدَّهِ

كَفاني وإنْ لم يَسْتَذِلَّ التَّعَثُّرُ!

متى أَهْتَدِي لِلرُّشْدِ دُونَ غِوايَةٍ

وأَحْظى بِوِرْدٍ حِينَما شِئْتُ أَصْدُرُ؟!

متى قَلِقِي هذا يَعودُ سِكِينَةً

فَأَرْتَدُّ مِنْها بالحقيقةِ أَجْهَرُ؟!

لقد كنْتُ قَبْلَ اليَوْم أَهْدى تَفَكَّرا

فما لي بهذا اليَوْمِ لا أتفكَّرُ؟!