الغاوي الذي استرشد

السَّماواتُ والأراضي تُطِلاَّنِ

على الآبِقِ الذي يُرِيدُ الصَّلاةَ!

شَهِدا دَمْعَهُ وهَوْلَ لَيالِيهِ

وأنَّاتِهِ بِها والشَّكاةَ!

فاسْتراحا إليه قلباً جَرِيحاً

قارَفَ الأثْمَ صَحْوَةٌ وسُباتا!

واسْتفاقَ الأثِيمُ فاجْتاحَهُ الخَوْفُ فقالا له.. سَتَلْقى النَّجاةَ!

* * *

يا سمائي لقد كَرُمْتِ. ويا أَرْضي

لقد كُنْتُما الرُّعاةَ الأُساةَ!

أنا أَشْقى بما لَقِيتُ.. فهل أَسْعَدُ يَوْماً إذا غَدوْتُ رُفاتا؟!

أَفَيَغْدُو الأُجاجُ في عالَمِ الغَيْبِ إذا مَسَّهُ الكريمُ فُراتا؟!

لَسْتُ باليائِسِ القَنُوطِ من

الرَّحْمَةِ حتىَّ ولو بَزَزْتُ الجُناةَ!

كانَ مِنِّي الإِثْمُ الرَّهيبُ وأَرْجُو

أَنْ يَكُونَ الصَّفْحُ الجَمِيلُ الرَّجاةَ!

إن في التَّوْبِ ما يَرُدُّ الخطايا

خاسِئاتٍ. وإنْ يَكُنَّ عُتاةَ!

أنا هذا الأَثِيمُ يا رَبِّ.. تَشَتَّتْتُ مَليّاً.. فَلُمَّ هذا الشَّتاتا!

وارْعَهُ بَعْد أَنْ تَقَدَّمَ في السِّنِّ. وأَمْسى مِن السِّنِينِ فُتاتا!

* * *

وَيْحَ نَفْسي فقد شَعُرْتُ بِأْنِّي

بعد أَنْ تُبْتُ. قد بُعِثْتُ جَدِيدا!

فَرَأَيْتُ النُّورَ الوَضِيءَ يُغَشِّيني

وقد عِشْتُ في الظَّلامِ مَدِيدا!

ورَأَيْتُ الأَخْيارَ حَوْلي يقولون

تَقَدَّمْ ولا تَكُنْ رِعْدِيدا..!

أَنْتَ مِنَّا أَصْبَحْتَ. فاسْعَدْ بِلُقْيانا!!

فقد كُنْتَ عن المَكْرُماتِ هذى بعيدا!

وَدِّعِ الأَمْسَ يا شَقِيُّ فقد كانَ على قَلْبِكَ الضَّلُولِ مَرِيدا!

ولقد كنْتَ رَغْمَ هَوْلِ خَطاياكَ

ذَكِيّاً.. لكِنْ عَتِيّاً عَنِيدا..!

فَتَوَغَّلْتَ في الأَثَامِ وأَسْرَفْتَ

ولم تُبْقِ للرُّجُوعِ رَصِيدا!

وحَسِبْناكَ لن تَعُودَ إلى الرُّشْدِ

فإِنَّ الغيان يَجْفو الرَّشِيدا!

ثم شاءَ الرَّحْمانُ.. جَلَّتْ أَيادِيهِ عَلَيْنا.. عَيْشاً عَلَيْكَ رغِيدا!

سَبِّح الله ما اسْتَطَعْتَ. فقد

كانَ رَؤُوفاً حَباكَ صَفْحاً مَجِيدا!

وتَطَلَّعْتُ لِلسَّماءِ وأجْهَشْتُ

فقد كنْتُ للرَّجِيمِ وَدِيدا!

لم يَدَعْني أَفِيقُ من سكْرَةِ الغَيِّ

وأَمْسَيْتُ في يَدَيْهِ حَصِيدا!

* * *

ثُمَّ أَغْضَيْتُ مِن حياءٍ مِن خَوْفٍ. فقد كنْتُ سادِراً في حَياتي!

كنْتُ فيها الظَّلُومَ لِلْفِكْرِ

والحِسِّ. وكانا في النَّائِباتِ شَباتي!

يا لَوَيْلي مِن الغَباءِ فقد كنْتُ

بليدا في صَحْوتِي وسُباتِي!

كيف هذا؟! وكانَ أَهْلي يَظُنُّونَ بِأنِّي الهُدى. وكانَ لِداتي!؟

* * *

ظاهري كانَ يَبْدو قَوِيماً رشيداً

حِينما كانَ باطِني الصَّدِي يَتَرَدَّى!

لَيْتَهُمْ أَبْصَرُوا العَمِيَّ الذي

ظَلَّ خِداعاً بِقاعِهِ يَتَدَهْدى!

آهِ لو بِنْتُ لِلْعُيُونِ فلاقَيْتُ ازْدِراءً من العُيُونِ. وصَدَّا!

إنَّ هذا الرِّياءَ.. كُبْرى الخَطِيئاتِ أَحالَ الذَّمَّ المُدَمِّرَ حَمْدا!

يا إِلهي. لقد شَقِيتُ وأَشْقَيْتُ. فأَبْدَلْتَ شقوتي مِنْكَ سَعْدا!

فَتَمَجَّدْتَ.. ما أَجَلَّكَ رَبّاً

حين تًحْبو الغواةَ جَاؤُوكَ رِفْدا!

أنا فَرْدٌ مِن الغُواةِ.. وما عُدْتُ

بِغُفْرانِكَ المُعَزِّزِ.. فَرْدا!

أنا عَبْدٌ مِنْهُمْ أَنابَ فَأَمْسى

يَتَباهى بِكَوْنِهِ بكَ عَبْدا!

* * *

بَيْنَ عَهْدٍ مَضى.. وعَهْدٍ جَدِيدٍ

بَيْنَ عَهْدِ الدُّجى وعَهْدِ الضِّياءِ!

عُدْتُ ما أَشْتَهي سِوى المَجْدِ

ما يَهْدِفُ إلاَّ لِنُصْرَةِ الضُّعَفاءِ!

عُدْتُ ما أَشْتَهي سِوى المالِ

ما يَهْدِفُ إلاَّ لِخِدْمَةِ الفُقَراءِ!

عُدْتُ ما أَشْتَهي سوى الصَّفْح

مَهْما نالَني من ضراوة الخُصَماءِ!

فَلَعَلِّي يوم الحِسابِ أَرى

العَفْوَ فَأَغْدو بِه مِن السُّعداءِ!