الراعية

أراعِيتَي لقد أَخْطَأْتُ دَرْبي

فَرُدِّي الدَّرْبَ. واسْتَدْني المزارا!

شقيتُ وكنتُ أرْتَعُ من رِياضٍ

فعادت بعد نَضْرتِها قِفارا..!

فما أنا واجِدٌ فيها زُهوراً

ولا أنا واجِدٌ فيها ثِمارا..1

وما أَدْرِي لعلَّ غَدي يُوافِي

بما أَلْقى به المِنَنَ الكِبارا..!

* * *

أراعِيَتي لقد أَمْسَيْتُ عَبْداً

لأَهْوائي.. وقد أَلْقى التَّبارا!

إذا ما شِئْتُ إذْعاناً لِرُشْدي

تَباعَدَ وانْثنى عنِّي فِرارا!

وكيف وقد رأى حُوباً مُخِيفاً..

يُعَرِّيني ويَسْلِبُني الإِزرا؟!

فما أَقْوى على صَدِّ نَفُورٍ

له بَلى وأُطِيعُه فأَزِيدُ عارا!

* * *

أَراعِيَتي. وإنَّ المالَ يَطْوي

كَمِثْلِ المجْدِ لِلْخُسْرِ الضَّميرا..!

أُطِيعُ جَداهُما رَغَباً فأَهْوِي

إلى دَرَكٍ. وما أَخْزَى الحَفِيرا!

ولكنِّي أعِيشُ به قَرِيراً

فَلَيْتَني كنْتُ في الدَّرَكِ الحَسِيرا!

ولوْ كنْتُ البَصِيرَ لما احْتَوانِي

ولكنِّي اسْتَوَيْتُ. ضَرِيرا..1

* * *

أراعِيَتي. وصارَ هَوايَ مَوْلًى

يُسَيِّرُني فما أَشْكو المَسيرا!

فيَسْلِبُني الحِسانُ نُهًى وحِسّاً

وأَرْضاهُنَّ لي سِجْناً ونِيرا!

وأُبْدِلُهُنَّ بِالبأْساءِ نُعْمى

فَيَلْقَيْنَ العَسيرَ بها يَسيرا!

وأُهْدِرُ بَيْن أَيْدِيهِنَّ رُشْدي

بلا وَعْيٍ. فقد كنْتُ الغَرِيرا!

* * *

أراعِيتي. وكانَ الحِقْدُ يُغْرِي

حَشايَ على الذين فَرَوْا أَدِيمي!

وما كنْتُ الحَقُودَ فَأَرْغَمَتْني

مثالِبُهُم على الطَّبْعِ الذَّمِيم!

وما يَرْتَدُّ ذو حِقْدٍ بِعَفْوٍ

فما كان الحَقُودُ سوى اللَّئِيمِ!

فَأَبْرَأَني بِصَفْعِ قَفاهُ حتى

رأيْتُ مَدامِعَ العَبْدِ الزَّنِيمِ!

* * *

أَراعيتي. ولولا الغَيُّ يُفْضي

بِصاحِبِه لِمَرْتَعِهِ الوَخِيمِ..!

لَكُنْتُ عَفَوْتُ عن شَرٍّ حَقُودٍ

وأَصْدُرُ فيه عن طَبْعي القدِيمِ!

ولكنِّي انْقَلَبْتُ إلى عَتِيٍّ

يَرى نُعْماهُ في قَهْرِ الغَرِيمِ!

لقد كنْتُ المَلاكَ فكيف أغدو

وقد دَهَمَ المشِيبُ إلى رَجِيمِ؟!

* * *

أراعِيَتي. وقد عادَتْ خِلالي

مَباذِلَ حَيَّرَتْ أَهْلي وصَحْبي!

فما عادَتْ أَشِعَّتُها بِعَقْلي

تُضَوِّئُهُ. ولا عادَتْ بِقَلْبي!

لماذا يَسْتَحِيلُ التِّبْرُ يَغْلُو..

إلى صَخْرٍ يُجَرِّحُني.. وتُرْبِ؟!

لماذا لا يَحُولُ الضِّيقُ يُدْمي

ويُرْمِضُ مُهْجَتي الحَرَّى لِرَحْبِ؟!

* * *

أراعِيَتي. وقد أَحْنُو وأَقْسُو

وأَسْلُكُ مَنْهَجيْ سَهْلٍ وصَعْبِ!

وأَفْتَرِعُ الذُّرى صَعَداً. وأَهْوِى

بِدُونِ تَحَرُّجٍ بقَرارِ جُبِّ!

وقد أَدْنو لِسِربي ثم أُنْأى

خَؤُوفاً منه. وهو يرِيدُ قُرْبي!

وما أَدْرِي أكنْتُ على ضَلالٍ

وإلاَّ كنْتُ ذا صَفْوٍ وحُبِّ؟!

* * *

أراعِيَتي. وأَنْتِ ملاذُ رُوحي

وأَنْتِ المَجْدُ لي بِذُرًى عَوالى!

فَكُوني لي كما كنْتِ قَبْلاً..

أَعُدْ لِحياةِ طُهْرٍ وامْتِثالِ!

فإِنِّي نُؤْتُ من ثِقَلِ الخطايا

وحَسْبُكِ بالخطايا من ثِقالِ!

وقد عَوَّدْتِني أَنْ تَنْشُلِيني

مِن الأَدْراكِ. مِن جَنَفِ الضِّلالِ!

عَمِيتُ فَلسْتُ أُبْصِرُ ما أَمامي

ولا خَلْفِي. وأَعْياني كَلالي!

فَرُدِّيني لأَمْسِيَ. إنَّ يَوْمي

يُجَرِّحُني بِأَشْتاتِ النّصالِ!

* * *

تبارَكَ ذو الجلال. فقد بدا لي

نَهارِي بَيْن أَسْدافِ اللَّيالي!